تعيش الساحة السياسية في تونس على وقع أصداء ما عرف بـ “التسريبات الصوتية” منذ أيام والتي أثارت جدلا واسعا، وتضمنت العديد من الاتهامات التي طالت عددا من المسؤولين وحتى رئيس الجمهورية قيس سعيد والذي اتهم بسيطرته على القضاء من خلال زوجته القاضية إشراف شبيل.
كما تضمنت هذه الأخيرة تصريحات خطيرة تعلقت بقلب تونس وأخرى بمحمد عبو، ورئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، عبر راشد الخياري الذي ينسبها لرئيس الكتلة الديمقراطية والنائب عن حزب التيار الديمقراطي “محمد عمار”.
وعلى خلفية هذه الأشرطة الصوتية تلقت النيابة العمومية دعوى في فتح تحقيق في هذا الصدد نظرا لخطورة ما تم تداوله والتحري فيه والتتبع فضائيا وقانونيا إذا اقتضى الأمر ذلك.
تتبع الخياري قضائيا
أمام تحرك السلط القضائية حول موضوع الأشرطة الصوتية المسربة، أكد النائب بمجلس نواب الشعب راشد الخياري أنه تلقى ظهر يوم الخميس 18 مارس 2021 اتصالا هاتفيا من عميد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية بتونس وذلك للمثول أمامه يوم الاثنين المقبل، ونشر الخياري في تدوينة على صفحته على الفيسبوك، “نرجو أن لا تكون ضباع المافيا قد تحركت وأعطت الأوامر بنهشي عقابا لي على جرأتي وتمكني من تفكيك شيفرات جرائمهم أمام الرأي العام”، وأكد الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بتونس نائب وكيل الجمهورية محسن الدالي أن النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بتونس، قد أذنت بفتح بحث تحقيقي في التسريبات التي تمّ تداولها على صفحات التواصل الاجتماعي.
فتح تحقيق في التسريبات المسجلة
أكد رئيس كتلة حركة النهضة عماد الخميري, أن التسريبات ينبغي أن تؤخذ مأخذ الجد، وأن تكون محل تحقيق من طرف الجهات القضائية.
ويقر أيضا من جهته على أن التسريبات إذا كانت صحيحة فذلك يعد خطيرا على مسار الديمقراطية في تونس، وأوضح القيادي في النهضة نورالدين البحيري في تدوينة له على صفحته أن “التعاطي مع التسريبات “الفضيحة” امتحان عسير للدولة ” مؤكدا أنه على الحكومة والمؤسستين الأمنية والعسكرية والقضاء” الوعي بخطورة التّهديدات والمخاطر التي تستهدف الدّولة والتعاطي مع التّسريبات بالجدّية والمسؤولية اللازمتين، وفرض علويّة القانون وضمان الحقّ في التمتّع بقرينة البراءة والمحاكمة العادلة طبق أحكام الدّستور والمعايير الدّوليّة”، وتابع، أنه على كلّ من ستشمله الأبحاث في هذا الملفّ في أيّ موقع كان في الدّولة سواء رئاسة الجمهوريّة ومجلس نواب شعب والقضاء والهيئات الدستوريّة وضع أنفسهم على ذمّة القضاء وعدم التمسّك بالحصانة وعرقلة مسار الأبحاث وتعطيلها.
التسريبات الصوتية من وجهة نظر قانونية
تعد عملية التسجيل من الأدلة الحديثة المستخدمة في الإثبات أو النفي، حيث أصبحت ضرورة ملحة في الوصول إلى الحقيقة وخصوصا مع التطور التقني الرائج. وعلى الرغم من أهمية التسجيل إلا أنه قد يمس جانبا من خصوصيات الأفراد، وخصوصا إذا لم يكن بإذن مسبق من الجهات المعينة.
وفي هذا السياق عملت البلاد التونسية على إقرار الحق في المعطيات الشخصية وأكدت على هذا الحق في دستور 1959 بعد تنقيحه سنة 2002، ومن ثم ورد ضمن الفقرة الأولى من الفصل 24 من دستور 2014 ما مفاده أن الدولة تحمي الحياة الخاصة، وحرمة المسكن، وسرية المراسلات والاتصالات والمعطيات الشخصية.
أما على مستوى التشريعات فقد تم إصدار القانون الأساسي عدد 63 لسنة 2004 المؤرخ في 27 جويلية 2004 المتعلق بالمعطيات الشخصية، كما تم إحداث” الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية ” التي تقوم بدور أساسي في ضمان حماية المعنيين بالأمر من المعالجة غير المشروعة أو التعسفية لمعطياتهم الشخصية، ونص الفصل 6 من القانون الأساسي عدد 63 على أن معالجة المعطيات الشخصية: هي العمليات المنجزة سواء بطريقة آلية أو يدوية من شخص طبيعي أو معنوي والتي تهدف خاصة إلى جمع معطيات شخصية أو تسجيلها أو حفظها أو تنظيمها (…) دون علم المعني بالأمر وأن ذلك يعد تجاوزا يحيل صاحبه على القضاء.
وفي نفس الإطار ينص الفصل 27 من القانون الأساسي المتعلق بحماية المعطيات الشخصية أنه لا يمكن معالجة المعطيات الشخصية إلا بالموافقة الصريحة والكتابية للمعني بالأمر.