قطعت تونس أشواطا كبيرة في اتجاه تركيز أسس الحكم المحلي، فبعد التحولات السياسية التي شهدتها البلاد بداية من سنة 2011 مرورا بالمصادقة على دستور 2014 الذي تضمن في بابه السابع أحكاما تتعلق بالحكم المحلي لتجري البلاد أول انتخابات بلدية سنة 2018 بعد دخول دستورها الجديد حيز النفاذ.

وعند الحديث عن الحكم المحلي يتبادر إلى أذهاننا المشاركة في الشأن العام وبالخصوص الشأن المحلي فإلى أي مدى يمكن الحديث اليوم بعد ثلاث سنوات على أول انتخابات بلدية في البلاد عن مشاركة المواطنين في الشأن المحلي وبالأخص مشاركة الشباب؟

باتت مصطلحاتٌ مثل الديمقراطية التشاركية والحكم المحلي والميزانية التشاركية مألوفة لدى الأحزاب ، السياسيين، الجمعيات، الناشطين في المجتمع المدني وآخرين .. لكن ماذا عن الشباب؟

تبين آخر استطلاعات الرأي حول الاندماج داخل منظومتي الحياة العامة و الشأن المحلي في جانبيها المدني و السياسي والتي شملت أكثر من ألفي مواطن موزعين بين التونسيات البالغات من العمر 18 سنة فما فوق والتّونسيين الذّين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة من تنظيم “شبكة مراقبون ” عزوفا عن المشاركة في الشأن العام حيث عبر 47% من الشباب عن عدم اهتمامهم مطلقا بالحياة السياسية و القضايا المحلية .
وفي تصريح خاص لرئيس منظمة أنا يقظ أشرف العوادي اعتبر أن العزوف الذي تشهده مشاركة الشباب في الشأن العام والقضايا المحلية ” تتجاوز مسألة الترشح والتقدم للإنتخابات البلدية، فحتى المجتمع المدني يجد نفسه بعد أن فتحت المنظمات والجمعيات باب الاختصاص وامتهان مهن داخلها ما أدى إلى قتل روح التطوع ” على حد تعبيره ما يؤكد نفور الشباب من العمل التطوعي ناهيك عن المشاركة في الشأن المحلي وقضاياه.

ولتفكيك سر هذا العزوف قررنا البحث في العوامل والاسباب الكامنة وراءه وتركز عملنا أساسا على متساكني قرطاج المدينة التي صنفتها اليونسكو ضمن قائمة التراث العالمي بالنظر إلى موقعها الجغرافي المتميز والذي يضم آثارا تعود إلى الحقبة الرومانية . المدينة التي تضم 18279 نسمة حسب التعداد العام للسكان و السكنى لسنة 2020 يزورها أكثر من مليون سائح سنويا ما جعلها تكتسي طابعا اقتصاديا سياحيا بامتياز.
وجيه 23 سنة هو شاب تونسي ولد بالمرسى ويقيم في قرطاج، هو طالب بالمعهد العالي للدراسات التكنولوجية برادس وناشط في المجتمع المدني، لكن رغم اهتمامه بالعمل التطوعي خاصة مع الهلال الأحمر التونسي إلا أنه عند سؤاله عن المشاركة في الشأن المحلي ومتابعة الجلسات التي تقام ببلدية قرطاج، عبر لنا عن امتعاضه نافيا أن تكون هناك أي فائدة ترجى من ذلك فهو يفضل العمل التطوعي على المشاركة في جلسة قد يبدي فيها رأيه لكن في النهاية يكون القرار لمن انتخبهم متساكنوا الجهة .. يقول وجيه ” حقيقة لست مهمتما ولا أعتقد أن هناك من هو قادر على تغيير رأيي ، ما لم يمسك الشباب بالمقود فإنه لن يتمكن من التغيير” رأي تشاركه فيه فريال 28 سنة وهي تعمل بإحدى وكالات الأسفار في جهة البحيرة، هذه الشابة ترى في المشاركة في الحياة العامة مضيعة للوقت، السياسات العامة للدولة لا ترى فيها أثرا إيجابيا على حياتها، هي تعمل وتتحصل على راتب جيد قد يكون طموح أي شاب في سنها، لكنها ترى أن مشاركتها في الشأن المحلي وقضايا مدينتها قرطاج لن تضيف أي شيء لها.. تقول فريال :” لم أشارك في الانتخابات البلدية ولم تكن لي مشاركة في بقية الانتخابات.. لا أرى أن تونس بخير وأعتقد أن حضوري في الجلسات لن يغير من الأمر الواقع شيء ، إذ أن القرارات تكون مدروسة وفقا للخيارات التي يتبناها من يملكون سلطة القرار “.

