خطاب الكراهية وضرورة التصدي له
خطاب الكراهية

لقد أصبح خطاب الكراهية مع تطوّر شبكات التواصل ومع التطور التكنولوجي أكثر عنفا وانتشارا، وهو ما يهدّد السلم الاجتماعي في الكثير من مناطق العالم.

فمتى ظهر هذا الخطاب الازدرائي؟ ماهي أصوله التاريخية والاجتماعية؟ وكيف يمكن التصدّي له وماهي آليات ذلك؟ هل يمكن إيقاف نزيف هذا الخطاب العنيف؟

تعرّف الأمم المتحدة خطاب الكراهية على أنّه “: أي نوع من التواصل الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية، وبعبارة أخرى على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية.”

أشكال متنوّعة لخطاب الكراهية

يأخذ خطاب الكراهية أشكالا مختلفة من التواصل الكتابي والشفوي والسلوكي والرمزي. وهو خطاب تحقيري مبني على أساس الهوية أي على أساس ماهو ثابت بين مجموعة بشرية. يتميز خطاب الكراهية بالسلوك المسيء الذي يستهدف مجموعة أو فردًا بناءً على خصائص محددة. ويأخذ خطاب الكراهية أشكالاً مختلفة مثل التحريض على العنف والتمييز والوصم واستخدام اللغة المهينة. إضافة إلى ذلك، فإن هذا النوع من الخطاب يمكن أن يؤدي إلى الصور النمطية وتقديم نماذج من الضحايا. مما يكون له انعكاسات ضارة على الفرد والمجتمع. وفي هذا السياق من الضروري أن نفهم أن خطاب الكراهية هو ظاهرة معقدة ومتعددة الأبعاد، تحمل عواقب خطيرة وضارة بحقوق الإنسان والوحدة الاجتماعية.

كما يأخذ خطاب الكراهية أشكالا أكثر خطورة. عندما يشمل المجال السياسي، مثلما هو الشأن في تونس. اذ تمّ اعداد أرضية موائمة لإقصاء الأحزاب والمجموعات السياسية. بعد تركيز خطاب كراهية عميق، أدّى إلى شلل الحياة الساسية في تونس، واختناق الفضاء العام وانتفاء النقاش.

أصول مصطلح خطاب الكراهية

ظهر مصطلح خطاب الكراهية في الإعلام لأول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1989. وحسب الباحثة في العلوم السياسية بالجامعة المصرية حنان أبوسكين فإنّ هذا الخطاب “يشمل المشكلات التى تتعلق بالخطاب العنصرى المؤذى الذى كان محصناً بالقانون الأميركى تحت بند حماية حرية التعبير. وثمة تعريفات أخرى منها: أنه خطاب يحفز على التحيز والعداء ويستهدف شخصًا أو مجموعة من الأشخاص بسبب بعض خصائصهم الفطرية الفعلية أو المتصورة.”

إن خطاب الكراهية له تأثير سلبي وخطير على الأفراد والمجموعات فهو داعم للعنف ومهدد للتماسك الاجتماعي ومعاد للتسامح. علاوة على ذلك، فإن لهذا الخطاب القدرة على استقطاب المجموعات المتطرّفة والعنيفة. وهو خطاب مهدّد للنقاش العام والحياة السياسية. اذ بلغ الأمر في بعض الحالات إلى درجة تورّط مواقع على الأنترنات، في تقديم مكافآت مالية كبيرة. مقابل قتل سوريين في تركيا أو بتر أجزاء من أجسامهم.

النساء الأكثر عرضة لخطاب الكراهية

كشفت تقارير اعلامية عن تعرّض طالبة من أصول يمنية دعت إلى إنصاف الفلسطينيين في خطاب تخرجها من جامعة مدينة نيويورك، إلى حملة تحريض واسعة وممنهجة من طرف وسائل إعلام عبرية وأمريكية، بالإضافة إلى مؤسسات تابعة للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة.

يأتي ذلك في إطار الحملات التي تستهدف النساء والتي تحرّض ضدّهنّ.

إنّ خطاب الكراهية يستهدف جميع الأشخاص والمجتمعات، ولكنه يستهدف أكثر النساء اللاتي أصبحت في حالة استهداف متقاطعة بمعنى التعرض للاستهداف العادي المتواصل اجتماعيا في العائلة وفي العمل والمجتمع اضافة الى الاستهداف في الفضاء السيبرني. فهو خطاب يؤثر حسب الخبراء على الصحة النفسية للأفراد وخاصة النساء، عندما يقعون ضحايا مباشرين له. غالبًا ما يرتبط خطاب الكراهية بالتحريض على الكراهية العنصرية ويشكل جريمة قانونية. لا سيما في سياق قوانين مكافحة العنصرية. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من الخطاب يمكن أن يتخذ أشكالا عديدة. ولا يقتصر فقط على العرق أو اللون، تعد التعليقات التي تحرّض على الكراهية عبر الإنترنت مثالًا شائعًا. مما يسلط الضوء على أهمية التعرف على تأثيرها السلبي على الأفراد والمجتمع في نهاية المطاف.

تعد مكافحة خطاب الكراهية أمرًا ضروريًا لحماية حقوق الإنسان وتعزيز مجتمع أكثر إنصافًا وعدالة، ومجتمع ضامن لحرية التعبير. اذن يمثل خطاب الكراهية شكلاً خطيرًا من أشكال التواصل وله عواقب وخيمة على الأفراد والمجتمع ككل. ومن الضروري فهم تعريف خطاب الكراهية ومظاهره المختلفة من أجل مكافحته بشكل فعال من خلال تعزيز التسامح والتقدير والتفاهم. من أجل مجتمع أكثر شمولاً وسلامًا. يتعايش فيه الجميع بقطع النظر عن العرق أو الأصل العرقي أو الفكر أو الأسلوب أو التوجه الجنسي.

