بلدية أوتيك التابعة لولاية بنزرت، هي إحدى البلديات المحدثة بالجهة بمقتضى أمر من رئاسة الحكومة لسنة 2015، بلدية لازالت تخطو خطواتها الأولى نحو تركيز مفهوم الحكم المحلي لدى مواطنيها. ولمزيد تأصيل وتعميق فهم هذا المفهوم، كان لا بدّ من اعتماد مبادئ الديمقراطية التشاركية لتشريك المواطن ضمن مسار الحكم المحلي بالجهة.
فهل نجحت بلدية أوتيك في تكريس المقاربة التشاركية ضمانا لمبادئ الحكم المحلي؟
قبل الانطلاق في تحليل واقع الديمقراطية التشاركية ببلدية أوتيك، لابدّ من استيعاب مفهوم الديمقراطية التشاركية وإطارها القانوني ومزيد التعمق في فهمها، حيث ينص الفصل 139 من دستور جانفي 2014، تأكيدا على أهمية الديمقراطية التشاركية في تركيز وتأسيس السلطة المحلية وضمان ديمومة واستمرارية مسار اللامركزية في تونس، على أن الجماعات المحلية ”تعتمد آليات الديمقراطية التشاركية، ومبادئ الحوكمة المفتوحة، لضمان إسهام أوسع للمواطنين والمجتمع المدني في إعداد برامج التنمية والتهيئة الترابية ومتابعة تنفيذها طبقا لما يضبطه القانون”.
مسار مازال في خطواته الأولى، يسعى مسيروه إلى ضمان نجاحه بشتى السبل المتاحة أمامهم، ولعلّ التحدي الأكبر الذي تواجهه البلديات المحدثة هو عدم معرفتها المسبقة بكيفية تسيير وعمل وطبيعة هذه الهياكل، وأيضا في كيفية تشريك المواطن في مسار التطوّر والنموّ المحليين.
ترتبط مشاركة المواطن بمبدأ الديمقراطية باعتبارها تحقق الشفافية والنزاهة في إدارة الشأن العام وممارسة الحكم المحلي بين القائمين على الشأن المحلي والمواطنين، وهو ما يحقق مبدأ الحوكمة المفتوحة الذي يتعلق بكيفية إعداد واتخاذ وتنفيذ وتقييم القرار.
غياب مشاركة المواطنين
لمزيد دراسة المقاربة التشاركية وفهم مستويات المشاركة المواطنية في الجلسات البلدية بأوتيك، قمنا بإنجاز استبيان جمع بين الميداني والرقمي لمعرفة نسب حضور المواطنين في الجلسات البلدية وأسباب التغيب إن وجد وعدد المرات التي قاموا فيها بالمشاركة والحضور والقيام بدورهم كمواطنين فاعلين.
استبيان حرصنا من خلاله على زيارة جميع المناطق السكنية بالمدينة القريبة من مركز المدينة ومقر البلدية أيضا وذلك لعدم قدرة جميع المواطنين من الولوج إلى الاستبيان على الفضاء الرقمي.
ضم الاستبيان مجموع 238 متساكن، لكن 31 منهم لم يقوموا بإنهاء الاستبيان لذلك قمنا بإلغاء نتائجهم واكتفينا ب 207 استبيانات.
قمنا من خلال هذا الاستبيان باستهداف الجنسين، دون أن ننسى الفئات المهمشة وذلك ضمانا لأن يكون الاستبيان ذو تمثيلية شاملة، إضافة إلى استهداف جميع الشرائح العمرية شبابا وكهولا وشيوخا.
كان هدفنا من الاستبيان هو معرفة إذا ما كان المواطن بأوتيك مشاركا فعالا في النهوض بالمنطقة وذلك من خلال المشاركة في الجلسات البلدية التي تخول له تقديم مقترحات وإبداء رأيه بخصوص المشاريع التي ستنجز بالمنطقة إضافة إلى تقييمه للعمل البلدي.
أفضى الاستبيان إلى وجود تغيب تامّ عن حضور الجلسات وذلك بنسبة 77 بالمائة من المستجوبين الذين أكدوا أنهم لم يشاركوا في أي جلسة، وفي المقابل حضر 23 بالمائة فقط منهم في الجلسات التي تعقد لكن 92 بالمائة شاركوا لمرة واحدة فقط، أما نسبة المستجوبين الذين شاركوا في الجلسات أكثر من مرة فيمثلون 8 بالمائة فقط.
وقد فسرّ أغلب المواطنين عند استجوابهم أن سبب عدم العودة لمرة ثانية هي عدم ثقتهم في الجلسات التي تعقد وفي أخذ آرائهم واقتراحاتهم بعين الاعتبار.
