أكّدت جمعيّة القضاة التونسيين، رفضها التام اعتبار القضاء “وظيفة” في الدّولة، مذكرة بأن القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة العدل وعلويّة الدّستور وسيادة القانون وحماية الحقوق والحريات، طبقا لما نص عليه الفصل 102 من الدستور. كما شدّدت على أن استقلال القضاء وموقعه كسلطة من سلط الدولة، “مكسب لا رجوع عنه”، باعتباره من أهم مطالب الثورة التونسية وهو “ثمرة نضالات وتضحيات أجيال من التونسيين والتونسيات ومن القضاة المؤمنين باستقلال القضاء وقيم الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان”.
وفي بيان أصدره مساء اليوم الأحد بخصوص تصريحات رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، في اللقاء الذي جمعه يوم 6 ديسمبر 2021 برئيس المجلس الأعلى للقضاء وتضمن توصيفه للقضاء بأنه “وظيفة داخل الدولة” وفي اللقاء الذي جمعه يوم 9 ديسمبر بمجموعة من أساتذة القانون والذي اعتبر فيه أن دستور 2014 “لم يعد صالحا ولا يمكن مواصلة العمل به”، وصف المكتب التنفيذي لجمعية القضاة هذه التصريحات ب”الخطيرة”، مشدّدا على تمسّكه بالنّظام الديمقراطي القائم على مبدأ الفصل بين السلط ووجود سلطة قضائية مستقلة ضامنة للحقوق والحريات وإنفاذ القانون واحترام علويته ومساواة الجميع أمامه.
كما عبّرت الجمعية عن تمسّكها التام بكلّ ما جاء بباب الحقوق والحريات بدستور 2014 وبباب السلطة القضائية، “باعتباره الضامن الفعلي لها وبكافة الضمانات المتعلقة بهما”، مؤكدة رفضها “كلّ مقاربة أحادية الجانب للمس بهذه المضامين الدستورية التي جاءت ثمرة مسارات تشاركية جماعية وتأسست على نضالات طويلة للتونسيين والتونسيات ولمكونات المجتمع المدني”. وجددت تمسّكها بمكتسبات استقلال القضاء الواردة بباب السلطة القضائية والتي “كرّست القطع التام مع وضع القضاء التابع للسلطة التنفيذية وأرست مؤسّسة المجلس الاعلى للقضاء ليكون الضامن لاستقلال القضاء وحسن سيره”.
وفي هذا السياق أكدت جمعية القضاة أن إصلاح وضع السلطة القضائية، لا يمكن أن يمر عبر هدم مؤسساتها وتقويض ضمانات الفصل بين السلط، مجدّدة رفضها التام لأي توجه لحل المجلس الأعلى للقضاء ولأي محاولة إلغاء للمكتسبات الدستورية لاستقلال القضاء بواسطة القرارات الأحادية للسلطة التنفيذية.
كما عبّر المكتب التنفيذي للجمعيّة عن عميق انشغاله إزاء “الخطاب المباشر لرئيس الجمهورية بخصوص مآلات قضايا منشورة أمام القضاء، بما يشكل ضغطا على القضاة المتعهدين بالنظر فيها”، مشددا على أنه “ليس من المقبول التدخل بأي تعليقات فيها توجيه مباشر لمضمون الأحكام من أي طرف، سواء كانت السلطة التنفيذية أو الأطراف المشمولة بالملفات القضائية، وذلك حفاظا على استقلالية القضاء تجاه جميع الأطراف وضمانا لسلامة أحكامه وللثقة العامة فيه”.
وأهاب، في البيان ذاته، بالقضاة، “ممارسة مهامهم بكامل الإستقلالية والحيادية والنزاهة والنجاعة وعدم الوقوع تحت أيّ ضغط والبت في الملفات المعروضة عليهم في الآجال المعقولة، طبقا لمقتضيات القانون وبما له أساس ثابت بالملفات القضائية ولتفعيل دورهم في حماية الحقوق والحريات وإنفاذ القانون على الكافة وحماية الدولة والمجتمع من كافة أشكال الجريمة والتصدي لأي خرق للقانون أو محاولة للإفلات من العقاب”.
يُذكر أنّ رئيس الجمهورية قيس سعيّد قال خلال اجتماعه يوم الإثنين 6 ديسمبر، برئيس المجلس الأعلى للقضاء ورؤساء المجالس القطاعيّة به، إنّ “القضاء وظيفة وهو مستقل عن السلط الأخرى ولكن ليس سلطة قائمة الذات مستقلة عن الدولة”.