صحيفة الأحد – Jdd Tunisie

الفن في مواجهة الحرب.. بافي طيار ضحية الغدر التركي

بقلم: روبين عمر

جمعة خليل، ذلك الفنان الذي حمل في روحه صوت الأرض وجمالها، لم يكن مجرد إنسان، بل كان رمزا لتاريخ المنطقة وذاكرتها الفنية.

القذيفة التي أُطلِقت، ليست مجرد أداة قتل، بل هي محاولة لمسح صورة الإبداع والإرث الذي كان جمعة خليل يجسّده.

عندما ضغط أردوغان على الزر، لم يكن الهدف مجرد جسد، بل كانت المحاولة تهدف إلى اغتيال فكرة، إلى خنق ذاكرة وإسكات صوت كان يغني للأرض، للحب، وللإنسانية. لكن ما لا يدركه هو أن الفن لا يموت، والذاكرة لا تُدفن.

هذه القذيفة، رغم قسوتها، لن تنتصر على فكرة البقاء. روح جمعة خليل ستبقى حية في اللوحات، في الأغاني، في التراب الذي مشى عليه، وفي قلوب الناس الذين عرفوا معنى الفن من خلاله.

جمعة خليل، الممثل الكردي الكوميدي الذي حمل البسمة في قلبه والرسائل العميقة في كلماته، وُلد في إحدى القرى الكردية المحاطة بجبال سوريا. من طفولته البسيطة، كان واضحا أنه يمتلك موهبة خاصة في تقليد الشخصيات وإضحاك الناس، ليصبح لاحقا من أبرز الفنانين الكوميديين في المنطقة الكردية.

البدايات البسيطة

بدأ جمعة خليل، المعروف بلقب “بافي طيار”، مشواره الفني في المسرح الشعبي، حيث كان يؤدي مشاهد ساخرة مستوحاة من الحياة اليومية للأهالي في القرى الكردية. تناول في أعماله قضايا مجتمعية وسياسية بحس فكاهي لاذع، مما جعله محبوبا ليس فقط بين الكرد، بل أيضا بين جميع السوريين الذين تابعوا أعماله.

شخصية “بافي طيار”

لقب “بافي طيار” جاء من أحد أشهر أدواره الكوميدية، حيث جسّد شخصية رجل بسيط يعيش في قرية، لكن أحلامه أكبر بكثير من إمكانياته. كانت الشخصية رمزية لحياة الإنسان الذي يحاول تجاوز التحديات رغم الظروف الصعبة، مما جعلها قريبة من قلوب الناس.

رسالة فنية وإنسانية

لم تكن الكوميديا بالنسبة لجمعة مجرد وسيلة للترفيه، بل كانت سلاحا للحديث عن معاناة الناس وأحلامهم. تطرّق في أعماله لقضايا النزوح، الفقر، التهميش، وأحيانا السياسة، ولكنه فعل ذلك دائما بطريقة تصل إلى الجميع دون أن تؤجج الخلافات.

الحياة الشخصية

على الرغم من شهرته، عاش جمعة حياة متواضعة ومتواضعة. كان قريبا من الناس، معروفا بابتسامته الدائمة وحبه للأطفال، الذين رأوا فيه رمزا للأمل والمرح. كان دائم الحضور في المناسبات الاجتماعية والثقافية، يقدم عروضه مجانا في كثير من الأحيان لدعم قضايا مجتمعه.

الرحيل المفجع

في 18 يناير 2025، غادرت الضحكة مع رحيل “بافي طيار”. خلال قصف تركي استهدف سد تشرين، استشهد جمعة خليل، تاركًا وراءه إرثا فنيا وشعبيا لا يُنسى. كان وجوده في المنطقة جزءا من التزامه بقضيته وبشعبه، فهو لم يرَ نفسه بعيدا عنهم حتى في أصعب الظروف.

إرثه الذي لن يموت

رحيل جمعة كان صدمة لجميع محبيه، لكنه ترك وراءه أعمالا ستبقى شاهدة على موهبته وروحه. يمثل “بافي طيار” أكثر من مجرد فنان، كان رمزا للبساطة، القوة والتحدي.

ستبقى ضحكاته خالدة في ذاكرة من عرفوه، وستظل رسالته الإنسانية عنوانا لفنٍ لا يموت.

الخروج من نسخة الهاتف المحمول