إشكال اتصالي
أفضى الاستبيان إلى وجود إشكال على مستوى معرفة المواطن بمواعيد حضور الجلسات وذلك بنسبة 47 بالمائة من عدد الإجابات، إضافة إلى 31 بالمائة من عدد المستجوبين الذين لم يعلموا بأنّ هناك جلسات تعقد في البلدية ولا يعرفون محتواها والفائدة منها، وهو ما يفسر وجود نقص على مستوى معرفة المواطنين بحقوقهم وواجبتهم ضمن منظومة الحكم المحلي، ويذكر أن 22 بالمائة من الإجابات أفادو بعدم اهتمامهم بالحضور.
ينص الفصل 29 من القسم الخامس من الباب الأول المتعلق بالأحكام العامّة بمجلة الجماعات المحلية على أن الجماعة المحلية ”تتخذ كل التدابير لإعلام المتساكنين والمجتمع المدني مسبقا بمشاريع برامج التنمية والتهيئة الترابية”، أيّ أنّ على البلدية بذل كلّ الجهود الممكنة واعتماد جميع الآليات التي يمكن اعتمادها لإعلام المتساكنين.
لكن نتائج الاستبيان لا تعكس ما نصّ عليه النصّ القانوني، فقد أثبتت النتائج أنّ أسباب التغيّب هي عدم معرفة المتساكنين بمواعيد الجلسات أو عدم المعرفة بواجب الحضور ضمن هذه الجلسات، هذه النتائج توضح وجود إشكال على مستوى الخطّة الاتصالية لبلدية أوتيك. وفي اطلاعنا على الصفحة الرسمية لبلدية أوتيك لاحظنا وجود بعض الأخطاء في إيصال المعلومة للمواطنين على الفضاء الرقمي، وكمثال على ذلك البلاغ الخاص بجلسة اللجنة المالية المتعلق بإعداد مشروع الميزانية ببلدية أوتيك، حيث تمّ إعداده يوم 3 سبتمبر 2021 للإعلان عن انعقاد جلسة يوم 9 من نفس الشهر أي بعد 6 أيام، لكنّ النشر على الصفحة الرسمية كان يوم السابع من سبتمبر أي قبل يومين فقط من تاريخ الجلسة.
يعتبر هذا التأخير في الإعلانات عائقا أمام المواطنين بأوتيك، إضافة إلى أن هذه الإعلانات تعلّق في بهو البلدية الموجود بمركز المدينة، أي أن المتساكنين المرتادين على البلدية والقاطنين بوسط المدينة فقط يمكنهم الاطلاع عليه، ولا يمكن لبقية المواطنين القاطنين بالتجمعات السكنية الأخرى وغير القادرين على الاطلاع على صفحة الفايسبوك للبلدية أن يكونوا على علم بموعد الجلسات.
إشكال أكده لنا عمر الجندوبي، رئيس الغرفة الفتية العالمية بأوتيك، باعتبار المجتمع المدني أحد الأطراف الأساسية في الديمقراطية التشاركية، حيث أشار إلى أن هناك إشكالا كبيرا على مستوى الخطّة الاتصالية للبلدية التي لا تسمح لجميع المواطنين بالحضور والمشاركة نظرا لعدم علمهم بالمواعيد أو الإعلام المتأخر بها، وذلك نتيجة لضعف الإجراءات المعمول بها لإعلام المواطنين.
وعلى غرار النشر المتأخر للبلاغات على الصفحة الرسمية للبلدية، لاحظنا انعدام وجود موقع رسمي للبلدية عكس بقية البلديات التي قامت بإحداث مواقع رسمية تكون وجهة لكلّ باحث عن معلومة بخصوص بلدية أوتيك، وأيضا يكون مساحة لنشر مخرجات الجلسات وجميع المشاريع التي في طور الإنجاز أو الدراسة وذلك في إطار البيانات المفتوحة وحق المواطن في الحصول على المعلومات والبيانات التي لها علاقة بالشأن المحلي بأوتيك، ورغم ذكر بعض التدوينات في الصفحة لوجود موقع خاص بالبلدية، لكن إثر البحث المعمق عنه لم نجد له أي أثر.
هذا التقصير والإشكال الاتصالي لم ينفه رئيس البلدية، الحبيب الهمامي، الذي أشار إلى أن هذا التقصير سببه عدم وجود مسؤول عن الاتصال أو مكتب للاتصال داخل البلدية وأن إدارة صفحة الفايسبوك والعمل على الفضاء الرقمي هو اجتهاد شخصي منه ومن باقي العاملين بالمجلس البلدي، مفسرا ذلك حسب قوله بنقص الموارد البلدية وعدم قدرتهم على توفير ميزانية للعمل على الاستراتيجية الاتصالية ومزيد توسيع قدراتهم على نشر البلاغات وإيصالها إلى أكبر عدد ممكن من المواطنين، أما بخصوص الموقع، فقد أشار إلى أنه قد واجهتهم بعض الإشكاليات في إطلاقه.
