بقلم: منجي الخضراوي
سؤال يطرحه الكثيرون، هل تتجه تونس نحو الديكتاتورية؟ مبرّرات هذا السؤال جاءت بعد التدابير الاستثنائية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد مساء يوم 25 جويلية 2021 بتفعيل الفصل 80 من الدستور التونسي.
المعارضن لقيس سعيد يطرحون فرضية انزلاق تونس نحو الديكتاتورية، وهي فرضية استباقية، فما مدى انسجامها مع الواقع وإلى أين تتجه تونس؟
هناك جملة من المعايير والشروط السياسية التي تشكّل مفهوم الديكتاورية، وهي أساسا غياب الحريات وسيطرة الماسك بالسلطة على كلّ مناحي الحياة وتصفية الخصوم واعتبار من لم يكن مع النظام عدوّا.
أصناف الديكتاتورية
الديكتاتورية صنفين، ديكتاتورية كليانية توتاليتارية Totalitaire وديكتاتورية سلطوية autoritaire، في مجال الفلسفة السياسية تعتبر حنة أرنت Hannah Arendt (1906-1975) أوّل من أسس مفهوميا لمصطلح الديكتاتورية خاصة في الجزء المتعلّق بمؤلف أصول التوتاليتارية Les origines du totalitarisme، إذ يُبنى النظام الديكتاتوري الكلياني على أساسين، الأساس الإيديولوجي وأساس الرعب والترهيب، فمن لم يكن ضمن المنظومة الايديولوجية والسياق الفكري المغلق للنظام فهو عدو وجب مواجهته، وتتم المواجهة بالتصفية الجسدية وبالسجون والنفي… وتسهر أجهزة البوليس السرّي على عمليات التصفية والترهيب، فيتم خلق مناخ من الرعب يكون فيها الجميع يخاف من الجميع ويكون المجتمع عدوّا للمجتمع نفسه، وحسب “أرنت” فإنّ الانظمة الديكتاتورية الكليانية أو التوتاليتارية نجدها في النظام الذي أقامه أدولف هتلر في ألمانيا أو نظام جوزيف ستالين في الاتحاد السوفياتي أو نظام بينيتو موسوليني في إيطاليا الفاشية.
في نظام الدكتاتورية الكليانية تغيب جميع أشكال الحرية ويحضر الرعب ويتفرّد الحاكم بكلّ التفاصيل ويعمّم مناخا من الخوف والترهيب في نفوس الناس حتى يصبح الفرد يخشى الحديث أمام أفراد عائلته، وللكليانية أساسها الإيديولوجية.
إذن في ظلّ غياب عنصر من هذه العناصر لا يمكننا توصيف أي نظام على أنها ديكتاتوري.
تونس في عهد قيس سعيّد، هل تنطبق عليها تلك الشروط؟
حتما لا. فالمعارضون يتظاهرون ضدّ الرئيس قيس سعيد ويصفونه بالانقلابي ومظاهر الحرية مازالت جليّة في الممارسة السياسية واليومية للناس، إضافة إلى أنّ قيس سعيد يفتقد إلى المعطى الإيديولوجي الذي يجعله يضع نسقا مغلقا تعمل أجهزة البوليس السري على تنفيذ مبادئه بالرعب. في تونس مجتمع مدني مكوّناته قوية وقادرة على مواجهة أي انزلاق، مثل الإتحاد العام التونسي للشغل والمحامين…
هل نحن بصدد نظام سلطوي؟
أمّا بالنسبة إلى النظام السلطوي فهو أقل حدية من النظام الكلياني التوتاليتاري اذ يمكن لا يشترط فيه عنصر الإيديولوجيا، إضافة إلى أنه لا يعارض الحريات نظريا وفي مستوى الخطابات ولكنه يقمعها في مستوى الممارسة يصنع من خصومه عدوّا ولكنه يسمح ببعض الهوامش من التعبير حتى وإن كانت وهمية.
في كلتا الحالتين يحتكر النظام الديكتاتوري السلط الثلاث ولا يميّز بينها ويستعملها لمزيد فرض سيطرته وسطوته.
فهل النظام التونسي في عهد قيس سعيّد كذلك؟
بالرجوع إلى شروط النظام السلطوي، والمقصود، بالنظام هنا في دلالاته السياسية le régime وليس النظام بمعنى le système فإنّنا لا نجدها تتوفر لا في المستوى النظري ولا في مستوى الممارسة.
إذن ماهي طبيعة النظام السياسي في تونس؟
طبيعة النظام السياسي
لن نقدّم قراءة دستورية ولا إقتصادية إحصائية وإنما نحاول فهو خصائص هذ النظام فهو من الناحية السياسية ليس نظاما ديكتاتوريا، ولكنه يستند إلى وضع استثنائي ليجمع بين يديه على الأقل السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ليس نظاما ديمقراطيا لأنّ التجربة التونسية برمتها بصدد التشكّل وهي في مرحلة انتقال من نظام سلطوي إلى نظام ديمقراطي ممكن ومفترض.
إنّ ماكان يعوز النظام السياسي في تونس قبل 25 جويلية 2021 هو اتخاذ القرار، من يقرّر أصبحت قضيّة من يتخخ القرار Le décisionnisme من يحكم تونس إذن، اذ كان من الضروري أمام غياب من يتخذ القرار ، في ظلّ ما رآه شرطا يستقيم معه تفعيل الفصل 80 من الدستور، أن يتولّى الحكم والسلطة لاتخاذ القرار فالدولة في حاجة لمن يحكم ويقرّر، فالدولة لا تنتظر حالة اللامبالاة، إنّ اللحظة الي أعلن عنها قيس سعيد يمكن وصفها باللحظة “الشميتية” Schmittien نسبة إلى المفكر والفيلسوف الألماني كارل شميت Carl Schmitt (1888-1985) الذي يرى أنّه لابد للحاكم أن يحكم ويفرض حكمه.
إنّه بناء على كلّ المرجعيات السياسية وفكرية لا يمكن اعتبار تونس تعيش نظاما ديكتاتوريا..