بقلم: منجي الخضراوي
يثير المشهد السياسي في تونس أكثر من سؤال خاصة أمام اختلال موازين القوى برمتها لفائدة طرف واحد استطاع أن يأخذ كل عناصر المعادلة بيده، ويجد أنصارا لذلك.
المكون السياسي:
مكونات المشهد، في الأصل هي مجموع الأحزاب والتنظيمات السياسية المعارضة لتوجهات وإجراءات الرئيس قيس سعيد.
ثم الطرف النقابي الذي كان يعتبر الأقوى والاقدر على تغيير المعادلة السياسية وهو الاتحاد العام التونسي للشغل.
أنصار الرئيس قيس سعيد وهم أساسا مجموعات في مجملها يسارية، أهمها فصائل محسوبة على التيار الوطني الديمقراطي وهو تيار جاء على خلفية نفيه بالمعنى الهيجلي( هيجل) للماوية ( نسبة إلى الزعيم الصيني ماو تسي تونغ). إضافة إلى بعض التيارات القومية الناصرية.
رغم دعوة الرئيس قيس سعيد الناخبين للانتخابات الرئاسية يوم الأحد 6 أكتوبر 2024، فإن الحراك السياسي لم يشهد تغييرات تذكر، اذ أن عددا من الذين عبروا عن رغبتهم في الترشح للرئاسية وجدوا أنفسهم أمام القضاء بتهم مختلفة ثم السجن.
بعض المرشحين أجبروا على خوض حملتهم من خارج تونس.
البعض الآخر مازال يراقب مآل الأوضاع السياسية والأمنية في تونس بتردد كبير لقياس نسبة الآمان في صورة الترشح للرئاسة.
موازين القوى أصبحت خارج منطق المعادلات أمام اختلالها بشكل كبير لفائدة الرئيس قيس سعيد الذي استطاع تهميش خصومه ووضع حد لمشهدية الأحزاب السياسية التي يحملها مسؤولية الأزمة في تونس وخاصة حزب حركة النهضة.
الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يعتبر عنصرا أساسيا في الخصوصيات السياسية les paramètres politiques التونسية، أصبح على الهامش لثلاثة أسباب:
أولها عدم احترام قيادته الحالية لقوانين المنظمة والانقلاب عليها.
ثانيا: فقدان الاتحاد لجزء كبير من شعبيته لاستقوائه في فترة مهمة خلال الثورة واستغلاله مناخ الحريات لتحقيق منافع فئوية ضيقة.
وثالثا: مسألة ارتباك الموقف لدى القيادة التي هي بصدد مجاراة مواقف قواعدها بين مناصر لاختيارات قيس سعيد وبين معارض لها، الأمر الذي عقّد الدور السياسي التقليدي للمنظمة.
هذا دون أن ننسى اختراق قيادات وسطى انتهازية للاتحاد وعدم تسلحها بالمبادئ النضالية وقدرتها فقط على التلوّن.
المكون الاقتصادي والاجتماعي:
المعطى الآخر الذي يدخل في عناصر موازين القوى هو عنصر خلفي بمعنى عنصر المؤشرات، رسميا فإن نسبة البطالة في تونس بلغت 16 فاصل 2 بالمائة، في حين لم تتجاوز نسبة النمو الاقتصادي صفر فاصل 2 بالمائة أمام نسبة تضخم 7 فاصل 2 بالمائة.
// أرقام المعهد الوطني للإحصاء//
هذه المؤشرات كانت كافية لتهميش فئات كبيرة من المجتمع التونسي خاصة في بعض الأحياء والجهات الفقيرة، وبالتالي فإن عنصر التفقير وتهميش تلك الفئات سوف تكون له استتباعات اجتماعية وهو العنصر الأهم في إمكانية تغيير موازين القوى.
المعطى الخارجي:
طبعا تونس ليست جزيرة معزولة، فهي في ارتباط وثيق بالمعطى الدولي:
أولا التدخل الأوروبي سياسيا واقتصاديا، من خلال الاتفاقيات أولا ومن خلال دعم بعض الأطراف ثانيا والضغط على النظام ثالثا.
من الواضح أن النظام السياسي في تونس يتبنى نظرية السيادة الوطنية الأمر الذي جعله يحاول إغلاق الباب أمام تلك الضغوط رغم أهميتها، إلى حد رفض دخول وفد أوروبي ( رقابي) دخول التراب التونسي من خلال قرار سياسي. وهو الأمر الذي يميز السلطة الحالية لقيس سعيد عن بقية السلطات السياسية التي حكمت البلاد سابقا.
الولايات المتحدة الأمريكية تتوخى سياسة براغماتية فهي تجاري موازين القوى وتلاحظها وعادة تستفيد من الطرف الأقوى.
بعض الدول العربية بين مساند للسلطة وداعم بشكل مباشر أو غير مباشر لبعض معارضي السلطة.
وعموما فإن التونسيين يرفضون في غالبهم التدخل الأجنبي ويصيغون تهمة خطيرة لمن يتعامل مع الخارج ويدينونه.
المكون الاقتصادي الدولي:
تسعى السلطة السياسية الراهنة إلى تنويع مصادر التعامل والارتباط الاقتصادي والمالي، فرغم أن النسبة الأكبر لتعامل تونس الاقتصادي تبقى أوروبية وخاصة فرنسية، الا أنها تسعى إلى الانفتاح على الصين وروسيا وربما مجموعة البريكس، ولكن تبقى كلها مجموعات مالية لا تخرج عن نمط الإنتاج الرأسمالي، وبالتالي تظل البلاد مرتبطة بالمتروبول المالي العالمي اذا لم تغيّر نمط الإنتاج وتشكيلاته الاقتصادية.
تعتبر الأزمة الاقتصادية في تونس وضعف نسبة النمو وارتفاع نسبة التضخم مع عجز الميزان التجاري وارتفاع نسبة الفقر مقدمة مهمة لوضع اجتماعي هش يتضمن في ذاته استعدادات للارباك. وهو ما يجعلها أزمة تونسية.
كما أن الأزمة الاقتصادية العالمية وتشكل موازين القوى الدولية وفقا للمتغيرات الاقتصادية والعمل على السيطرة على موارد الطاقة في العالم والهيمنة على منابع الثروة مثل افريقيا، وباعتبار تونس لها موقع استراتيجي مهم فهي في قلب صراع النفوذ الدائر داخل حركة رأس المال، الأمر الذي يجعل جزءا من عناصر الأزمة تجري في تونس، من خلال الصراع المباشر بين القوى الرأسمالية المحورية أو من خلال بعض الدول التي تلعب دور الوكالة، وهو ما يجعلها أزمة في تونس.
أفق الأزمة:
إن الأهم من طبيعة الأزمة هو كيفية ادارتها، بين إدارة محلية للأزمة وإدارة خارجية تسعى إلى فرض شروطها في عناصر تشكل الواقع الاقتصادي والاجتماعي.
وبالتالي يمكننا أن نعتبر أن تونس اليوم هي حقل اختباري لتشكيل تركيبة سياسية واقتصادية واجتماعية وقيمية إما ذات جوهر محلي أو مناط تقاطعات خارجية وداخلية.
إن المعطى الداخلي لا يمكنه أن يتأثر بالمعطى الخارجي الا إذا كانت له استعدادات ذاتية لقبول تأثيره.