يبدو أن العقوبات المقررة في القانون التونسي لا يمكن تطبيقها فورا وبصفة آلية على مرتكبي الجرائم لمجرد ارتكابهم إياها، إذ لا بد لتنفيذ العقوبات المقررة على المذنب من أن تحكم عليه سلطة قضائية مختصة، وتعتبر أعمال قاضي التحقيق وسلطاته الواقعية والقانونية ذات أهمية بالغة في القضاء الجزائي بصفة خاصة وفي التشريع التونسي بصفة أعم، وكان ذلك جليا في دوره في العديد من الملفات القضائية الكبرى والمعقدة، منها قضية نبيل القروي، سامي الفهري، سليم الرياحي، والعديد من الوجوه السياسية، ورجال الأعمال.
سلطات قاضي التحقيق
يعتبر البحث عن الحقيقة هو الوظيفة الأساسية لقاضي التحقيق لذلك مكنه المشرع من كل السلطات القانونية والواقعية للوصول للحقيقة، فمكنه من إجراء الأبحاث اللازمة والمعاينات وحتى التفتيش بالمنازل وحجز الأشياء الصالحة لكشف الحقيقة وإجراء الاختبارات اللازمة إلى غير ذلك من الأعمال الاستقرائية التي يقتضيها البحث للوصول إلى الهدف المنشود.
وبالرجوع إلى أحكام المادة 66 من قانون الإجراءات الجزائية نجد أن اختصاص قاضي التحقيق يتحدد بنوعية الجرائم فنجد أن التحقيق الابتدائي وجوبي في مواد الجنايات وجوازي في مواد الجنح واختياري في مواد المخالفات، وخصص المشرع التونسي إذا لقاضي التحقيق نفوذا هاما وسلطات قوية تبرز على مستوى البحث من جهة وعلى مستوى النفوذ أي اتخاذ القرارات من جهة أخرى.
قاضي التحقيق في تونس
من النادر أن نجد اتهامات موجهة لقاضي التحقيق أو أن يتهم مثلا بالتواطؤ في عدم كشف الحقيقة أو بتجاوز السلطة، أو التقصير في أداء واجباته، لكن في تونس توجيه أصابع الانتقاد والطعن في ثقة قاضي التحقيق ليس بالأمر الجديد ولم يأت على خلفية ما حصل في عملية باردو الإرهابية، فالبداية كانت مع ملف اغتيال شكري بلعيد إذ عبّرت هيئة الدفاع في الملف عن استيائها من تعاطي هذا الأخير مع الملف، لأنه لم يستجب إلى عدد من طلباتها التحضيرية، ووصل ذلك إلى حد اتهامه بإخفاء الحقيقة والتواطؤ، وذلك في تصريح للمحامي علي كلثوم.
كما نذكر أن أرملة بلعيد تقدمت بطلب إلى وزير العدل السابق محمد صالح بن عيسى لسحب الثقة من قاضي التحقيق لعدم التعاطي الجدي مع الملف وتعويضه بقاضي آخر يتعهد بالقضية، على خلفية ما أثاره الفيديو المتعلق بعملية باردو الإرهابية لتتجدد حينها مقولة «الأمن يشد والقضاء يسيب» لأن القاضي المذكور قد قرر إطلاق سراح الموقوفين في الملف بعد أن تبين له أنهم ليسوا المشتبه بهم الحقيقيين.
وفي قضية سامي الفهري عبر العديد من المختصين في القانون عن استيائهم من قرار قاضي التحقيق، أبرز مثال على ذلك “سنيا الدهماني”
والتي قالت في تدوينة لها على حسابها ”فيسبوك” إن ”قاضي التحقيق يفرج عن سامي الفهري باعتباره قضى 14 شهرا رهن الإيقاف والنيابة العمومية ترفض تنفيذ القرار وتستأنفه”.
وتابعت: ”الإفراج الوجوبي آلمهم، لم يتحملوا أن يفلت من قبضتهم، هل فهمتم لماذا قاضي في الجنّة وقاضيان في النار؟، هل فهمتم لماذا لم يعد للتونسيين أي ثقة في القضاء؟”.
لكن ذلك لا ينفي قرارات تم إصدارها مؤخرا تضمنت إصدار قاضي التحقيق بالقطب القضائي والمالي، المتعهّد بملف نبيل القروي رئيس حزب قلب تونس، بطاقة إيداع بالسجن في حقه، بخصوص القضية المتعلقة بشبهة ارتكاب جرائم جبائية وتبييض أموال، قرار قضائي، تزامن مع أحكام قضائية أخرى جريئة وغير مسبوقة في علاقة بملف النفايات الايطالية، وتم بموجبها إيقاف مسؤولين في الدولة على رأسهم وزير البيئة، حيث فتح هذا الملف المجال للكثير من التأويلات التي وصلت إلى حد اعتبار ما حدث بمثابة حملة الأيادي النظيفة لمكافحة الفساد.