اليوم السبت 6 فيفري 2021، الذكرى الثامنة لاغتيال الشهيد شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد، وزعيم اليسار في تونس وأحد أبرز مؤسّسي الجبهة الشعبية، ورغم السنوات الطويلة على الجريمة التي هزت تونس لا تزال الأبحاث جارية وسط تجاذبات حول هوية القاتل وخلفيات عملية الاغتيال، وفي الأثناء قامت الدائرة الجنائية الخامسة بالمحكمة الابتدائية بتونس بتأجيل القضية إلى 29 ماي 2021.
يوم فارق في تاريخ تونس
في السادس من فيفري من سنة 2013، استطاعت 4 رصاصات اختراق جسد الشهيد شكري بلعيد المعروف بانتقاده الشديد لحكومة الترويكا في 2012، أمام منزله بالمنزه السادس، على يد شخصين كانا على متن دراجة نارية، مما أثار أزمة سياسية حادة استقال على إثرها رئيس الحكومة حمادي الجبالي وخرج آلاف التونسيين إلى الشوارع رفضا لسياسة العنف والاغتيالات في حين تم إعلان الإضراب العام والحداد الوطني وتنكيس الأعلام، لتكون الواقعة يوما فارقا في تاريخ تونس، خاصة وأنها تمثل أول حادثة اغتيال سياسي في البلاد بعد الاستقلال.
وتزامنا مع ذكرى اغتيال الشهيد شكري بلعيد تجدّدت الدعوات المنادية بكشف هوية القتلة ومحاسبتهم، خاصّة أمام وجود 30 متهما على ذمة الملف منهم كمال القضقاضي الذي قتل خلال عملية أمنية، في حين يتهم كل من هم هيئة الدفاع عن الشهيد، وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد الجهاز السري لحركة النهضة وزعيم الحركة راشد الغنوشي بالضلوع في عملية الاغتيال، وهو ما أكده القيادي بالحزب، المنجي الرحوي، في تصريح لـ”JDD”، اليوم السبت 6 فيفري 2021.
”النهضة” وقضاء ”البحيري” في قفص الاتهام
وأضاف الرحوي، أن تونس اليوم تحيي الذكرى الثامنة لاغتيال الشهيد بكل مرارة بسبب عدم الكشف عن حقيقة العملية، بالرغم من وجود عديد القرائن التي تؤكد مسؤولية حركة النهضة وما سمي بـ”الجهاز السري” للحركة ومصطفى خذر أحد قياداتها في العملية، خاصة وأن القضاء حدد مسؤولية خذر في جريمة اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، مشيرا إلى أن الشكوك كانت تحوم حول النهضة وتم تحميلها المسؤولية السياسية والأخلاقية حول ملف الاغتيال منذ البداية، باعتبار التحريض الذي قامت به ضد الشهيد شكري بلعيد والتشهير والشيطنة التي طالته وتورط فيها قيادات من النهضة على غرار علي العريض الذي كان في ذلك الحين وزيرا للداخلية في حكومة حمادي الجبالي ثم تولى منصب رئيس للحكومة في مارس 2013.
وأشار الرحوي إلى أن ملابسات العملية واضحة، خاصة بعد تبادل الاتهامات بين الرئيس الأول لمحكمة التعقيب الطيب راشد ووكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية بتونس، وهو ما كشف التلاعب بالقضية وحجب الحقيقة والمناورات و”الخزعبلات” التي حالت دون الكشف عن الجناة، محملا المسؤولية الجزائية لحركة النهضة.
وأكد القيادي بحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، أن ما وصفه بـ”قضاء نور الدين البحيري و حركة النهضة” متواطئ في عملية الاغتيال ومسؤول عن عدم كشف حقيقة اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.
القضاء متورط في إخفاء الأدلة
من جهتها اعتبرت أرملة الشهيد شكري بلعيد بسمة الخلفاوي، في تصريح لـ”JDD”، أن عملية التحقيق في قضية الاغتيال كانت أشبه بعملية “توليد”، وأن هيئة الدفاع هي التي قامت بدور قاضي التحقيق في ظل غياب إرادة سياسية وقضائية لمعرفة الحقيقة حول القضية.
وبينت أن هيئة الدفاع هي التي كشفت أدلة حول تورّط حزب سياسي في الملف، لديه أمن مواز وقضاء مواز وجيش مواز، وتم تقديم كافة الأدلة التي تورط حركة النهضة في عديد الملفات على غرار ملفات فتحي دمق ومصطفى خذر وباردو وسوسة وعلى رأسها ملفي الشهيدين شكري بالعيد ومحمد البراهمي، لافتة إلى وجود تواطئ مسترسل للقضاء في إخفاء حقائق وطمسها وقطع الطريق بهدف منع الوصول إلى الحقيقة خاصة بعد أن تمت سرقة محاضر بحث ووثائق وقرص ليزري، في علاقة بقضية اغتيال شكري بلعيد، تخص البحث الميداني الذي وقع إجراؤه بمكان المسدسين المستخدمين في عملية الاغتيال قبل أن يتم التخلص منهما في البحر.
وأكدت محدثتنا أن تورّط القضاء في إخفاء هذه الملفات أصبح ثابتا من خلال قرارات دائرة الاتهام وقرارات محكمة التعقيب التي أكدت أن التحقيقات لم تذهب في اتجاه البحث عن الحقيقة وأن هناك أدلة لم يتم التوصل إليها وأن القضاء متورط في إخفاء الأدلة، من خلال إقرار رئيس محكمة التعقيب الطيب راشد مؤخرا عبر شكوى قدمها ضد البشير العكرمي قاضي التحقيق السابق بالمحكمة الابتدائية بتونس وما قام به من إخلالات في هذا الملف.
