بقلم نزار الجليدي

تعدّ فرنسا من أكثر الدول الأوروبية تعدادا للمسلمين بواقع والي 7ملايين مسلم وهو ما يعادل ويفوق عدد السكان في بعض الدول العربية .ولئن يفوق عدد الكاثوليك عدد المسلمين ، لكن عند مقارنة عدد المتدينين من الطرفين يتضح أن عدد المسلمين المتدينين أكبر من عدد الكاثوليك المتدينين.ولهذا أسبابه ومخاطره التي سنأتي عليها لاحقا.
حيث يمثل الكاثوليك نسبة 29 في المائة من سكان فرنسا، بينما يمثل المسلمون 10 في المائة، أما آخر الاحصائيات فتشير الى أن إلى أن 51 في المائة من الفرنسيين لا يتبعون دينا معينا.
لكن بعيدا عن هذه الأرقام فان الإسلام في فرنسا الذي عدّ الديانة الثانية في البلاد له حضور قويّ وهو بصدد اكتساب كل يوم أرضا جديدة وهذا ما شجّع الحركات الإسلامية على الاستفادة من مناخ الحرية و الممارسات الشعائرية الذي كان سائدا في البلاد قبل أن يكتوي الفرنسيون و المسلمون أيضا بنيران الإرهاب .اذ لم تكتفي هذه الحركات بنقل نشاطها السياسي الى فرنسا بعد التضييق عليها في دول المنشأ بل حملت معها أذرعها المسلحة و شهدت فرنسا في ظرف خمس سنوات من 2015 الى 2020 من العمليات الإرهابية ما لم تشهده منذ دخول الإسلام اليها قبل قرون. وكان أشدّها فظاعة ذبح المدرس صامويل باتي
في 16 أكتوبر 2020، في مدينة كونفلان سانت أونورين، علي يدي طالب شيشاني متشدد على قتل بسبب عرضه على تلامذته صورًا كاريكاتورية للنبي محمد في درس على حرية التعبير.
وقد بدأ التخوف الفرنسي على المستوى الرسمي من الإسلاميين حينما تمكنت حركات الإسلام السياسي من التحول إلى قوة سياسية معارضة في بعض بلدان غرب آسيا وبعض دول شمال أفريقيا. وتضاعف الخوف حينما نجحت بعض الأحزاب الإسلامية في الوصول للحكم في بعض الدول العربية أولها حركة حماس في فلسطين في 2006 ، وحزب العدالة و التنمية المغربي التابع لجماعة الإخوان المسلمين بين سنوات 2011و2016 وكذلك فوزهم في مصر في 2012 ، وحركة النهضة في تونس2011.
وقد تحولت أغلب سفارات هذه الدول خاصة تونس في عهد النهضة ومصر في عهد الاخوان الى مكاتب خارجية مكلفة بمهام قذرة لا علاقة لها بالعمل الديبلوماسي ومهمتها هو التغلغل الاسلاموي في المجتمع الفرنسي .وحتى بعد اسقاط الاخوان في كل من مصر في 2013و تونس في 2021 لايزال هذا التنظيم يحتفظ له داخل البعثات الديبلوماسية و المراكز الثقافية .
وبعد أن كانوا يدخلون من الأبواب الرئيسية ثبت اليوم ترددهم على هذه المقار من الأبواب الخلفية للتخطيط و التآمر للمحافظة على المد الاخواني في فرنسا وكذلك لإبقاء العلاقة متوترة بين باريس و الدول التي اطردتهم .وهذا ما خلص اليه اكثر من تقرير استخباراتي فضلا عن استقطاب الاخوان لكل المعارضين لأنظمتهم و الفارين من العدالة تهم الفساد و التخابر .
وقود الاحتجاجات
الاحتجاجات التي تشهدها باريس و ضواحيها ومختلف المدن الفرنسية من حين لآخر تحمل بصمة الاخوان الذين لديهم التمويل و الاغراء المالي لتأجيج الأوضاع ليكون وجودهم أمرا واقعا في المشهد السياسي الفرنسي حتىّ أنّ كل محاولات السلطة السياسية و النخبة الفكرية في احتوائهم باءت بالفشل و لا أدل على ذلك موقفهم الرافض لميثاق “قيم الجمهورية” معتبرين إياه على حربا على الإسلام رغم تبنيه من طرف المجلس الوطني للأئمة الذي تمّ بعثه في نوفمبر 2022 و يجمع مسجد باريس وثلاثة اتحادات إسلامية
ويتولّى مهمة “منح اعتمادات” للأئمة النشطين على الأراضي الفرنسية، وإعادة هيكلة واسعة للمؤسسات الإسلامية في البلاد استجابة لطلب السلطات الفرنسية.
وكان ثمن عدم الانخراط الاخواني في هذا المشروع هو طرد عشرات الائمة المتشددين الذين يمارسون السياسة من تونس و الجزائر و المغرب و مصر فضلا عن طرد المئات من المنتمين الصريحين للاخوان .

تعميم وتعويم
حينما اطلق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مشروعه لميثاق “قيم الجمهورية” كان الهدف السياسي من ذلك هو التصدي لما سماه “الانعزالية الإسلامية” في فرنسا.أمّا وزير خارجيته أكثر تشدّدا حينما صرّح بالقول “يجب أن ننقذ أطفالنا من براثن الإسلاميين”.
ويبدو واضحا ممّا جاء في هذا الميثاق أن العقل السياسي الفرنسي لايريد أن يميّز بين المسلمين و الإسلاميين وانّ الإسلام تحوّل الى ورقة انتخابية لدى الكثيرين يشهرونها لطمأنة الفرنسيين من غول المسلمين كما يصورونهم .
والحقيقة هي غير ذلك فالإسلاميين و المتطرفين في فرنسا لايشكلون اكثر من 1او2 بالمائة من عموم المسلمين وهم في خلاف حاد معهم و بالتالي من العبث ان يتم وضع الجميع في سلّة واحدة .
بل من الخطأ التحرش الأمني المتواصل بالمسلمين المعتدلين و الذين طالما كانوا سندا للدولة الفرنسية و مساهمين في بناء نهضتها .

خطر أم فزاعة ؟
من المؤكّد أن الاخوان المسلمين ومن ولاهم في فرنسا بصدد التسبب في صداع للبلد العلماني بامتياز لكن اسقاطهم في بلدانهم وفقدانهم السلطة أضعفهم كثيرا و هم اليوم يمارسون سياسة التخفي في فرنسا وفي غيرها من الدول وهم أيضا لايحضون بعمق شعبي من الجاليات العربية و المسلمة في فرنسا و غيرها من الدول .أما اعتبارهم يشكلون خطرا و أن الإسلام السياسي يهدّد العلمانية في فرنسا فهذا مجانب للصواب و المنطق لكنه يستعمل كفزاعة لأغراض سياسية كما قلنا خاصة من وزير الداخلية جيرالد دارمانين الذي يستعدّ لخلافة ماكرون في الإليزيه وهو بصدد الغمز حينا الى اليمين المتطرف بخطابه المغلوط وتصوير كل المسلمين في فرنسا على أنهم إسلاميين واخوان وتارة بتخويف الفرنسيين ممّا يعتبره الخطر القادم عليهم وهو أكثر من يدرك أن المسلمين لم ولن يشكلوا خطرا على فرنسا .