تفاقمت ظاهرة تأخر سنّ الزواج بشكل متسارع منذ سنة 2008، حيث كشف تقرير نشرته مؤخرا وكالة الأناضول التركية، أن بلادنا تحتل المرتبة الخامسة عربيا في نسبة العزوف عن الزواج بـ 62 بالمائة، فيما يشير آخر تقرير صادر عن الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، إلى أن عدد العازبات في تونس وصل إلى أكثر من مليونين و300 امرأة من جملة 4 ملايين و900 ألف امرأة في البلاد، وهو رقم مفزع.
وأشار تقرير الديوان إلى أن ظاهرة تأخر سنّ الزواج، بلغت أقصى معدلاتها في صفوف النساء، اللاتي تتراوح أعمارهن بين 25 و 34 سنة.
81 % نسبة التونسيين غير المتزوجين
ولم تقتصر ظاهرة تأخر سن الزواج في تونس على النساء فقط، فقد شملت الرجال حيث أشار تقرير الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري إلى أن نسبة التونسيين غير المتزوجين، ارتفعت من 71 % سنة 1994، إلى 81،1 % نهاية سنة 2017.
وبلغت نسبة تأخر سن الزواج خلال سنة 2016، ما يصل إلى 60 % مسجلة بذلك ارتفاعا كبيرا مقارنة بالسنوات الفارطة.
وفي السياق ذاته كشفت دراسة بحثية أعدّها معهد الإحصاء الكمي، أن تأخر سن الزواج، أصبح اليوم ظاهرة اجتماعية مقلقة في تونس، خاصة بعد حلولها في المركز الرابع عالميا، في هذا المؤشر الذي شمل الجنسين الرجال والنساء.
وأوضحت الدراسة أن تفشي هذه الظاهرة يعود أساسا إلى عدّة عوامل أبرزها ارتفاع تكاليف الزواج التي تتراوح بين 7 و 10 آلاف دينار عموما، وفقا لبعض الإحصائيات، وبالنظر إلى تراجع المقدرة الشرائية للمواطن التونسي ودخله، نجد أن تكاليف حفل الزفاف تتجاوز 4 أضعاف تكاليف الزفاف في أوروبا.
الأرقام لا تعكس واقعا، ولكن..
وتختلف الدلالات في تفسير طبيعة هذه الأرقام المفزعة لانتشار هذه الظاهرة، حيث يؤكد المختص في علم الاجتماع، زهير العزوزي، في تصريح لـ”JDD”، أن هذه الأرقام لا تعكس واقعا وهي حقيقة مرتبطة بموضوع اجتماعي هام وهو العلاقة بين الرجال والنساء ومدى تتويج تلك العلاقة بالزواج كإطار مدني واجتماعي وثقافي وديني.
وبين محدثنا أن هذه الأرقام تعطينا رسائل واضحة بأن العزوف عن الزواج ظاهرة اجتماعية لها حضور قوي في تونس مقارنة بعديد الدول، معتبرا أنه من الخطأ الاقتصار على تفسير هذه الظاهرة بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية فقط، خاصة وأنها تعود كذلك إلى مسألة نفسية خاصة المعنيين الرئيسيين بالموضوع أي النساء والرجال.
الخوف من التحول إلى ضحايا طلاق أو عنف أسري
وبين أن هناك علاقات نفسية متداخلة تسببت في تطور الظاهرة تدريجيا، فالصراع المجتمعي حول مسألة المساواة التامة بين النساء والرجال في تونس أدى إلى بروز مناخ نفسي لا يسهّل عملية التقارب بين الطرفين، وهو بدوره ما انعكس على السلوك وطريقة التفكير خاصّة فيما يتعلّق بالحديث عن الارتباط الجدي الذي سينتهي بالزواج.
وأقر المختص، بأن التخوف من فشل العلاقات بين الشريكين يعتبر أيضا سببا مباشرا في تأخر سن الزواج، مبينا أن الخوف الاجتماعي من التحول إلى ضحايا طلاق أو عنف أسري هو الذي يجعل النساء والرجال اليوم يفكرون جديا في عدم الارتباط من أجل تكوين أسرة.
وتفاقمت ظاهرة العنف المسلط على المرأة خلال فترة الحجر الصحي المعمول به في إطار مجابهة فيروس كورونا، لتتضاعف إلى أكثر من 7 مرات، وفق ما ذكرته راضية الجربي رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية، في تصريح إعلامي مؤخرا.
وتسجل المحاكم في تونس أكثر من 46 حالة طلاق يوميا إضافة إلى 13 ألف قضية طلاق سنويا، وفق دراسة جديدة صادرة عن وزارة العدل.
لا بدّ من تدعيم قيمة العلاقات الاجتماعية
وفي حديثه عن الحلول الكفيلة لمعالجة هذه الظاهرة، أكد زهير العزوزي، أن المسألة ثقافية بالأساس وترتبط بتدعيم قيمة العلاقات الاجتماعية أولا ثم بتدعيم مسألة الثقة في الشريك.
وأشار إلى أنه لا وجود لحلول مباشرة لمعالجة هذه الظاهرة، لكن يمكن أن يكون الاشتغال على سياسات وطنية تفاعلية بمشاركة الأطراف المعنية بمستقبل العلاقات الاجتماعية ومن ضمنها العائلة والمدرسة والجامعة والمؤسسات، أن تكون قادرة على تبني رؤى اجتماعية واضحة لتثمين قيمة الحب والعطاء والتضحية العائلية.
كما أنه سوسيولوجيا لا يمكن للحل أن يغيّر الواقع ما لم يكن قائما على مسألة التنشئة والتربية المجتمعية، وفق محدثنا.