أصول خطاب الكراهية وعلاجاته

لقد أصبح خطاب الكراهية مشكلا منتشرا في العالم وخاصة في المجتمع الحديث، اذ أصبحت له تداعيات خطيرة. هذه الخطابات ليست مؤذية وتمييزية فحسب، بل يمكن أن تساهم في زيادة التوترات الاجتماعية والسياسية، أو حتى التحريض عليها والدفع بها إلى العنف. لقد كشف تقرير جديد لمنظمة تل ماما Tell MAMA البريطانية أن أعداد حوادث العداء للمسلمين والإسلام في بريطانيا تضاعفت في السنوات العشرة الماضية.

وبالتالي فإن من المهم  استكشاف جذور خطاب الكراهية وعلاجاته من خلال دراسة العوامل التاريخية والثقافية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تساهم فيه. مع اقتراح حلول قانونية وتعليمية ونظامية وبيداغوجية لمواجهته. خطاب الكراهية له جذوره في التاريخ اذ غالبًا ما تنقلها أجيال من خلال التحيز والتمييز.

على سبيل المثال، أدى إرث العبودية والعنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى ظهور تقليد خطاب الكراهية الموجه ضد الأميركيين من أصل إفريقي أي ضدّ ذوي البشرة السوداء.

آليات التصدي لخطاب الكراهية

تعمل الآليات النفسية والاجتماعية على تغذية هذه الخطابات، مثل الاستقطاب الجماعي،  والتهميش والتحقير الاجتماعي والحضاري والاقتصادي. اذ يصبح الأفراد أكثر تطرفًا في تقييماتهم عندما يعملون ضمن مجموعات تتقاسم نفس الهويات. وتلعب العوامل الاقتصادية والسياسية دورًا في ذلك  بما في ذلك عدم المساواة الاقتصادية ويعمل الاستقطاب السياسي، على تأجيج الاستياء والإحباط تجاه الفئات المهمشة. ولمواجهة خطاب الكراهية، أنشأت العديد من البلدان أطرًا قانونية لتنظيم ومعاقبة أولئك الذين ينخرطون فيه. ومع ذلك، يجب أن تكون هذه القوانين متوازنة مع الحق في حرية التعبير، الأمر الذي يمثل تحديًا دقيقًا. يمكن للمهام البيداغوجية والتعليمية تعزيز التسامح والتعاطف، مثل الوعي بالتنوع في المدارس وأماكن العمل.

ويمكن لبرامج محو الأمية الإعلامية أن تساعد أيضًا في مكافحة خطاب الكراهية في وسائل الإعلام وعلى منصات الإنترنت، من خلال تعليم الأفراد كيفية تقييم الموارد بشكل نقدي والتعرف على التحيز. إلا أن هذه الجهود يجب أن تكون مستمرة وواسعة النطاق حتى يكون لها تأثير ملموس .

المواجهة بين حرية التعبير وخطاب الكراهية

إن مكافحة خطاب الكراهية تواجه تحديات جسيمة، اذ يكون من الصعب التوفيق بين تنظيم حرية التعبير والتصدي لخطاب الكراهية. بمعنى أهمية ايجاد معادلة بين عدم قمع الحريات من جهة ووضع حدّ لخطابات التمييز والكراهية. حيث ترى المواثيق العالمية أن أي تقييد لحرية التعبير يشكل انتهاكًا لحقوقهم. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون التغلب على مقاومة مجموعات خطاب الكراهية والأفراد أمرًا صعبًا، لأنهم غالبًا ما يشعرون بأن انتقاداتهم لها ما يبررها ويرفضون التغيير لاعتقادهم أنهم على صواب وأنّ من يقومون باستهدافه هو عللا خطأ.

إنّ معالجة الأسباب الجذرية لخطاب الكراهية من خلال التغيير المنهجي، مثل الحد من عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية مع تعزيز التنوع والشمولية والتشجيع على الخطاب الديمقراطي الحر إضافة إلى دعم الفضاء العام للتعبير المختلف.

المقاربة الشمولية لخطاب الكراهية

في نهاية المطاف، يعد خطاب الكراهية مشكلة معقدة ومنتشرة تتطلب معالجة شمولية ومتعددة الأوجه. من خلال فهم جذور خطاب الكراهية وتنفيذ الحلول القانونية والتعليمية والنظامية والمرافقات البيداغوجية. يمكننا اذن العمل من أجل مجتمع أكثر شمولاً وتسامحًا. ومع ذلك، فإن هذا يتطلب جهدًا مستمرًا والتزامًا بتحدي رهانات التطور التكنولوجي الذي خلق إضافة الى المعطى الاقتصادي هوّة بين الأفراد والمجموعات مما خلق مناخا ملائما للتشجيع على الحقد والكراهية وبالتالي تغذية الخطابات الازدرائية والنافية للانسان.

لا يمكن أن تكون مهمّة التصدي لخطاب الكراهية مهمّة فرد أو مجموعة بعينها، بل هي مهمّة انسانية يساهم فيها الجميع كلّ من مكانه وفقا لآليات قادرة على ضمان الحق في التعبير والحق في التفكير الحر. وللإعلام دور مهم في هذا المجال عبر التأسيس لفضاء عام للنقاش البناء.

ايمان الوسلاتي