للغوص أكثر في أسباب عزوف الشباب ولمحاولة الإجابة عن الوضعية الحقيقية للمشاركة في الشأن المحلي اتصلنا ببلدية قرطاج التي فتحت لنا أبوابها .
رئيسة البلدية الدكتورة حياة بيوض أكدت في تصريح خاص لنا أنه منذ الانتخابات الأخيرة هناك فئة من الشباب تأتي طلبا للشغل حيث نجد حوالي 150 مطلب شغل ما يعكس المطلب الأساسي لهذه الفئة العمرية لكن ليس التشغيل هو الوحيد اذ تعرض علينا مجموعة من المشاغل والمشاكل التي تهم الشؤون المحلية . لكن تبقى نسبة مشاركة الشباب غير كافية اذ ترى الدكتورة حياة بيوض أن :”العزوف عن المشاركة في الشأن البلدي يعود أيضا لقلة الوعي وأننا لازلنا في بداية تججربة الحكم المحلي والتشاركية،فالتسع سنوات الأولى من تركيز هذه التجربة والثلاث سنوات على انتخاب الانتخابات البلدية الأولى بعد 2011 لم تمحو التجربة السابقة والفكرة المكتسبة عن البلدية التي هي في المخيال الشعبي غول يسلط الخطايا ويستخلص الأداءات لكن بجب تغيير هذه النظرة من خلال الانفتاح وإعطاء فرص أكثر للشباب للحوار مع البلدية “.
وتسعى بلدية قرطاج إلى تعزيز حضور المواطنين والشباب إلى جلسات المجلس البلدي حيث تكون الدعوة مفتوحة سواء عبر صفحة البلدية الرسمية على الفيسبوك أو المعلقات أو إرسال دعوات مباشرة عبر البريد الإلكتروني للمواطنين أو الجمعيات التي توجد ضمن قاعدة البيانات لدى البلدية لكن يبقى ذلك غيركاف لذلك ستتوجه البلدية للعمل على تطبيقات أخرى مثل الانستاغرام والتيك توك للاقتراب أكثر من الفئة الشبابية.


أما بالنسبة إلى رئيس لجنة التشاركية الديمقراطية والحكومة المفتوحة ببلدية قرطاج كريم المالكي فقد اعتبر من جهته أن هذا العزوف يعود الى قلة الوعي لكن المثير للاهتمام هو” وجود ناشطين صلب المجتمع المدني من فئة الشباب الذين يحضرون التظاهرات التي تنظمها البلدية بالإضافة إلى الجلسات لإبداء رأيهم وتسعى بلدية قرطاج دائما إلى توفير قاعات للاجتماعات لعدد من الجمعيات في إطار مساهمتها في تعزيز دور الجمعيات وتسهيل أنشطتها وذلك ما يسهل عملية التخفيف من الضغوطات الموجود في صفوف الشباب والتقليص من النفور من المشاركة في المحلي ويبلغ عدد الجمعيات التي تستفيد من دعم بلدية قرطاج في أنشطتها 24 جمعية ، 16 منها فتية ( شبابية).
وفي إطار سعيها إلى تعزيز مشاركة الشباب في الشأن المحلي نجحت بلدية قرطاج بالظفر باختيارها إضافة إلى 11 بلدية أخرى للمشاركة في برنامج ” خطة عمل الشباب ” بهدف تطوير مشاريع مبتكرة تعتمد على الشراكة بين المواطنين الشباب والبلديات والهياكل المحلية المهتمة بالشباب ويأتي هذا البرنامج في في إطار تنفيذ التعهد العاشر من خطة العمل الوطنية الرابعة لشراكة الحكومة المفتوحة (2021-2023) المتعلق بتفعيل مشاركة الشباب على المستوى المحلي بالاضافة الى مشروع مبادرة من أجل التنمية البلدية (IDM) التابع للوكالة الألمانية للتعاون الفني GIZ Tunisie وبالتعاون مع الجامعة الوطنية للبلديات التونسية (FNCT).
ومن بين المشاريع التي تعمل عليها بلدية قرطاج في إطار هذا البرنامج تعزيز التظاهرات والمشاريع الشبابية حيث أن تظاهرات مثل المارطونات والمسابقات المختلفة تمكن من دمج الشاب في الحياة العامة والشأن المحلي . كما تسعى البلدية حسب رئيستها حياة بيوض إلى القيام بعديد الدورات التكوينية لفائدة الشباب لزيادة الوعي حول القضايا المحلية بالإضافة إلى اطلاق مبادرة في إطار التشاركية والحومة المفتوحة يكون بموجبها ” هنالك سفراء في مختلف الأحياء يمثلون الرابط بين الأحياء والبلدية وينقلون مشاغلهم وأفكارهم وكل ما يتعلق بالمشاكل داخل الأحياء” .

وتبقى مسألة مشاركة الشباب في الشأن العام وبالخصوص القضايا المحلية مرتبطة بالأساس بمسألة الوعي بأنه حق وواجب لما يكتسيه الإدراك بذلك من رفع لقيمة المواطن وتحقيق شراكة حقيقية تعزز دوره في الرقي بمحيطه.

وائل نهيدي