تؤسس المنظومة القانونية المتعلقة بالانتخابات في تونس لحالة من التمييز بين المواطنين والمواطنات، ويأخذ هذا التمييز بعدا عقائديا، تنعدم فيه الحقوق كاملة بالنسبة إلى غير المسلمين او للمسلمين من الغير الغالبية السنية.
يرى المفكر الأمريكي ناعوم تشومسكي أنّ الإنسان يولد مزودا باستعدادات عقلية كما، اذ نتلقى في العقل وحوله، ونختلف في المعتقد ولكن أساسنا ذلك الاستعداد العقلي.
وباعتبار أنه لا أحد فينا مسؤول عن تلك المعتقدات فإننا نكون سواسية ضمن هذا المختلف ونكون واحدا عند ذلك الجذر (العقل) بهذا المعنى فإن إدارة المجموعة او الجماعة ليس الهدف منه إدارة لمعتقداتهم بل هو تنظيم لعلاقاتهم.
في تونس يعتبر المشهد الديني أو المذهبي متنوعا، بقطع النظر عن المقاربة الكمية (العددية) وهذا التنوع يشمل المسلمين السنة والشيعة والاباضية وغيرهم واليهود والمسيحيين والبهائيين وغير المتدينين.
إدارة مدنية لشؤون المواطنين
إن ادارة المجموعة هي كادارة اتفاقية بمعنى يتم الاتفاق بين الناس على إعتماد وسيلة الانتخاب لإختيار من يشرف على تنظيم العلاقات بين الناس والمواطنين حسب قوانين سابقة الوضع وهي قوانين مدنية، وبذلك تكون الغاية من الترشح هولإدارة العلاقات بين الناس وتنظيم شؤونهم والاستجابة لمطالبهم بقطع النظر عن معتقداتهم وهو ما يستوجب على سبيل المثال يكون رئيس البلاد لكل التونسيين وليس فقط للمتدينين، أو للمسلمين، ليس فقط لليهود، ولا للمسيحيين…. بل هو مسؤول عنهم جمعيهم دون أي شكل من اشكال التمييز…
رئاسة الدولة ممنوعة على غير المسلمين
إن الدستور التونسي وهو أعلى هرم الترتيب القانوني وفقا لنظرية هانس كلسون، هذا الدستور (سواء دستور 1959 أو 2014 أو 2022 يفرض شروط أساسها الدين او المعتقد وهو ما ينفي بذلك صفة المواطنة عمن لا تتطابق صفاته الدينية والعقائدية مع هذه الشروط.
فدستور 2022 وكونه اخر دستور يتم اعتماده في تونس اليوم، يحتوي على فصلين يتناقضان وهما الفصل 29 الضامن لحرية المعتقد وحرية الضمير،والفصل 88 الذي يضع شرطا مجحفا نوعا ما بجعل الدين الإسلامي كشرطأساسي وجوهري لتولي منصب رئيس الجمهورية
نفهم من ذلك، ان من ليس مسلما لا يحق له أن يكون رئيسا للجمهورية حتى وإن كانت له الجنسية التونسية، وبهذا الشرط يفقد المواطن الغير مسلم حقه في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وعلى عكس من ذلك لا يرد مثل هذا الشرط عندما يتعلق الموضوع بالترشح لعضوية مجلس النواب وبالتالي، نظريا، يمكن لرئيس مجلس النواب ألا يكون مسلما كما يمكنه أن يكون وزيرا أو رئيس حكومة ولكن لا يمكنه أن يكون رئيسا للجمهورية.
في الواقع ان شرط إسلام رئيس الجمهورية هو شرط تمييزي بين مواطنين درجة اولى ومواطنين درجة ثانية والتمييز هنا يتم على اساس المعتقد اي على اساس ما لا يكون الفرد مسؤولا عنه
مساواة شكلية وتمييز في الأصل
أما بالنسبة إلى الانتخابات البرلمانية والمحلية فان المرسوم عدد 8 لسنة 2023 مؤرّخ في 8 مارس 2023 يتعلق بتنقيح القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 ماي 2014 المتعلق بالانتخابات والاستفتاء وإتمامه في الفصل 49 مكرر (جديد) – يحدد شروط الترشح لعضوية المجلس البلدي لكل ناخبة أو ناخب تونسي الجنسية وغير حامل لجنسية أخرى.
كما نص الفصل 5 جديد على انه يتمتّع بحقّ الانتخاب جميع التونسيين والتونسيات المرسّمين في سجلّ النّاخبين، البالغين من العمر ثماني عشرة سنة كاملة في اليوم السّابق للاقتراع، والمتمتّعين بالجنسيّة التونسيّة وبحقوقهم المدنيّة والسياسيّة وغير المشمولين بأيّة صورة من صور الحرمان المنصوص عليها بالقانون.
وقد نص الفصل 19 جديد من نفس المرسوم عدد 8 على أن الترشّح لعضويّة مجلس نوّاب الشّعب حقّ لكلّ ناخبة أو ناخب تونسي الجنسيّة مولود لأب تونسيّ أو لأم تونسيّة وغير حامل لجنسية أخرى بالنسبة إلى الدوائر الانتخابية بالتراب التونسي،
حقوق منقوصة
إذا يمكننا أن نستنتج من خلال القانون المنظم للانتخابات البرلمانية والمحلية بأن حق الترشح للمناصب حق لكل تونسية وتونسي ولم يتم وضع شرط الاستثناء الديني بل كانت كل الشروط ذات طابع مدني قانوني ولم تعتمد الإقصاء على اساس المعتقد.
غير أن هذا النص القانوني لم يضمن تمثيلية كل مكونات المجتمع التونسي. إن أغلبية التونسيين هم مسلمون ولكن حضور الديانات الأخرى لا يمكن إلغاؤه مثل اليهودية والمسيحية، ولكن نظرا للفرق الكمي بين الديانات فإن الانتخابات بشكلها التمثيلي الوارد في القانون لا تمكّن بقية المواطنين التونسيين غير المسلمين من التمثيلية داخل الهياكل والهيئات المنتخبة.
إن المشرع التونسي ميّز منصب رئيس الجمهورية بالمحمول المعتقدي أي جعل المعتقد شرط اساسي وجوهري للترشح وهو شرط تمييزي ضد غير المسلمين، في حين تغافل القانون الانتخابي على حق التونسيين من الديانات الأخرى مثل المسيحيين واليهود من الحق في التمثيلية.
من الضرورة التفكير بجدية في منح مقاعد لغير المسلمين وللمسلمين من خارج المذهب المالكي ضمن الهيئات الدستورية على غرار البرلمان والمجالس المحلية مما يجعل من الجميع ممثلين داخل الفضاءات السياسية الديمقراطية لنعكس بذلك روح التعايش والثراء المجتمعي الديني والفكري في تونس.
ولهذا من المهم ان يتم اعتماد مبدأ التمثيلية النسبية وإعطاء مقاعد لغير المسلمين في البرلمان والمجالس المحلية والجهوية وبالتالي ضرورة تنقيح المرسوم عدد 10 المتعلق بالانتخابات المحلية والجهوية.
الكاتبة: ايمان الوسلاتي