بعد مرور شهرين من ترقب وانتظار خطوات رئيس الجمهورية، أنهى سعيد جدل “تعيين رئيس حكومة”، بتكليفه اليوم الأربعاء 29 سبتمبر 2021، نجلاء بودن بتشكيل حكومة، لتكون بذلك أول امرأة في تاريخ البلاد تترأس حكومة.
وأكد رئيس الدولة خلال لقائه ببودن في قصر قرطاج، ”نحن نتحمل اليوم مسؤولية تاريخية، وبالفعل هي لحظة تاريخية فلأول مرة امرأة تكون رئيسة للحكومة في تونس لا عضوا فيها فقط .. هذا شرف لتونس وتكريم للمرأة التونسية.. المرأة قادرة على القيادة بنفس القدر من النجاح والرؤية الواضحة ..”
فما هي رسائل قيس سعيد من وراء هذا الاختيار؟
الجانب الرمزي
تعيين رئيسة حكومة لأول مرة في تونس والبلاد العربية، له دلالة رمزية متصلة بالمرأة التونسية، وتونس يعرف عنها أنها بلاد كفلت حريات غير موجودة في بعض الأقطار العربية الأخرى، وفق فريد العليبي، أستاذ الفلسفة السياسية بالجامعة التونسية والمحلل سياسي.
وأشار العليبي في حديثه لـ “JDD_Tunisie”، أن دلالة هذا الاختيار يتصل بتوقيت الإعلان عن رئيس الحكومة ومدى انتظارات الأوساط الداخلية والخارجية، موضحا أن رئيس الجمهورية يريد أن يقول لهم أن هذا التعيين لم يأت صدفة، بل تطلب الأمر وقتا وجهدا لكي يتم تعيين هذه الشخصية”.
متابعا “ومن خلال هذا التعيين يتخلص رئيس الدولة من تلك المقاربة التي قدمها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي “ماهيي إلا مرا”، وصورة المرأة التي تعرضت للإهانة أثناء عمل البرلمان، ليؤكد أن المرأة في تونس لها كفاءة علمية وهي قادرة على الحكم والعمل الجاد، ونحن لسنا بلدا متخلفا في علاقتنا بالمرأة”.
القطع مع الجهوية
في أغلب الأحيان يتم تعيين رؤساء الحكومات في تونس من جهة الساحل، ولكن مع رئيس الجمهورية تغيرت هذه المعادلة بداية مع هشام المشيشي رئيس الحكومة السابق أصيل جهة جندوبة، ثم الآن يذهب سعيد إلى القيروان.. وهي رسالة مفادها أن الجهوية لا محل لها اليوم في سياسات رئيس الدولة، حسب المحلل السياسي فريد العليبي.
نشير إلى أن نجلاء بودن رمضان من مواليد 1958 وهي أصيلة ولاية القيروان تشغل منصب أستاذة تعليم عالي في المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس مختصّة في علوم الجيولوجيا.
وشغلت من 20 سيبتمبر 2016، بمقتضى أمر حكومي عدد 1270 لسنة 2016 مؤرخ في 21 نوفمبر 2016، مهام رئيس وحدة تصرف حـسب الأهـداف لإنجـاز مـشروع إصـلاح التعلـيم العـالي بهـدف دعـم تـشغيلية خريجـي التعلـيم العـالي بـوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
ومنحها رئيس الجمهوريّة الراحل الباجي قائد السبسي الوسام الوطني للاستحقاق بعنوان قطاع التربية والعلم تشغل حاليا خطّة مكلفة بتنفيذ برامج البنك الدولي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
رسالة إلى الخارج
من جانب آخر يفسر محدثنا أن رئيس الدولة يريد تبليغ رسالة إلى القوى الخارجية التي طالبت بتسريع تعيين حكومة في تونس، ويأكد “نحن نعين رئيس حكومة وفق سيادتنا، وفي الوقت المناسب للبلاد بعيدا عن الإكراهات والضغوطات الخارجية”.
في فترة “ما بعد 25 جويلية”، طالبت عديد الجهات من الداخل والخارج رئيس الجمهورية بالقطع مع التدابير الاستثنائية والإسراع بتعيين حكومة جديدة، نذكر منه بيان سفراء مجموعة الدول السبع بتونس الذي حث على الحاجة الماسّة لتعيين رئيس حكومة جديد، حتى يتسنى تشكيل حكومة مقتدرة تستطيع معالجة الأزمات الراهنة.
رئيسة الحكومة شخصية “نظيفة”
وبالعودة إلى السيرة الذاتية لرئيسة الحكومة الجديدة، نلاحظ أنها لم تتوالى مناصب سياسية سابقا، وهو ما فسره فريد العليبي على أن سعيد يريد التشديد على اختياره لشخصية جديدة ليست من المنظومة الحالية ولا من منظومة بن علي، أي أنها شخصية “نظيفة”، باعتبار أن قيس سعيد مؤتمن على استمرارية الانفجار الثوري الذي اختاره الشعب التونسي.
وفي علاقة بالجانب السياسي، أكد رئيس الدولة أن هذا الاختيار هو لمحاربة الفوضى والفساد.
فقد شدد سعيد أثناء تكلييفه لرئيسة الحكومة ”سنعمل معا في المستقبل بإرادة وعزيمة ثابتة للقضاء على الفساد والفوضى التي عمّت الدولة في عديد المؤسسات.. هناك صادقون وصادقات يعملون ليلا نهارا ولكن هناك أيضا من هم على نقيض هؤلاء يعملون على إسقاط الدولة..”
نشير إلى أن رئيس الجمهورية قرر تكليف نجلاء بودن بتشكيل حكومة جديدة حتى نهاية التدابير الاستثنائية.