في واقع الأمر، لم يكن موقف راشد الغنوشي المفاجئ سوى استجابة متأخرة وتسليما في الوقت الضائع بما سبق وأن عُرض عليه منذ ثلاثة أشهر كاملة
وبين زمن العرض وتوقيت القبول جرت مياه كثيرة تحت الجسر ليس أقلها سقوط حكومة النهضة وتجميد برلمانها وإغلاق باب المجلس أمام راشد الغنوشي في تلك الصورة الشهيرة.
نعم….، خلال آخر أيام رمضان إلتقت شخصية تونسية وطنية مرموقة بأحد أهم الدبلوماسيين المعتمدين في تونس الذي أبلغه خلاصة التشخيص الدولي للوضع التونسي ورؤيته للحل :
العالم ملتزم بإنقاذ تونس ماليا شرط حل الأزمة السياسية والقيام بإصلاحات اقتصادية ومالية جوهرية
- *لا يوجد مخرج للأزمة السياسية الا برحيل هشام المشيشي بصفته عنصر توتير للوضع، مع عودة التكليف الى الرئيس الذي سيتحمل مسؤولية تشكيل حكومة جديدة بالتفاهم مع البرلمان
- لضمان الاستقرار السياسي في تونس، من الضروري المرور في وقت لاحق الى تعديل المنظومة السياسية بدأ باالمنظومة السياسية وانتهاء بالنظام السياسي
وإقترح الدبلوماسي رفيع المستوى على الشخصية التونسية المرموقة أن تتوجه الى لقاء راشد الغنوشي لتبليغه مضمون المقابلة، وبدى واثقا من تفاعله الإيجابي
ويبدو أيضل أن نفس الخلاصة قد تم تبليغها الى رئاسة الجمهورية وأهم الفاعلين السياسيين عبر العديد من الاصدقاء والقنوات الدبلوماسية
بتواتر الاحداث وصولا إلى 25 جويلية ، قد تكون هذه النصيحة الدبلوماسية آخر “إشارة” دولية لراشد الغنوشي من أجل القبول بحلّ يتفادي الخروج عن النص الدستوري،
إلتقت الشخصية براشد الغنوشي وحصل لديها إنطباع بأن رئيس البرلمان لم يفاجئ بالمبادرة بل كان مسلّما بالأمر من حيث المبدئ ولكن دون أي التزام بالتنفيذ.
من الواضح ان هذه المبادرة لو تحققت ستشكل أنتصارا لا لبس فيه لقيس سعيد وهزيمة لا غبار عليها لحركة النهضة ومن الثابت أن راشد الغنوشي ودائرته الضيقة قد فهموا أن دور راشد الغنوشي قد انتهى دوليا وأن على حركة النهضة أن تستعد للتخلي وطنيا عن موقعها المتحكم في المشهد السياسي وأن قرارا بتحجيم حركة النهضة قد تم اتخاذه وقضي الامر
ماذا وقع خلال الفترة الممتدة بين العيدين؟
نتذكر جميعنا اللهجة التصالحية لرئيس الدولة خلال خطاب عيد الفطر، واستغربنا نبرته الهادئة وغير المعتادة خلال الاسابيع التي تلت العيد رغم توالي الاستفزازات الاعلامية والافتراضية مما يوحي بدخول الرئيس في منطق الصلح و التسوية المنتظرة
بينما نتذكر أيضا تواتر وتصاعد الهجمات الاعلامية على قيس سعيد : تسريبات ديفيد هيرست، إتهامات راشد الخياري للرئيس بالتمويل الأجنبي، تدوينات رفيق عبد السلام وغيره،
ونتذكر ختاما آخر محاولات النهضة للتملص من أي التزام بالتسوية المقترحة دوليا وذلك عبر الحشد لحكومة سياسية يترأسها هشام المشيشي (أو شخصية أخرى تقترحها النهضة) وكأن شيئا لم يكن
كل الدلائل تشير الى أن حركة النهضة حاولت بشدة الالتفاف على المبادرة الدبلوماسية وخربت بيدها آخر محاولات الصلح مع قيس سعيد وبالتالي أفشلت آخر محاولات إنقاذها؟
ما يعزز هذا الاستنتاج تصريح لطفي زيتون الذي أكد بأن حركة النهضة هي التي أفشلت وساطته التي أثمرت لقاء الفرصة الاخيرة بين قيس والغنوشي
أخيرا، يجب التمعن جيدا في إستدارة الغنوشي وأعلانه مساندة قيس سعيد والتخلي عن رئاسة الحركة نهاية هذا العام وتلميحه الى عدم تمسكه برئاسة البرلمان تمهيدا لعودة البرلمان……. يجب إعتبارها رسائل موجهة أساسا الى الخارج، أولا لتأمين الخروج الآمن وثانيا لممارسة الضغط غير المباشر على قيس سعيد عنوانه نحن مستعدون لكل التنازلات مهما كانت ولا عذر للرئيس في “عدم العودة الى الوراء”