في إطار سعي تونس لتحقيق الديمقراطية المستدامة، شهدت البلاد محطات انتخابية مهمة خلال السنوات القليلة الماضية.

 كان أبرزها انتخابات 17 ديسمبر 2022، التي جاءت كنتيجة لإجراءات استثنائية أطلقها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو 2021، تلتها الانتخابات المحلية في 2023. هذه الانتخابات تقدم رؤية واضحة للتحولات السياسية والديمقراطية التي تمر بها تونس.

انتخابات 17 ديسمبر 2022 جاءت كجزء من الإجراءات الاستثنائية التيأعلنها الرئيس قيس سعيد بهدف تصحيح مسار الثورة التي انطلقت في2011. كان هدف هذه الإجراءات المضي قدماً في إصلاح المنظومة السياسية في البلاد، وهو ما تجلى في التغييرات الجذرية التي أدخلت على النظام الانتخابي.

 تم الانتقال من نظام الاقتراع على القوائم إلى الاقتراع على  الأفراد، مما يعني أن الناخبين أصبحوا يصوتون مباشرةً للمرشح بدلا من اختيار قائمة حزبية.

 وعلق المحلل السياسي حسني عبيدي قائلاً: “هذا التغيير يهدف إلى تعزيز المسؤولية الفردية ويقلل من هيمنة الأحزاب التقليدية على المشهد السياسي”.

كما شهدت هذه الانتخابات تقليصاً لعدد نواب البرلمان من 217 إلى 161 نائباً.

وفرض القانون الجديد جمع 400 تزكية من الناخبين المسجلين في دائرة كل مترشح، ما يعزز شرعية الترشحات ويجعل من الصعب على المترشحين الذين لا يتمتعون بشعبية كبيرة المشاركة في الانتخابات. 

بمكن للناخبين سحب الوكالة من النائب في حال إخلاله بواجباته، رغم تعقيد هذه العملية، بالإضافة إلى ذلك تم إلغاء المنحة العمومية للحملات الانتخابية، وتم السماح بالتمويل الذاتي والخاص، ما يثير جدلاً حول تأثير المال الخاص على نزاهة الانتخابات.

انتقادات

انتقدت بعض الأحزاب مثل حزب العمال القانون الانتخابي الجديد ووصفته  مسقط وغير تشاركي. وقال الأمين العام لحزب العمال، حمة الهمامي: “هذه الانتخابات تأتي في سياق انفرادي ولا تعبر عن روح الثورة”. بينمادعمت أحزاب أخرى مثل حركة البعث والتيار الشعبي هذه الانتخابات، معتبرة إياها خطوة ضرورية لاستعادة الدولة ومؤسساتها. وصرح النائبالسابق عن التيار الشعبي، زهير المغزاوي: “نرى أن هذه التعديلات تمثلخطوة مهمة نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس صحيحة”.

في المقابل، تأتي الانتخابات المحلية 2023 في سياق مختلف تماماً، حيث تهدف إلى تعزيز الديمقراطية القاعدية واللامركزية. 

هدفت الانتخابات المحلية إلى تمكين المجالس من إدارة شؤونها المحليةباستقلالية أكبر، مما يعزز مبدأ اللامركزية الذي نص عليه دستور تونس الجديد شهدت الانتخابات مشاركة ضعيغة حيث بلغ عدد الناخبين المسجلينأكثر من تسعةملايين ناخب، وتم انتخاب279 مجلس محلي.. أي بواقع مجلس عن كلّ معتمدية . مثلت هذه الانتخابات خطوةنحو نقل السلطة من المركز إلى الأطراف، ما يعزز مشاركة المواطنين فياتخاذ القرارات المحلية.

عند المقارنة بين انتخابات 17 ديسمبر 2022 والانتخابات المحلية 2023، نجد أن كل منها يخدم غرضاً مختلفاً في النظام الديمقراطي التونسي. فالانتخابات التشريعية تهدف إلى تشكيل السلطة التشريعية وإعادة التوازنإلى النظام السياسي بعد فترة من الاحتقان، بينما تهدف الانتخابات المحليةإلى ترسيخ مبدأ اللامركزية وتعزيز مشاركة المواطنين في صنع القرارالمحلي.

الانتخابات التشريعية

الانتخابات التشريعية شهدت تغييرات جذرية تهدف إلى زيادة الفاعليةوتقليص الفساد من خلال إلغاء التمويل العمومي وجعل الترشح أكثرصعوبة. حيث أشار تقرير للهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى أن نسبةالمشاركة بلغت حوالي 41%، وهو ما يعكس تفاعلاً متبايناً من قبل المواطنين. يقول المحلل السياسي، صلاح الدين الجورشي: “الانتخابات التشريعيةالأخيرة قد تفتح الباب أمام تغيير جذري في تركيبة البرلمان وتوازناته”.

الانتخابات المحلية

في المقابل، الانتخابات المحلية تمثل استمراراً لتطبيق مبادئ الديمقراطية القاعدية التي نص عليها دستور 2022، وتتيح الفرصة لمشاركة أوسع للنساء والشباب في إدارة الشؤون المحلية. كما سجلت الانتخابات نسبة مشاركة بلغت حوالي 11 بالمئة، مما يعكس تحديات في إشراك المواطنين على المستوى المحلي. 

باختصار، تعكس انتخابات 17 ديسمبر 2022 والانتخابات المحلية 2023 تطورات مهمة في المسار الديمقراطي لتونس. فبينما تسعى الأولى لإعادةضبط التوازن السياسي على المستوى الوطني، تعمل الثانية على تعزيزالديمقراطية القاعدية وتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية في الحكم المحلي. كلتا العمليتين الانتخابيتين ضروريتان لاستكمال البناء الديمقراطي فيتونس وضمان استدامته على المدى الطويل.

وائل النهيدي

إشراف: مركز تطوير الإعلام