بقلم: منجي الخضراوي

كانت أكثر الدراسات إثارة للنقاش والجدل في تونس هي المتعلقة بالبحث في طبيعة المجتمع التونسي ثم طبيعة النظام، لأن تحديد ذلك سوف يؤدي بالنتيجة إلى تحديد طبيعة الفعل السياسي أو تحديد طبيعة الثورة بالنسبة إلى التيارات الثورية ومن ثمة طرح موضوع التكتيك والاستراتيجيا.

كان المهتمون بهذه الدراسات ينقسمون إلى قسمين: الأول يؤمن بالمقاربة السياسية لفهم طبيعة المجتمع في حين يؤمن القسم الثاني منهم بالمقاربة الاحصائية.لكن الموضوعية اقتضت في فترة من التاريخ اعتماد منهجية مختلطة mixte بين السياسي والاحصائي خاصة في مستواه الاقتصادي.

إن الإجابة عن السؤال المتعلقة بطبيعة المجتمع التونسي تفترض الإجابة عن أسئلة فرعية، مثل نمط الإنتاج القائم في البلاد، هل هو رأسمالي أو أقطاعي أم رأسمالي تابع أم شبه اقطاعي ؟

هل تونس دولة مستقلة استقلالا تاما؟ أم أننا في وضعية تاريخية متعلقة بوضعية أشباه المستعمرات؟ أم بلد بصدد الاستقلال؟ماهي وسائل الإنتاج المهيمنة في عملية الإنتاج؟ هل تخلصنا من النظام الريعي؟

هل تخلصنا من منظومات الاقطاع في الإنتاج الزراعي والفلاحي عموما؟ هل أن البرجوازية في تونس هي برجوازية وطنية؟ بمعنى هل استطعنا تاريخيا مراكمة رأسمال وطني؟كيف تتم عملية الانتاج؟ وكيف يتم توزيعها؟ ومن ينتفع منها؟ أي دور للشركات العابرة للقارات في حركة رأس المال في تونس؟ ماهو دور المؤسسة الدينية؟ ماهي طبيعة الملكيات العقارية؟

هل استطاعت تونس احداث نظام صناعي؟ وهل يمكننا الحديث عن طبقة عاملة؟ كيف نفهم طبيعة المرحلة؟ إن البحث في طبيعة المجتمع ثم في طبيعة النظام يقتضي منا الإجابة عن تلك الأسئلة وغيرها؟لماذا يجب أن نفهم طبيعة المجتمع وطبيعة النظام؟ عند تفكيك عناصر المشكل، ونقدم صورة موضوعية ودقيقة عن تلك الأسئلة فإنه يمكننا عندها أن نحدد بدقة المهام التي يجب القيام بها، ونتمكن من تحديد خصوصيات المرحلة تاريخيا وبالتالي تحديد الهدف الاستراتيجي العام ثم التكتيك الذي يجب توخيه من أجل ذلك.

في اعتقادي فإن الاستراتيجيا التي حددتها أغلب التيارات السياسية خاصة اليسارية العمالية والوطنية الديمقراطية والتروتسكية والمجالسية والقومية التقدمية كانت كلها تستهدف دولة وطنية / ديمقراطية/ اشتراكية، تأتي كتتويج تاريخي للعمل الجبهوي أو الحزبي المستند إلى البرنامج الثوري.

إن استتباعات هذه الاستراتيجيا لا تؤمن بالديمقراطية البرجوازية الشكلية إنما تؤمن بحركة التاريخ التي في جوهرها الماركسي هي حركة صراع طبقي.وبالتالي فإن الفعل الثوري هو الطريق القويم والأسلم بالنسبة إلى تلك الأدبيات للوصول إلى الهدف الاستراتيجي، وتخليص الجماهير من الاستغلال والاستعباد تحت شعار ليس لديهم ما يفقدونه غير أغلالهم.

لقد تغيرت منذ سنة 2011 بعض مقولات تلك التيارات والحركات ولم تعد ضمنيا تؤمن بالدولة الاشتراكية ورفعوا شعار الجمهورية الديمقراطية الاجتماعية التي تضمن فيها الدولة الصحة والنقل والتعليم وتكون شريكا مهيمنا مع الاستثمار البرجوازي في إنتاج الثروة، وبالتالي الانخراط بالضرورة في حركة رأس المال المالي العالمية مع تحقيق استقلالية في القرار الاقتصادي فالسياسي والوطني.لم تعد الدولة هي نفسها التي استهدفتها تلك الادبيات فمنذ جوزيف ني Joseph Nye في التسعينات أصبحنا نتحدث عن مفاهيم جديدة للقوة وبالتالي للدولة وأصبحنا أمام الجهاز التعديلي الذي تتم من خلاله حركة القمع وحفظ مصالح الطبقة المهيمنة اقتصاديا وسياسيا، وهو ما يعني المنطق التاريخي الراهن الذي يقول بأنه لا وجود لدولة ديمقراطية خارج نمط الإنتاج الرأسمالي.