مشاركة محتشمة للمجتمع المدني
أكدّ عمر الجندوبي أن المجتمع المدني يحرص على القيام بواجبه في المساهمة في تعزيز مفهوم الحكم المحلي بالمنطقة وذلك من خلال المشاركة في الجلسات العادية والتمهيدية إضافة إلى جلسات اللجان، كما أنه يحرص على التعامل والتعاون مع البلدية لطرح بعض المقترحات وهناك تفاعل في ما بينهم، لكن سبب عدم حضورهم في الفترة الأخيرة هو طريقة سير الجلسات التي يعتبرها منفرة نظرا لعدم وجود نظام في تسيير الجلسات ولا يوجد احترام متبادل، وفي تعليقةعلى سبب غياب المواطن أكدّ أنّ المواطن لم يعد يثق في أن مشاركته ستحدث تغييرا يذكر.
محمد علي حوكي، أحد المسؤولين عن المتطوعين بفرع الهلال الأحمر بأوتيك، أكدّ أنهم حريصون كمنظمة على الحضور والمشاركة رغم المشاكل الاتصالية التي تشهدها البلدية على مستوى إيصال المعلومة خاصة للعمادات البعيدة عن مركز المدينة، مشيرا إلى أن الخصوصية الجغرافية للمنطقة كانت حاجزا للتواصل مع جميع المواطنين، وهو إشكال لا بدّ من العمل عليه وتجاوزه من قبل البلدية لضمان تشريك المواطن.
كما أشار، من جهة أخرى، إلى تقصير المواطن، الذي يتمثل مفهوم المشاركة لديه في الشكايات والمطالبة بإحداث مشاريع في جهته، لكن فيما يخص التقييم وإبداء الرأي بخصوص المنوال التنموي بجهته فهو غائب تماما.
تقصير بلدي
لم تنف البلدية تقصّيرها في مواجهة بعض النقائص، لكنّ رئيس البلدية أشار أيضا إلى أن المواطن يطالب بالمشاريع وينتقد عمل البلدية لكنه ليس حريصا على المشاركة والمساهمة بدوره كمواطن فاعل.
وفي إجابته على عدم ثقة المواطن في مخرجات الجلسات وفي المجلس البلدي، أفاد بأن المواطن ليس على علم بطول الإجراءات التي تخص إنجاز المشاريع والبيروقراطية الإدارية التي ترافقها، مما يتسبب في تدني مستوى ثقة المواطن في المجلس البلدي ظنّا منه أنّ البلدية تجاهلت مطالبه واقتراحاته، وبالتالي يعزف عن المشاركة لأنّه لا يرى نتيجة المشاريع على أرض الواقع، مشيرا إلى أنّه يجب على المواطنين أن يتفهموا واقع الحكم المحلي الذي يقوم على تعامل وتفاعل مع السلط الجهوية والمركزية مما يتسبب في طول الإجراءات وطول المدة الزمنية المخصصة لاستكمال المشاريع.
بثينة أولاد مفتاح، الكاتب العامّ لبلدية أوتيك لم تنف هي الأخرى التقصير من جانب البلدية في تحفيز المواطن على المشاركة معتبرة أن العمل على الخطط الاتصالية يحتاج إلى مزيد من التحسين والتطوير، مؤكدة سعيهم إلى الإصلاح وإيجاد آليات جديدة بالتعاون مع المجتمع المدني والمواطن لتكريس مفهوم الديمقراطية التشاركية في بلدية أوتيك، كما اعتبرت أن إحداث البلدية في مناخ من الحرية والديمقراطية يجب أن يكون مكسبا يقع استغلاله لمزيد تطوير المنطقة والنهوض بها.
الحلول المقترحة للإصلاح
بخصوص الحلول المقترحة لإصلاح هذه الإشكالية، قال رئيس بلدية أوتيك، الحبيب الهمامي، أنهم سيقومون في الأيام القادمة بالعمل على مزيد تكريس الديمقراطية التشاركية وذلك من خلال تأسيس مكتب اتصال وإخضاع العاملين بهذا المكتب إلى دورات تكوينية في كيفية التعامل مع البلاغات ونشرها وإطلاق حملات بجميع التجمعات السكنية خاصّة البعيدة منها لتثقيف المواطن بأهمية مشاركته في الجلسات وفي الشأن البلدي وذلك بهدف مزيد تشجيع المواطنين على الحضور.
كما اقترح محمد علي الحوكي، أحد المسؤولين عن المتطوعين بفرع الهلال الأحمر بأوتيك، إمكانية الاستعانة بالطرق التقليدية للإعلام، أي التجول بمكبّر صوت في جميع العمادات التابعة لبلدية أوتيك والإعلام بمواعيد الجلسات وإعلامهم ودعوتهم كذلك، مؤكدّا أن المحاولة بشتى الطرق ستفي بالغرض في النهاية.
يذكر أن هذا العمل أنجز ضمن برنامج ”مراسلون”، مراسلو الديمقراطية المحلية، من تنظيم المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية IFES، مكتب تونس، الذي يهدف إلى المساهمة في تأسيس صحافة محلية ناجعة عبر شبكة من المراسلين والمراسلات المحليين.
هبة الغانمي