ثلاثون يوما مرّت منذ أن أعلن الرئيس قيس سعيد يوم 25 جويلية 2021 عن تجميد أعمال واختصاصات البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، ومنذ ذلك التاريخ شهدت تونس تطورات عديدة على جميع المستويات.
في ساعة مبكرة من صباح أمس الثلاثاء 23 أوت، أصدر سعيّد أمرا يقضي بـ«التمديد في التدابير الاستثنائية المتخذة بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 80 لسنة 2021 المتعلق بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب وبرفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضائه، وذلك إلى غاية إشعار آخر» حيث أشارت الرئاسة إلى أن سعيّد سيتوجّه في الأيام المقبلة ببيان إلى الشعب التونسي حول هذا الأمر.
غياب المحكمة الدستورية، مامدى تأثير ذلك على المشهد السياسي؟
قالت أستاذة القانون الدستوري منى كريم الدريدي لـ jdd tunisie ، إن الرئيس قيس سعيد لم يقدّم حتى اليوم خارطة الطريق التي وعد بها منذ إعلانه التدابير الاستثنائية قبل شهر، وطالبت بها أحزاب سياسية ومنظمات نقابية فضلاً عن دول أجنبية، وهو ما يزيد من المخاوف التي نعيشها اليوم، خاصة في ظل غياب المحكمة الدستورية.
وأضافت الدريدي بأن غياب المحكمة الدستورية عمّق في التعطيلات وجعل من الرئيس “ديكتاتوريا” ينصّب نفسه على رأس جل السلط ( التنفيذية والقضائية ).
كما أكدت على أن إبقاء الوضع على ما هو عليه يفتح الباب أمام سيناريوهات كثيرة فيما يتعلق بمستقبل البلاد السياسي خصوصا مع عدم رغبة سعيّد في إجراء أي مشاورات أو حوار بشأنه وعدم استقباله لأي طرف سياسي منذ خطوة 25جويلية.
وعبرت الدريدي عن قلقها من الوجهة القانونية والدستورية حول عدم تحديد مدة التمديد وإبقائها حتى إشعار آخر وقالت: “إنّ تمديد تعليق أعمال البرلمان كان متوقعا، لكن القرار الجديد بدون تحديد سقف زمني والمدة النهائية للفترة الاستثنائية يبقي ضبابية على المشهد، رئاسة الجمهورية في حاجة إلى تقديم رؤية واضحة للمرحلة المقبلة”.
قرارات رئيس الجمهورية، نجاح نسبي في إصلاح مؤسسات الدولة أم نجاح كلي في التفرد بالسلطة؟
جوهر بن مبارك، أستاذ القانون الدستوري قال من جهته لـ jdd tunisie ، إن “قرار التمديد كان منتظرا، ويدلّ على أن مسألة الاستثناء قد تطول أكثر وتمتد لشهور، ضمن محاولة سعيّد إعادة صياغة النظام السياسي والشأن العام في تونس”.
وأردف: “رغم أن هذا التمديد كان منتظرا، إلا أنه يدل على وجود مشكل يتمثل بأن الأمور غير واضحة تماما بالنسبة لسعيد في غياب أي خطة سياسية للفترة المقبلة، وهو يتجاهل هذا الأمر وغير مطروح لديه”.
استحواذ على السلطات الإدارية
وتابع بن مبارك ” اليوم، الضبابية تغزو جل المشهد السياسي، جميع المؤسسات معطلة لا حكومة ولا سلطة تشريعية ولا إصلاح سياسي، بل نرى مَرْكَزَةَ السلطاتِ بيد شخص واحدٍ فأصبح مستحوذا حتى على السلطة الإدارية ينصّب ولاة ومديرين ويقيل من يشاء منهم، وأضاف” تونس معطّلة” حتى إشعار آخر..
وفي نفس السياق كتبت الأمينة العامة لحزب «حراك تونس الإرادة»، لمياء الخميري على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك « تمديد إلى ما لا نهاية، وجه آخر للانقلاب».
