تعيش البلاد على وقع أحداث متسارعة واستثنائية، منذ تفعيل الفصل 80 من الدستور من قبل رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية2021 والمتمثلة في تعليق عمل المجلس ورفع الحصانة عن النواب وإقالة رئيس الحكومة و تسلم رئيس الجمهورية لرئاسة النيابة العمومية. تباينت بخصوصها المواقف بين مرحب ورافض.

تجاذبات سياسية قوية حول الإجراءات الاستثنائية واتهامات متبادلة بين مناصري الرئيس ومعارضيه في انتظار ما سيؤول إليه الوضع في البلاد وأية خارطة طريق سينتهجها رئيس الدولة وسط كل هذه الضغوطات الداخلية والخارجية؟

منظمات وأحزاب تطالب بوضع خارطة طريق

حالة من الانقسام في المشهد السياسي التونسي، أحزاب وصفت إجراءات الرئيس بكونها انقلابا منها حركة النهضة” و”قلب تونس” و”ائتلاف الكرامة”، و”الحزب الجمهوري”مطالبين بالتسريع في وضع خريطة طريق للفترة المقبلة.

وكانت حركة النهضة في بيانها الأخير الصادر يوم الخميس 12 أوت 2021، طالبت بحوار وطني تكون طرفا فيه تخللته دعوات للتهدئة بعيدا عن دعوات الصدام.

في هذا السياق قال الأستاذ الباحث في الجامعة التونسية، المتخصص في الحركات الجهادية والإسلام السياسي، عبيد الخليفي لـ jdd tunisie، الجمعة 13 أوت 2021 بأنه “يبدو أن أزمة حركة النهضة بلغت أقصاها في بيانها الأخير، وهي مستعدة لتقديم كل التنازلات السياسية من أجل المحافظة على وجودها وعدم فتح ملفات قضائية تدينها في التسفير والتمويل والاغتيالات والجهاز السرّي” مضيفا أنّها صارت تعيش عزلة مجتمعية وعزلة سياسية مع فتور الدعم الإقليمي والدولي”.

في المقابل اقترح التيار الديمقراطي خارطة طريق تشترط اللاعودة للبرلمان، إلا بعد إسقاط القائمات وحل الأحزاب التي تعلقت بهم تمويلات أجنبية وجرائم انتخابية، وفقا لنص الفصل 163 من القانون الانتخابي. وأعلن عن تمسّكه بضرورة الانطلاق في مسار متكامل يهدف إلى مقاومة الفساد في كافة مفاصل الدولة التونسية استنادا إلى التقارير الرقابية والقضائيّة وخاصة منها تلك الصادرة عن محكمة المحاسبات.

مبادرات لوضع خارطة طريق سبقها بيان الاتحاد العام التونسي للشغل الذي عبر في بيانه عن “تثمينه عاليا بيان المكتب التنفيذي الوطني بتاريخ 26 جويلية 2021 واعتبره منطلقا لدعم مسار تصحيحي حقيقي ومراكمة نضالية مسترسلة واستجابة إلى المطالب الشعبية ورغبة من الأغلبية في إنقاذ البلاد ممّا تردّت فيه من أزمات بفعل خيارات الائتلافات الحاكمة المتعاقبة ومنظومة الحكم التي تتحمّل المسؤولية الأولى والأساسية في تفقير الشعب وتخريب اقتصاد البلاد”.

بيانات تعد نوعا ما منتظرة من قوى سياسية ومنظمات وطنية مختلفة في رؤيتها للشأن السياسي على خلاف بيان الحبيب الجملي الذي تم تكليفه سابقا بتشكيبل حكومة لم يصادق البرلمان على تمريرها، والذي فاجئ الجميع بمقترح لوضع خارطة طريق كان قد أعلن عنها الأربعاء 11 أوت 2021.

الجملي كان قد صرح في حوار لـ jdd tunisie “أن حركة النهضة وعلى رأسها راشد الغنوشي تتحمل ما آلت إليه الأوضاع في البلاد من أزمات وأنه على الحركة أن تضع نفسها تحت طائلة القضاء ما من شأنه أن ينقص من الاحتقان.

