“الشعب يريد” شعار يردده قيس سعيد منذ دخوله غمار الانتخابات الرئاسية لسنة 2019، وفي الفترة الأخيرة أصبح هذا الشعار هو مصدر الشرعية للقرارات المصيرية التي يتخذها رئيس الجمهورية في البلاد، وباسم “الشعب يريد” ألغى سعيد دستور 2014 وأصدر أوامر رئاسية تعلق عمل البرلمان وتنهي مهام وزراء ومسؤولون في الدولة، إلا أن الشارع التونسي انقسم إثر هذه التدابير بين رافض ومؤيد لخطى الرئيس.
فهل تعبر إرادة سعيد عن إرادة الشعب؟ وماذا يريد الشعب التونسي؟
اعتبر الناشط السياسي والنّائب السابق بالبرلمان، الصحبي بن فرج، أن رئيس الجمهورية قيس سعيد حصر إرادة الشعب في الإشكاليات السياسية والقانونية والدستورية، وتناسى الأمور المادية واليومية للمواطنين.
وقال بن فرج “بكل بساطة أعتقد أن هذا الشعب أحلامه بسيطة، الشعب التونسي يريد العمل، يريد تحقيق ذاته من خلال تحسين مستوى عيشه، يريد الحق في الصحة، يريد نقلا مريحا، يريد إدارة عمومية عملية وسريعة، يريد دولة عصرية”.
وأوضح النّائب السابق بالبرلمان: “ربما على المستوى السياسي، الشعب يريد ديمقراطية حقيقية، ديمقراطية تمثله.. مغايرة عن الطبقة التي حكمت منذ 2011 إلى حدود اليوم، وعلى مستوى الهيئات التي تمثله في الدولة، تكون ناقلة لمشاكل الشعب بطريقة أمينة دون فساد وتحيل، وتعمل على تحقيق وعودها السياسية”.
السّحباني: سعيد باسم الشعبوية يردد “الشعب يريد”
أفاد الأستاذ في علم الاجتماع عبد الستار السّحباني، إبان انتخابات 2019، العديد من النخب السياسية اعتبرت أن الشعب التونسي “شعب ساذج”، أي أن الشعب غير قادر على التفكير والاختيار الصائب خاصة على مستوى اختيار من ينوبه في السلطة.
وأفاد السحباني في تصريحه لـ “JDD_Tunisie”، أن هذا المصطلح تواتر في فترة عمل رئيس الجمهورية. إلا أن مفهوم “الشعب يريد”، لا يستقيم لأنه يطرح سؤال ماذا يريد؟ وفي تونس لا يوجد شعب واحد بل مجموعة شعوب.
وفي قراءة للانقسام الأخير الذي شهده الشارع التونسي، أرجح محدثنا أن هذا التشتت والانقسام يعود أساسا إلى تقصير النخب السياسية في البلاد، لأنه من المفترض أن كل حزب سياسي يبلور حاجة من حاجيات هذا الشعب، من خلال وضع برنامج سياسي وواقعي يعبر عن مجموعة من المواطنين، وفي ظل فشل الطبقة السياسية عن أداء دورها، ظهر قيس سعيد باسم الشعبوية ليقول “الشعب يريد”.
الجويلي: شعار لا معنى له
قال محمد الجويلي المختص في علم الاجتماع، أن مفهوم “الشعب يريد” شعار لا معنى له، أولا لا يمكن تعريف الشعب لأنه كلمة هلامية، حيث أن الشعب هو فئات اجتماعية ونخب سياسية وعلمية، وهو تشكيلة اجتماعية واسعة.
وأوضح الجويلي “في تونس لازلنا لم نحدد بعد ماذا يريد الشعب؟ لا يوجد إجماع حول تحديد إرادة التونسيين، مثال ذلك الاختلاف الحاصل حول إجراءات قيس سعيد، بين المواطنين والنخب السياسية”.
متابعا “لا يمكن تحديد ماذا يريد الشعب التونسي.. لكن أي شعب في مختلف دول العالم، سكانه يريدون وضعا سياسيا واقتصاديا جيدا، الشعب يريد العيش في ظروف لائقة على جميع المستويات.
وأكد أستاذ الاجتماع أن كلمة “الشعب يريد” هو مجرد شعار استعمله رئيس الجمهورية قيس سعيد لإضافة الشرعية على القرارات المتخذة، بحيث يقول أن هذه الإجراءات مستمدة من الشعب.
استطلاعات الرأي مضللة
بالعودة إلى آخر استطلاعات الرأي، يرى 71.7 بالمائة من التونسيين أن البلاد “تسير في الاتجاه الصحيح”، بينما يحظى سعيّد بـ”ثقة كبيرة” لدى نحو 72 بالمائة من المستجوبين، وذلك بعد أكثر من شهر ونصف على إعلانه عن إجراءات 25 جويلية.
وفي إجابته حول سؤال هل تمثل هذه العينة من المستجوبين كافة الشعب التونسي، قال المختص في علم الاجتماع محمد الجويلي “هذه النسبة تعبر عن الشريحة التي قبلت الإجابة عن السؤال وليس كل الشعب، بالتالي هم جزء من الشعب وليسوا كل الشعب”.
تواجه تونس منذ “25 جويلية” تغييرات سياسية واجتماعية واقتصادية، صنفها البعض بالاستثنائية والتاريخية، واعتبرها البعض خطيرة ومهددة للديمقراطية الحديثة التي شهدتها البلاد منذ 2011، لكن اتفق الجميع أن إرادة الشعب مختلفة ولا رجوع إلى الرأي الواحد والموقف الواحد الذي يكرس مبدأ الديكتاتورية.