في حين وصف مايكل غاهلر، الناطق باسم لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الأوروبي، قرار سعيّد بأنه ” هجوم على قلب الديمقراطية التونسية “.
غياب شبه كلي للمبادرات الحزبية
حزبيا، لم تتقدم معظم الأحزاب السياسية بمبادرات ذات شأن في خصوص تجميد عمل البرلمان وبدت كأنها تنتظر الخطوة المقبلة للرئيس الذي انفرد بحيز هام من مؤسسات الدولة.
وفي هذا السياق صرح الناشط السياسي عدنان منصر لـ “jdd tunisie” أن كل الأحزاب ما زالت في مرحلة الصدمة بسبب قرارات الرئيس: “هناك نقاش داخلها بشأنها وصلت إلى حد الانقسامات على حزب التيار الديمقراطي. معظم الأحزاب تنتظر توضح الرؤية وأعتقد أن صوتها سيكون أعلى حينها”.
ومع مضي سعيّد قدما في احتكار السلطتين التنفيذية والتشريعية، خففت حركة النهضة، من نبرة خطابها تجاهه ولم تعد تصف خطوته بـ”الانقلاب” وتطالب بحوار لضبط رزنامة المرحلة.
” الثلاثين يوم التي مضت تحت حكم الإجراءات القانونية الاستثنائية… زلازال في الفكرين الدستوري والسياسي”
صرح أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي لـ jdd tunisie أن الثلاثين يوم التي مضت تحت حكم الإجراءات القانونية الاستثنائية، تعد زلازال في الفكرين الدستوري والسياسي.
وأضاف أن العقلين القانوني والسياسي التونسيين المحافظين والتقليديين زُعزتْ أركانهما القانونية والسياسية.
قانونيا: هدمت الإجراءات الدستورية الاستثنائية التي نص عليها الفصل 80 من دستور 27 جانفي 2014 أركان المعارف القانونية وأدوات تحليلها، وقوالبها الجاهزة التي نشأ عليها القانونيين منذ إحداث الجامعة التونسية في الستينيات.
سياسيا: خلفت تلك الإجراءات دهشة وحيرة في صفوف الأحزاب السياسية التقليدية سواء منها النيابية أو غير النيابية التي ساهمت في الحكم أو لم تساهم.
كما أفقد هذا العجز تلك الأحزاب القدرة على التفاعل مع الإجراءات الاستثنائية، وبناء تصور سياسي جديد يتلاءم مع التحولات السياسية والقانونية العميقة، ومن هذه الأحزاب مَنْ فقد أسباب كسب أنصار كالدستوري الحر الذي فقد بوصلته بخروج حركة النهضة من المشهد السياسي.
وتابع الخرايفي “أما عن الضبابية فهذا ناتج على أن سياسة رئيس الجمهورية قائمة على الغموض والمفاجئة والمباغتة، لذلك تبقى كل الاحتمالات واردة.
صراع اليوم، من الأقوى؟
في حوار سابق لأستاذ القاتون الدستوري رافع بن عاشور مع جريدة الصباح، صرّح أن حركة النهضة وضعت دستورا مفخخا وكله ألغام.
وأضاف أن قدرنا اليوم دخول منطقة مظلمة، نحن إزاء دستور الحبيب خضر وكل جملة فيه تحتمل الشيء ونقيضه ولا مخرج واضح منصوص عليه للأزمة.
وتابع ” لا أحد يملك حلا قانونيا دستوريا، المسألة تختزل في ميزان القوى وحول الأقوى ومن يمسك بخيوط اللّعبة، وحول خيار الاستفتاء، صرح بن عاشور أن الاستفتاء أيضا له شروطه في الدستور والفصل 82 يحدد أنه لرئيس الجمهورية أن يعرض على الاستفتاء مشاريع القوانين الدستورية المتعلقة بالمعاهدات والحريات وحقوق الانسان والأحوال الشخصية والمصادقة عليها من قبل مجلس النواب.