هل فشلت الضغوطات الأمريكية والأوروبية في إقناع الشركات الغربية بالخروج من روسيا؟ 

أعلن الاتحاد الأوروبي، الخميس 20 جوان، عن الحزمة الرابعة عشرة من العقوبات ضد روسيا منذ بداية النزاع في أوكرانيا ضمن خطوة تحمل في طياتها نوايا إدراج عدة أفراد وكيانات قانونية على القائمة السوداء، إضافة إلى حظر استيراد الغاز المسال والهيليوم منها.

المحاولات الأوروبية اليائسة والمتواصلة لضرب الاقتصاد الروسي، أظهرت فشل الغرب في عزل روسيا اقتصاديا بعد تجاهل كبرى الشركات الأوروبية والأمريكية للعقوبات المسلطة على موسكو ومواصلة نشاطها داخل البلاد. 

لماذا تجاهلت الشركات الغربية مواقف دولها وواصلت نشاطها؟


الانسحاب من السوق الروسية اليوم أصبح أمرًا يحسب له ألف حسبان،نظرًا لوزنها وأهميتها عالميًا، تزامنا مع تقلبات السوق الناتج عن أزمة كوفيد-19، خاصة مع التوتر العسكري المتصاعد في البحر الأحمر وما ترتب عنه من أزمة شحن شاملة كلفت كبرى الشركات العالمية ملايين الدولارات، فضلا عن حملات المقاطعة للمنتجات الغربية التي أظهرت ثباتها في الدول العربية كرد فعل تجاه العدوان الإسرائيلي المستمر في قطاع غزة  والضفة الغربية بفلسطين.

أسباب جعلت الشركات الغربية تفضل الاستقرار المالي الذي تدره هذه السوق في ظل التوترات الجيوسياسية.

من المؤكد أن الشركات التي تسعى للخروج من السوق الروسية ستضطر إلى قبول خسائر مالية أكبر في القيمة الدفترية للأصول التي ستُصادر في حال تركها. تزامنا مع تلويح الغرب بخطوة استفزازية عبر مصادرة الأصول الروسية المجمدة في خزائنه لدعم نظام كييف، ما يعزز شرعية هذه الخطوة لدى موسكو ، ضمن سياسة يمكن القول عنها “المعاملة بالمثل”.

عوامل ومؤشرات جعلت الشركات الأوروبية والأمريكية تراوغ العقوبات المفروضة وتستمر في نشاطها داخل روسيا بطرق غيرمباشر، رغم أن أغلبها أعلنت انسحابها سابقا.

مثلا، “كوكا كولا”  التي لا تزال تروج منتجاتها بالبلاد عبر علامة”دوبري كولا” المملوكة جزئيا للشركة الأمريكية “العملاقة” بخمسرأسمالها، أو من خلال استيرادها من الدول المجاورة. 

مسار اتخذته شركة “بيبسي” عبر استراتيجية مغايرة تتمثل فيتعزيز نشاطها في ستة مصانع روسية وترويج منتجاتها بأسماءوأشكال مختلفة ما مكنها من تحقيق أرباح قدرها أكثر من 2 مليار دولار. 


شركات عديدة على غرار المطاعم والمنتجات الأمريكية المشهورة والماركات الأوروبية ذائعة الصيت مازالت تعمل في روسيا متجاهلة العقوبات والحظر، لتساهم بذلك في دعم الاقتصادالروسي وخفض مستويات البطالة مبرزة التناقض بين السردية الغربية والواقع الفعلي. 

“نحقق نموا، وهم يتراجعون”

في دراسة أجرتها صحيفة “فايننشال تايمز” سنة 2023، بلغت تكلفة خروج بعض الشركات الأجنبية من روسيا منذ بداية العام2022، أكثر من 107 مليارات دولار. 

في المقابل أفادت هيئة الإحصاءات الحكومية الروسية أن الناتجالمحلي الإجمالي للبلاد ارتفع 5.4% على أساس سنوي في الربع الأول بعد نموه 4.9% في الربع الأخير من العام الماضي.

كما رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الروسي في 2024 إلى 3.2% من 2.6%، مشيرا إلى الدور الإيجابي للإنفاق والاستثمارات الحكومية المرتبطة بالنزاع والعائدات المالية الهامة من تصدير النفط.  

جميعها مؤشرات أكدها سابقا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين بأن العراقيل الغربية لن تلحق ضررا بروسيا بقوله “نحقق نموا، وهم يتراجعون”.  

التفوق الروسي على الميدان، وشروط الرئيس بوتين للدخول فيمفاوضات سلام أدخلت الغرب في حالة من “الهستيريا” لاسيما بعدالتطورات الدبلوماسية الأخيرة المتمثلة في إنشاء تحالفات “عسكريةواقتصادية” هامة استراتيجيا مع الصين ثم كوريا الشمالية والفيتنام.

كل المعطيات المذكورة سابقا تنقلنا إلى طرح سؤال حول اعتراف الدول الغربية، ولو بطريقة غير مصرح بها، بفشل مخططاتها في عزل روسياعن العالم وإنهاء النزاع لصالح أوكرانيا عن طريق العقوبات الاقتصادية والسياسية.

فهل مآل الخطط الغربية الموجهة ضد روسيا هو “الفشل الحتمي”؟ 

بقلم نور الفارسي