بعد الجدل والتعاليق التي أثارها ملف الطرد المشبوه بقصر قرطاج، حسمت النيابة العمومية أمس الجمعة 29 جانفي 2021، الموضوع بإعلانها عن خلوّ هذا الظرف من أية مواد مشبوهة أو سامّة أو مخدّرة أو خطرة أو متفجّرة، بعد إجرائها للاختبارات الفنية اللازمة على الطرد المشبوه بواسطة أجهزة فنية وبطريقة علمية، وهو ما يضع رئاسة الجمهورية في موقف محرج، خاصة وأن هذه النتائج تمثل ضربا لمصداقيتها كمؤسسة رسمية تمثّل الدولة.
لا مواد سامة في الطرد المشبوه
ولعل الغموض الذي شاب حادثة الطرد المشبوه، وصمت رئاسة الجمهورية إزاءها واكتفائها بإصدار بلاغ متأخر نسبيا، بعد 4 أيام من الواقعة، وتضمنه لمعلومات غير منطقية ، هو الذي لعب دورا هاما في زعزعة مصداقية الرئاسة، خاصة أمام التأويلات التي لحقتها من سياسيين وشخصيات مختصّة على دراية بإجراءات مرور الطرود البريدية إلى مؤسسة سيادية كمؤسسة رئاسة الجمهورية.
وانطلقت حيثيات هذه القضية بتداول أخبار تفيد بمحاولة تسميم الرئيس يوم الإربعاء المنقضي وإصدار كل من الجزائر وليبيا بلاغات تفيد بتعرض الرئيس إلى مخطط تسميم، لكن رئاسة الجمهورية التونسية بقيت في حالة صمت شبه تام، وأمام تواتر ردود الأفعال، قامت هذه الأخيرة يوم الخميس 28 جانفي 2021، بإصدار بلاغ أكدت فيه تلقيها ظرفا موجها للرئيس قيس سعيّد، لا يحمل إسم المرسل، يوم الإثنين 25 جانفي الجاري، على الساعة الخامسة مساء، وقد تولت مديرة الديوان الرئاسي فتح هذا الظرف لتجده خاليا من أي مكتوب لتتعكر صحتها فجأة بمجرد فتح الظرف وتصاب بحالة من الإغماء وفقدان شبه كلي لحاسة البصر، فضلا عن صداع كبير في الرأس ليتم نقلها إلى المستشفى العسكري بالعاصمة.
وبينت رئاسة الجمهورية أنه تم وضع الظرف في آلة لتمزيق الأوراق قبل أن يتقرر توجيهه إلى مصالح وزارة الداخلية.
وأكدت الرئاسة أنها لم تقم بنشر الخبر في نفس اليوم الذي جرت فيه الحادثة تجنبا لإثارة الرأي العام وللإرباك، واضطرت للتوضيح نظرا لتداول هذا الخبر في وسائل التواصل الاجتماعي.
رئاسة الجمهورية مطالبة بتوضيح
وأمام تأكيد رئاسة الجمهورية لوصول الطرد المشبوه لمقر الرئاسة، تؤكد مصادر أخرى على غرار مدير الديوان الرئاسي الأسبق عدنان منصر الذي أكد في تصريح لـ”JDD” أمس الجمعة 29 جانفي 2021، أنه يتم إخضاع الرسائل الوافدة على رئاسة الجمهورية عبر البريد إلى الفرز على 3 مراحل ، ابتداء بالمصالح المشتركة مرورا بأمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية وصولا إلى الديوان، مشيرا إلى أن مدير ديوان رئيس الجمهورية لا يستقبل رسائل مغلقة.
وأمام تضارب المعلومات التي قدمتها رئاسة الجمهورية مع ما هو معمول به فعلا في الواقع بمؤسسة سيادية تمثل الدولة التونسية، وأمام إعلان النيابة العمومية نتائج الاختبارات الفنية التي أجريت على الظرف المشبوه تفنّد رواية الرئاسة، فإن هذه الأخيرة اليوم مطالبة بتوضيح ما صدر عنها، خاصة وأن الحادثة تأتي في ظل توتر حاد بين مؤسسات الرئاسات الثلاث، ظهرت بوادره خاصة من خلال كلمة رئيس الجمهورية في اجتماع مجلس الأمن القومي، تعليقا على التحوير الوزاري الأخير الذي تضمن وزراء شابتهم شبهات فساد وتضارب مصالح ومخالفة الإجراءات الدستورية المعمول بها كما تجلت أيضا من خلال المراسلات المتبادلة بين رئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية حول خرق الإجراءات الدستورية في ما يتعلق بجلسة منح الثقة للوزراء المقترحين.