وأشارت إلى أن هناك يدا موضوعة على بعض القضاة في تونس تدفع نحو سدّ الطريق أمام معرفة الحقيقة.
توظيف سياسي للقضية
وأمام الاتهامات التي وجهت للقضاء بالتواطؤ في ملف الاغتيال من خلال طمس الحقائق والتلاعب بالقضية، اعتبر رئيس جمعية القضاة التونسيين أنس الحمايدي، في تصريح لـ”JDD”، أنه يستبعد تواطؤ القضاء في إخفاء حقائق متعلقة بالقضية أو توجيهها لصالح طرف معين، في هذه القضية التي قال إنها تمثل تونس، لكن ما لا يمكن تجاوزه هو أن هذه القضية معقدة وليست سهلة وهي قضية اغتيال سياسي لأحد أكبر الشخصيات السياسية في تونس وليس سهلا معرفة حقيقة الأطراف الضالعة فيها ومن يقف وراءها، ومن واجب القضاء التحلي بأعلى درجات الحياد والاستقلالية والكفاءة العالية خاصة وأن القرارات لن تعجب جميع الأطراف.
وبين الحمايدي أن القضية أخذت حيزا كبيرا من الاهتمام على المستوى القضائي والإعلامي وعلى مستوى لجنة الدفاع عن الشهيد شكري بلعيد، وأن جميع الأطراف تراقب كافة إجراءات سير القضية التي مرت بعديد الأشواط من التحقيق إلى دائرة الاتهام وصولا إلى محكمة التعقيب في أكثر من مناسبة وهي منشورة في الدائرة الجنائية المختصة في جرائم الإرهاب، مؤكدا أن تأجيل القضية يتم دائما بناء على طلبات هيئة الدفاع.
وأشار محدثنا إلى وجود أطراف تسعى لتوظيف هذه القضية من أجل غايات سياسية، في حين أن القضاء مطالب بالعمل بكفاءة عالية وحيادية.
ولفت الحمايدي إلى أنه تم التوصل إلى هوية منفذ الجريمة لكن السؤال الذي يبقى مطروحا اليوم هو من خطط للعملية ودبر لها وهل أنه موجود أم لا، وأن الوصول إلى هذه الحقائق حول مفاصل عملية الاغتيال يتطلب وقتا، مؤكدا أنه ليس للقضاء أية مصلحة في ذلك.
اتهام القضاء بالتواطؤ “تضخيم” للمسألة؟
واعتبر رئيس جمعية القضاة التونسيين أن الاتهامات الموجهة للقضاء فيها كثير من التضخيم، خاصة وأن جميع أعمال البشير العكرمي وكيل الجمهورية السابق بالمحكمة الابتدائية بتونس، الذي اتهم بتوجيه القضية، خضعت للتدقيق في أكثر من مناسبة، وبقيت في مستوى الاتهامات ورد الاتهامات، ولا وجود لإدانة فعلية إلى حد الآن، داعيا الأطراف التي تدّعي التواطؤ إلى الكشف عن هذا التقصير.
ومن المفروض أن يكون دور القضاء، كشف الحقيقة الكاملة وفق الآليات المخولة له بالقانون، لكن الأمر يختلف في مثل هذه القضايا خاصة وأنها معقدة وتتطلب في عديد البلدان سنوات طويلة لفك رموزها والكشف عن الحقيقة، ناهيك عن تونس التي تعيش ظرفا خاصا في ظل ضعف الإمكانيات المتوفرة للقضاء، لذلك لا يمكن إلقاء اللّوم على قاضي تحقيق أو هيئة خماسية فقط، وفق الحمايدي.
وبين رئيس جمعية القضاة أن عددا من السياسيين وعدوا بالكشف عن مفاصل قضية الاغتيال، منهم الباجي قايد السبسي رئيس الجمهورية الراحل، وأحزاب أخرى تعهدت بكشف الحقائق وربحت في الانتخابات وحصلت على مناصب عليا في الدولة ولم تقم بذلك.
وأعرب الحمايدي عن أمله في الوصول إلى الحقائق في أقرب الآجال، والكشف عن جميع الأطراف الضالعة في ملف الاغتيال من مدبرين ومنفذين وأن يكون القضاء هو الوسيلة التي تكشف مفاصل هذه القضية، مشددا على أنه ليس من المعقول تواصل القضايا إلى 10 سنوات و15 سنة دون الوصول إلى حكم قضائي ابتدائي.
واعتبر أن الكشف عن هذه الحقائق ستكون بمثابة إنصاف لروح الشهيد والعائلة السياسية التي ينتمي إليها كما ستمثل مصلحة لتونس بما يمكّنها من ضمان عدم تكرر مثل هذه الاغتيالات السياسية في البلاد.
النهضة تدين الاتهامات
من جهتها، أدانت حركة النهضة ما اعتبرته التوظيف الإعلامي في قضية اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد براهمي، مؤكدة أن مواصلة التوظيف الإعلامي والاستثمار في الأزمات السياسيّة لقضيتي الاغتيال ومحاولة القيام بعمل الهيئات القضائية المعنيّة وإطلاق الاتهامات جزافا، يعمق الإساءة إلى المرفق القضائي وإلى مؤسسات الدولة عموما.