وأضاف” أن مايحصل في تونس اليوم تتحمل فيه المسؤولية حركة النهضة ونداء تونس وأنه إذا أثبت القضاء تورط بعض الأحزاب والشخصيات في قضايا فساد فإنه يجب حل هذه الأحزاب و سيكون ذلك شرفا في تاريخ تونس”.

الطريق نحو جمهورية ثالثة؟

صدرت في غرة أوت 2021 دراسة عن مركز «تريندز للبحوث والاستشارات» تحت عنوان «تونس بعد 25 يوليو 2021: نحو الجمهورية الثالثة»، وذلك ضمن سلسلة «اتجاهات الإسلام السياسي»، وذكرت الدراسة أن تونس تبدو بعد 25 يوليو 2021 في مفترق طرق، مشيرة إلى أن قرارات الرئيس قيس سعيد بحل الحكومة التونسية وتجميد عمل البرلمان لمدة شهر، وفق المادة 80 من الدستور التونسي، كانت استثنائية ومفصلية، فضلاً عن كونها كانت متوقعة، بحكم ارتفاع منسوب الاحتقان الاجتماعي واستفحال الأزمة بمختلف أبعادها، وقد بلغت ذروتها بفعل تداعيات الجائحة الصحية، وعجز النظام القائم عن إيجاد الحلول الملائمة لها.

وأشارت الدراسة إلى أن تونس تبدو مقبلة على صفحة جديدة من تاريخها، قد تكون مدخلاً للجمهورية الثالثة، موضحة أنه في هذا الخضم، فإن مصير حركة النهضة الإسلاموية مفتوح على عدة سيناريوهات؛ فإما أن تحافظ على موقعها ضمن خريطة الإسلام السياسي أيديولوجياً وتنظيمياً وهو ما سيعمق أزمتها وعزلتها، وإما أن تُحدِث من داخلها مراجعات شكلية وتعديلات في قيادتها لتحسين صورتها فحسب، وبذلك قد تحافظ على وجودها ولكنها ستكون حركة هامشية لا تأثير لها، وإما أن تنخرط في السياق الوطني التونسي وتحدث تحويرات عميقة وجذرية تتخلى بموجبها عن ارتباطاتها الأيديولوجية والتنظيمية الإسلاموية، وتصبح ممثلة للفئة المحافظة سياسياً واجتماعياً، دون أن نغفل عن فتح ملفات حارقة تتعلق بها.

وفي ذات السياق صرح المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي لـ jdd tunisie ” اليوم السبت 14أوت2021 أن اختيار الانتقال إلى الجمهورية الثالثة يحتاج حدا أدنى من المشاورات وبالتالي فإن رئيس الجمهورية مطالب بالإشراف على حوار يدعو فيه الأطراف السياسية والمجتمع المدني ويختار هو من يشارك فيه و لكن رئيس الجمهورية مازال لم يكشف عن رؤيته للمرحلة القادمة بوضوح”.

وأضاف الجورشي بأن الحديث عن استفتاء شعبي للإعلان عن الجمهورية الثالثة دون نقاش معمق مع المواطنين ووضوح النظام السياسي بالبلاد قد يحمل نتائج خطيرة فيما بعد”حسب تعبيره.

ويذكر أن رئيس الجمهورية كان قد تحدث في عدة مناسبات عن حوار وطني لكنه سيكون بعيدا عن من وصفهم بالخلايا السرطانية والفاسدين دون الإيضاح ولم يبين في أي من خطاباته منذ 25 جويلية الماضي عن رغبة صريحة في المضي نحو تركيز جمهورية ثالثة.

أما على المستوى الخارجي فقد عبر قيس سعيد في أكثر من لقاء جمعه بالعديد من السفراء و الرؤساء مؤخرا عن مشروعية قراراته، آخرها كان اللقاء الذي جمعه بالوفد الأمريكي الجمعة 13 أوت 2021 والذي قال فيه بأنه “لايوجد ما يدعو للقلق على قيم الحرية والعدالة و الديموقراطية في تونس”.

إيمان العبيدي