يمكن القول بأنّ “الحرب الباردة” بين جناحي السلطة في قرطاج وباردو أصبحت مُعلنة ولا تخفيها، على الأقل، حركة النّهضة.
تدوينة حادّة “أطلقها” القيادي في الحركة رفيق عبد السلام على رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد مساء الأحد 24 جانفي 2021، قال فيها إنّه “كان من المفترض أن يوجه رئيس الجمهورية في الحدّ الأدنى برقية تعزية إلى أسرة الفقيدة محرزية العبيدي ويتم نشرها في الصفحة الرسمية للرئاسة. كلنا يعرف أن الرئيس لا يحب دستور الثورة، ولا يحب الأحزاب، ولا يحب البرلمان، ولا يحب النظام السياسي، ولا يحب محرزية العبيدي، ويبدو أنه لا يحب الا نفسه العزيزة عليه كثيرا.. لكن من يتولى موقع الرئاسة عليه أن يتعالى عن مشاعر الحب والكره ويدير الأمور بعقل بارد وفق مقتضيات المنصب”، وفق قوله.
وتعتبر هذه المرّة الأولى التي يتوجّه فيها أحد قياديي النهضة بوابل من التهم والكلام الحاد إلى رئيس الدولة حيث عُرف على مسؤولي الحركة دبلوماسية كبيرة في التعاطي مع خصومهم السياسيين ببراغماتية كبيرة وخطاب خشبي قوامه “الدعوة إلى التوافق لما فيه خير للبلاد” حتّى أنّ زعيم الحركة راشد الغنوشي صرّح في نوفمبر الماضي أنّ علاقته برئيس الجمهورية “هي علاقة تفاهم متبادل” في الوقت الذي يشتدّ فيه الصراع بين الطرفين الذي انطلق منذ تنصيب سعيّد رئيسا.
كرة الثلج
اتّسمت العلاقة بين سعيّد وحركة النهضة عقب الدّور الثاني من الانتخابات الرئاسية سنة 2019 بكثير من الجمود والفتور رغم أنّ الحركة كانت دعمت أستاذ القانون الدستوري على حساب رجل الأعمال نبيل القروي، والذي أصبح حليفها في وقت لاحق.
بدت ملامح الخلاف تُكشف منذ رفض الغنوشي وساطة سعيّد لتقريب وجهات النّظر ،التي اقترحتها مجموعة من الأحزاب، للنجاح في تشكيل حكومة برئاسة الحبيب الجملي أواخر سنة 2019، أي بعد أشهر من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية.
اتّسعت الهوّة بين الطرفين خاصّة بعد أنّ دفع رئيس الجمهورية، حركة النهضة صاحبة أكبر كتلة في البرلمان، إلى التصويت على “حكومته” برئاسة الياس الفخفاخ خوفا من حلّ البرلمان وفقا لمقتضيات الدستور.
الصدأ بين قرطاج وباردو مرّده بالأساس صراع الصلاحيات حيث منح الدستور لسعيد سلاح تعيين رؤساء الحكومات إذا فشل الحزب الفائز في الانتخابات في تمرير حكومته أمام البرلمان وهو ماسحب البساط من تحت أقدام حركة النهضة.
الخلاف لم يكن على القضايا الوطنية فحسب، فللرجلين مواقف متباينة من الأزمة الليبية وصلت إلى حدّ التراشق بالتصريحات بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان في القنوات الأجنبية. تهنئة راشد الغنوشي لرئيس حكومة الوفاق فايز السراج باستعادة قواته المدعومة من تركيا قاعدة الوطية العسكرية القريبة من الحدود التونسية، كانت بمثابتة إشعال فتيل في العلاقة بين المؤسستين.
ردّ قيس سعيد على ماوصف بقيادة الغنوشي لدبلوماسية موازية كان واضحا وحاسما، حيث قال في حوار لفرانس 24 خلال زيارة أداها إلى باريس، إنّ الدولة واحدة والخارجية من اختصاص الجمهورية، لا يمكن لأي طرف أن يتدخل في الشؤون الخارجية، تداخل السياسيات أمر غير مقبول على الاطلاق، فتونس دولة واحدة ورئيس واحد ولا لتعدّدِ مراكز القوى.
ومازالا الرجلين في شد وجذب، ولعل أبرز ملامح تواصل الخلاف تظهر من خلال التحوير الوزاري الأخير الذي أعلن عنه رئيس الحكومة هشام المشيشي قبل أسبوع والذي ميّزه إقصاء مفضوح لكل “رجال قيس سعيد” مقابل ترحيب حركة النهضة التي ضفرت بوزارات جديدة، حتى أصبح الصراع ككرة الثلج يزدادا تضخما مع كلّ مرحلة سياسية تعيشها البلاد.