منجي الخضراوي
لم تستطع تونس حلّ أزمتها الاقتصادية المستفحلة منذ عشر سنوات، حتى انضافت لها أزمة سياسية تحمل في جذورها مبدأ الضرورة لكنها في المقابل تنذر بإمكانيات الفشل، حتى تتكثّف الأزمة في بعديها السياسي والاقتصادي، لتؤدّي حتما إلى اهتزاز اجتماعي، ستكون نتائجه غير متوقّعة
اقتصاديا بلغت نسبة التضخم في تونس 6.3 بالمائة حسب المعطيات الرسمية وقرابة 18 بالمائة نسبة البطالة وفق احصائيات 2021، وعجز في الميزان التجاري فاق 1500 مليار مع مديونية 30 مليار دولار أي قرابة 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
مؤشرات اقتصدية خطيرة
هذه المؤشرات الاقتصادية لا يمكنها أن تكون مؤشرا على تشجيع الاستثمار الخاص سواء للرأسمال المحلي أو الأجنبي، فضلا عن عجز الاقتصاد العمومي عن إدراة التعقيد الاقتصادي التونسي في ظل تركيبة اجتماعية/ثقافية واقتصادية بصدد التشكّل والمراكمة أمام أزمة تستفحل يوما بعد يوم. لقد عجز النظام التونسي منذ التسعينات إلى اليوم عن إيجاد الحلول المناسبة للأزمات الهيكلية والدورية للمجتمع والدولة، إذ أنّ النظام اعتمد منظومات مترابطة لدعم موقعه ومكانته داخليا وخارجيا من خلال استعمال أدوات الهيمنة، وهي أدوات تستند رئيسا على القوّة بمعناها الهارد والسوفت، أي القوة المادية التي يتم تنفيذها بالأمن والجيش عند الاستثناء والسوفت مثل استعمال الإعلام والتعيلم والثقافة والمال والايديولوجيا لتأكيد تلك الهيمنة.
إنّ تركيبات النظام التونسي في أبعادها السياسية والاقتصادية ظلّت في طبيعتها وجوهرها ثابتة لم تتغيّر منذ التسعينات، كان التناقض فيها مبنيا على رأس المال والعمل في درجة أولى وفي درجة أكثر عمق ودقّة الاعتماد على اقتصاد الجباية والارتباط بالمتروبول المالي العالمي مع بروز فئة من الطبقة المالكة لوسائل الانتاج لتلعب دور الوسيط مع الشركات متعدّة الجنسيات لضمان مصالحها في تونس لقاء الحصول على عمولة، ولكنها في مستوى الدرجة شهدت تغييرات تتمثل أساسا في التخلي عن بعض السياسات الجزئية مثل الاقراض العشوائي أو الترفيع في نسبة الفائدة المديرية أو التخفيض فيها أو تغيير على مستوى رأس السلطة أو الحكومة.
مسار ثوري دون ثورة
يمكن أن تتغير السلطة ولكن النظام يظل ثابتا. إنّ المفهوم الدقيق للثورة يفترض وجود حزب أو ائتلاف ثوري له برنامج للتغيير الجذري والقطع مع المنظومات القديمة وقيمها الفكرية والثقافية والاقتصادية، والانتقال من باراديغم إلى آخر.
إنّ مفهوم الثورة بمعناه العلمي، يفترض التغيير الثوري الجذري في اتجاه التقدّم في التاريخ وفي النموذج التاريخي مع التأسيس لمجتمع ودولة جديدين وقيم أخرى تختلف عن القيم القديمة، إنها عملية قطع مع مرحلة واعلان مرحلة جديدة لها قيادتها الثورية وبرنامجها الثوري.
يمكننا القول بناء على ذلك إنّ تلك الشروط لم تتوفّر في ما جرى يوم 14 جانفي 2011، إذ أنّ إسقاط السلطة السياسية برئاسة زين العابدين بن علي ووجود زخم ومواجهات ثوريَيْن لا يعني قيام ثورة بل إنّ البديل لم يكن ثوريا إذ كان من قلب السلطة التي تمّ إسقاطها. لقد أمّن الرئاسة والانتقال الديمقراطي، رئيس برلمان زين العابدين بن علي، فؤاد المبزع. أما في المستوى الاقتصادي فلم يتغيّر النموذج الإنتاجي وبقيت نفس طبيعة الإنتاج الاقتصادي مهينة. لقد تغيّرت السلطة السياسية بأشكال متعدّة مثل الشكل الثوري في 14 جانفي 2011 أو الشكل الانتخابي سنة 2014 بعد الاطاحة بالترويكا على خلفية الاغتيالات السياسية أو الشكل “الانقلابي/ التصحيحي/الاستثنائي…” الذي أعلن عنه قيس سعيد يوم 25 جويلية 2011 أو من خلال الأمر الرئاسي عدد 171 لسنة 2021. إنّ السلطة تغيّرت بأشكال متعدّة ولكن النظام ظلّ قائما كما هو. وبالتالي فإنّ المحتجين في القصبة سنة 2011 كانوا يطالبون بإسقاط النظام “الشعب يريد إسقاط النظام” وليس التغيير السياسي الجزئي.
الكادر لخلق الأزمة
إنّ النظام السياسي الراهن القائم في تونس هو نفسه النظام الذي تمّ إعلانه منذ سنة 1990 عندما انتهج بن علي النهج الليبرالي، والذي تمّ بناؤه على أسس غير علمية وغير دقيقة ودون قوى شعبية ودون كوادر قادرة على الخلق والإضافة. إنّه علميا لا يمكننا أن ننتظر من المناخات المسمومة أن تعطي هواءً نقيًا، يعني أنّ إعادة نفس الظروف التي أدّت إلى الانتفاضة الثورية سنة 2011 سوف تؤدّي حتما إلى نفس النتائج وليس خلافها.
منجي الخضراوي