حلّت تونس في المركز 86 في جودة التعليم من ضمن 140 دولة شملها مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس عام 2020، في حين حلّت قطر والإمارات تباعا في المرتبتين الأولى والثانية عربيا والتاسعة والثالثة عشرة عالميا.
وتواصل تونس في التراجع على جميع المؤشرات العالمية المتعلقة بجودة التعليم منذ سنوات.

لا يستفيد ولا يتعلّم!


كشف مؤشر رأس المال البشري الصادر عن البنك الدولي، المتعلق بالثلاثية الثالثة لسنة 2020، أنّه إذا استمرت الوضعيّة الحالية للتعليم في تونس على حالها، فإن الطفل المولود سنة 2020، لن يصل إلا إلى 52 في المائة من قدرته الإنتاجية عندما يصبح شخصا بالغا.

وأوضح التقرير أن الخدمات التي توفرها منظومتا التعليم والصحة في تونس تتسبب في هدر قدرات الطفل التونسي.

ومن أصل 14 عاما ممكنة كحد أقصى من سنوات التعليم المتوقعة قبل سن الثامنة عشرة، أشار التقرير إلى أن الطفل التونسي يتمكن من دراسة 10.6 أعوام فقط بسبب الظروف الحالية في تونس، كما أنّه يتعلم أقل من ذلك بكثير، حيث بلغ معدل مؤشر سنوات التعلم 6.5 أعوام ما يعني أن الطفل التونسي يتمكن بحسب ظروفه الحالية من الدراسة لمدة 10 أعوام قبل سن الثامنة عشرة، لكنه عمليا لا يستفيد ولا يتعلم إلا لمدة 6.5 أعوام قبل سن الثامنة عشرة.

لماذا تقدّموا وتأخرنا؟


في مقارنة بين السياسات التونسية في مجال التعليم والخطوات التي خطتها قطر التي احتلت المرتبة الأولى عربيا والتاسعة عالميا في مؤشر جودة التعليم، نجد أنّ قطر تخصص بين 19 و20 بالمائة من نفقات الحكومة في التعليم وتفوق هذه النسبة معدل الصرف العالمي على التعليم.
في المقابل، قدر قانون المالية لسنة 2021 ميزانية وزارة التربية في تونس بـ 6.728 مليون دينار أي حوالي 7 بالمائة لا غير من ميزانية الدولة، مسجلة ارتفاعا مقارنة بميزانية سنة 2020 التي بلغت 6509 مليون دينار، في حين ان هذا الارتفاع يرجع بالأساس إلى تطور اعتمادات التأجير التي زادت بنسبة 3,68 بالمائة.

لجأت قطر عام 2001 إلى معهد رند Rand لتقديم توصيات تتعلق بتحديث النظام التعليمي، لتنطلق الدولة الخليجية في سياسة تعليمية قائمة على إنشاء مدارس مستقلة مع لا مركزية واسعة للنظام.

وفي توصيات أخرى، ركّز معهد رند على ضرورة القيام باختبارات دراسية منتظمة وزيادة أجور المدرسين والإداريين ،كما شملت الإصلاحات أيضًا قطاع رياض الأطفال الذي يهيمن عليه القطاع الخاص بشكل واسع، حيث ارتفعت نسبة التمدرس من 33,9% عام 2002 إلى 55,4% عام 2009.

في سياق متّصل، صرح رئيس جمعية جودة التعليم سليم قاسم لـ”JDD”، أن الخلل في تونس ليس ماديا ولا يتعلق بقلة الإمكانيات اللوجيستية لكن هناك سوء حوكمة وإدارة، قائلا إن “الماكينة” في وزارة التربية هي ذاتها ولن يتم تغييرها بتغيير الوزراء.
وفسر قاسم “الماكينة” بمجموعة العوامل المتداخلة في العملية التربوية، من سلطة المديرين العامين التي تتجاوز أحيانا الوزير ذاته والنقابات والإداريين، وفق قوله.
وأضاف أنّ النجاح في تونس يتوقف عند إنجاح العودة المدرسية والامتحانات الوطنية، وإسناد أعداد للتلاميذ لا تعكس مستواهم الحقيقي، لأن النظام لا يعطي فرصة للأطفال الأكثر ذكاء مشيرا إلى أن التعليم في تونس تم تلخيصه في حبس الأطفال وتلقينهم لساعات طويلة دون ترسيخ معلومات، مما ينهك ذهن التلميذ ولا يتيح له تطوير ملكة التفكير الإبداعي لديه.

كورونا عرّت حقيقتنا

من جهة أخرى، قال سليم قاسم لـ”JDD”، إنّ الأزمة الصحية التي مرت بها تونس ودخولها في حجر صحي شامل تسببت في انقطاع آلاف التلاميذ والطلبة عن الدراسة طيلة أشهر بسبب غياب أي إستراتيجية وطنية لإرساء منظومة التعليم عن بعد.
وأضاف أنه بتعلة تكافؤ الفرص تم حرمان جزء كبير منهم من الحق في التعليم كما أن نظام الأفواج تسبب في ضياع نصف السنة تقريبا وهو ما قد يؤثر حتما على قدرة الأطفال على التركيز والاندماج والرغبة في التعلم خلال الأعوام القادمة