يقاطع الإعلام التونسي نواب كتلة “ائتلاف الكرامة” منذ 10 أكتوبر 2020، بدعوة من النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والجامعة العامة للإعلام المنضوية تحت الاتّحاد العام التونسي للشغل.

وجاءت هذه الدعوة إلى المقاطعة على خلفيّة “استهداف نواب الكتلة المذكورة، للصحافيين، بالسبّ والشتم والتحريض عليهم فى حساباتهم وصفحاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي” وفقا لبيانات صادرة عن منظمات بينها نقابة الصحفيين، وذلك تزامنا مع عرض مشروع تنقيح المرسوم 116 المنظم للقطاع السمعي البصري الذي يقترحه “ائتلاف الكرامة”.

وذكّرت النقابتان “بدور وسائل الإعلام المتمثل في احتضان النقاش العام بطريقة بناءة فيها احترام للمتلقي وحماية للسلم وتحصين للمجتمع من الخطاب العنيف المعادي للحريات بصفة عامة ولحرية التعبير والعمل الصحافي بصفة خاصة.”

هذه الخطوة أثارت جدلا سياسيا وإعلاميا، حول مدى قبولها أخلاقيا ومهنيا لما اعتبره البعض مصادرة لحق جزء من الجمهور في المعلومة مع العلم أن كتلة ائتلاف الكرامة حصدت خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة في أكتوبر 2019، أكثر من 169 ألف صوت متحصّلة بذلك على 18 مقعدا.
في المقابل ترى الهياكل المهنية، أنها خطوة نضالية في سبيل حماية الصحفيين من خطاب الكراهية والعنف وحرية التعبير من هذه الفئة التي تهدّده.

“النقابة لا تتدخل في غرف التحرير”

اعتبر رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين مهدي الجلاصي في تصريح لـ”JDD”، أنّه لا يوجد دليل عالمي ينظم عملية المقاطعة، حيث يرى جزء من الصحفيين أنه يمكن الاقتصار على عدم بث الخطابات المباشرة للأطراف التي تكرر نشر خطابات عنيفة ومتطرفة وهناك تقديرات مختلفة، وفق تعبيره.
وأضاف النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين ارتأت أن الفضاء العام لم يعد يحتمل أكثر خطابات التحريض والتكفير والترهيب وقدّرت أن حماية منظوريها بأخذ القرار هي الطريقة الأنسب مشيرا إلى أنها ساهمت في التقليل من حدة التشنجات في المنابر الإعلامية.
وأكّد أنه أمام صمت الدولة وعدم اتخاذها أي خطوة تجاه تعرض حياة الصحفيين للتهديد بعد تنقّل العنف من الفضاء الافتراضي إلى الشارع بعد الاعتداء على مراسلي القنوات الأجنبية.
وشدّد على أن نقابة الصحفيين ليس لديها موقفا من ائتلاف الكرامة على أساس سياسي أو إيديولوجي لكن مصلحة الصحفيين اقتضت الدعوة إلى المقاطعة مشيرا إلى أن الهيكل النقابي لا يتدخّل في غرف التحرير وأن الصحفيين أحرار في الالتزام بذلك من عدمه.
وبيّن أنه في حالة تراجع الكتلة عن سلوكها والتخلي عن منهجها في التحريض على الصحفيين واعتذارها عما سبق فإنه لم يكون هناك موجب يستدعي المقاطعة لكن بمواصلتها على نفس المنوال فإنها تؤكّد أنها تعتمد هذا الأسلوب لربح نقاط سياسية وأنها محقة في هذا التمشي.

دور الاستقصاء والتحرّي


وفي هذا الإطار، أكّد الأكاديمي والباحث في الميديا، الدكتور الصادق الحمامي في تصريح لـ”JDD”، أنّ نقابة الصحفيين دعت إلى عدم استدعاء نواب “ائتلاف الكرامة” إلى البرامج والبلاتوهات الحوارية لكن أخبارهم تبثّ ويتم التعرّض لها في النشرات الإخبارية.
من جهة أخرى، شدّد الحمامي على أنّ الصحافة اليوم يجب أن تتعامل مع مختلف التّيارات السّياسية بالمعالجة النقديّة.
وتابع الحمامي أنّ أفضل طريقة لممارسة الصّحافة لسلطتها على المجال السّياسي وعلى المؤسسات السّياسية، تكون بتحويلها إلى مواضيع للاستقصاء والتحقيق، مشيرا إلى أنّ الصحافة في تونس في الوقت الرّاهن لا تقوم بهذا الدّور كاملا.

حق الصحفي في الرفض

من جانبها، قالت رئيسة مجلس الصّحافة، اعتدال المجبري، لـ”JDD”، إنّ المقاطعة الإعلامية لطرف سياسي معيّن قرار شخصي يعود بالأساس إلى الصحفي لكن إذا ما أجمع عليه هيكل مهني تتخّذ المقاطعة طابعا آخر.
وأضافت المجبري أنه لا توجد وصفة معيّنة حول الأسباب التي قد تدفع بهيكل نقابي لاتخاذ قرار المقاطعة، لكنها خيارات يتخذها الهيكل النقابي ومن حق كلّ صحفي أن يمتثل أو يرفض ذلك.
في سياق متّصل، يقوم الصحفيون الأوروبيون بالمقاطعة بطريقة أخرى، ترتكز بالأساس على تجاهل أي طرف يُعرف بمواقفه التي تتكرّر فيها تجاوزاته القانونية والأخلاقية من منطلق إيديولوجي أو عقائدي، وعدم إعطاء هذا الطرف الفرصة للتعبير عن هذه المواقف المرفوضة وذلك باسم الجمهور وليس بصفة شخصية من الصحفي.
ويتجاهل الإعلام في دول الديمقراطيات العريقة بالكامل تصريحات وأنشطة النازيين الجدد أو المتطرفين اليمينيين من دعاة العنف، وحتّى المدافعين عنهم، بقرار شخصي من الصحفي بعيدا عن البعد الإلزامي.