عرفت البلاد التونسية مؤخرا ارتفاعا مخيفا في نسق الانتحار ومحاولات الانتحار في صفوف الإناث والذكور لتبلغ حوالي 18 حالة خلال شهر فيفري المنقضي 10 منهم ذكور والبقية إناث، وفقا لتقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وتتطلب دراسة هذه الظاهرة ومعالجتها وإيجاد حلول للتقليص منها، الوقوف أولا على الدوافع والأسباب النفسية والاجتماعية والاقتصادية لوقوعها وانتشارها في البلاد التونسية خاصة في صفوف المراهقين.
المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
كشفت المنسقة بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، نجلاء عرفة، أن الفئة العمرية المتراوحة بين 26 و35 سنة ھي الأكثر عرضة لحالات ومحاولات الانتحار، تليها الفئة 46-60 عاما، مؤكدة أن ظاهرة الانتحار ومحاولاته شملت كل الفئات العمرية، بما في ذلك الأشخاص الذين لا تتجاوز أعمارهم 15 عاما وحتى من تتجاوز سنھم الستين سنة.
وأشارت نجلاء عرفة إلى أن كلا من ولايات تونس والمھدية وقفصة ونابل سجلت حالتي انتحار ومحاولة انتحار، في الوقت الذي عرفت فيه كل من ولايات جندوبة والكاف ومدنين وسليانة وسوسة حالة انتحار أو محاولة انتحار، موضحة أن طرق الانتحار ومحاولاته، كانت عبر الشنق بنسبة تفوق 46 بالمائة والحرق بحوالي 40 بالمائة ورمي النفس من مرتفع بنسبة تتجاوز 15 بالمائة وباعتماد مواد سامة تفوق 7 بالمائة، وفق قولها.
هذه النسب تعد ضئيلة مقارنة بعدد حالات الانتحار ومحاولة الانتحار المسجلة خلال السداسي الأول من سنة 2019، التي بلغت حوالي 146 حالة، 70 بالمائة منها لدى الذكور و 30 بالمائة لدى الإناث، وفق ما أعلنت عنه نجلاء عرفة، في وقت سابق.
الأسباب النفسية
أفادت المختصة في علم النفس، تقوى حسني في تصريح لـ”JDD”، بأن الضغوطات النفسية التي عاشها الشعب التونسي خلال فترة الحجر الصحي الأول التي دامت لأشهر، انجر عنها الشعور بفقدان الأمل، واضطرابات وأمراض نفسية على غرار الاكتئاب الذي يمثل سببا مباشرا ورئيسيا وراء محاولات الانتحار.
وأضافت تقوى حسني أن المشاكل العائلية والظروف الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد خلق حالة من الخوف والشك خاصة لدى الأشخاص المصابين بما يعرف بالوسواس القهري، وأدى إلى ارتفاع حالات العنف المسلط على النساء ما دفع بعض الأشخاص إلى محاولة الانتحار أو إلى الانتحار.
وفسرت حسني سبب إقدام المراهقين على الانتحار إلى شعور هذه الفئة العمرية بأنها منبوذة من طرف العائلة فتضطر إلى محاولة الانتحار لجلب الانتباه، وفق قولها.
الأسباب الاجتماعية
أكد المختص في علم الاجتماع، فؤاد الغربالي، ارتفاع نسبة الانتحار لدى جميع الفئات العمرية وخاصة منهم الشباب وذلك لأن جزءا كبيرا منهم بات يعيش هشاشة اقتصادية أدت به إلى هشاشه نفسية، يشعر خلالها أنه غير مفيد للمجتمع و لامعنى لحياته.
هذا إلى جانب تقطّع الروابط الاجتماعية في ظل اختيار تونس لنموذج اقتصادي تخلت فيه عن هذه الفئات الاجتماعية، ما ولد لديهم شعورا بالضياع دفعهم إلى الانتحار، وفق قوله.
وأكد الغربالي ضرورة مقاربة الانتحار من زاوية أنثروبولوجيا المشاعر والأحاسيس التي لا يتحقق فيها الاعتراف بالذات إلا عن طريق محاولة الانتحار باعتبارها شكلا من أشكال الاحتجاج الفردي للضغط على المجتمع، وفق تقديره.
أشكال عديدة يعتمدها الأشخاص للانتحار ولكن الهدف واحد وهو الموت، هروبا من واقع يشعر فيه هؤلاء الأشخاص أنه لامعنى لحياتهم ولا منفعة من وجودهم في الوقت الذي هم قادرين فيه على مجابهة كل المصاعب ومحاولة النهوض من جديد ومواجهة الواقع لا الهروب منه.
صحيح أن الحياة ليست سهلة ولكن درجة تقبلها والصبر على شدائدها يختلف من شخص إلى آخر فيكون الأمل ومحاربة العراقيل والمصاعب سبيل الأشخاص الأقوياء أما الموت فهو من سمة الضعفاء.