تغيّر ملحوظ في خطاب حركة النهضة، بين مساء 25 جويلية، الذي خرج فيه رئيس الحركة متحدّثا عن “انقلاب رئيس الجمهورية على الدستور”، وبين بيانها الصادر يوم 12 أوت الذي أعلنت من خلاله تشكيل لجنة لإدارة الأزمة السياسية معترفة بحالة العطالة التي كانت عليها البلاد وبالتالي نيتها عن “تقديم التنازلات”.
خطاب تهدئة.. لكن
يعتبر عدد من المقربين من حركة النهضة أنّ البيان الأخير الصادر يوم الخميس 12 أوت 2021، “نقطة تحوّل مهمة” باعتباره جاء بلهجة التهدئة بعيدا عن دعوات الصدام والاستقواء بالأجنبي التي عمد زعيم الحركة راشد الغنوشي على إطلاقها عبر وسائل إعلام أمريكية وبريطانية وتركية، خلال الأيام الماضية.
وفي هذا الصدد، تقول مصادر قريبة من الحركة لـ”JDD Tunisie”، إنّ القيادة الحالية للنهضة بدأت تستوعب ماحصل وتقدّر حقيقة حجمها على الميدان وبالتالي تراجعت خطوة إلى الوراء لإعطاء نفسها فرصة للتأقلم والتموقع في المشهد الجديد، مشيرة إلى أن البيان المذكور يعكس اختلاف الآراء والتوجهات داخلها لأنه تضمّن أيضا تهديدا مبطنا إلى جانب التهدئة وذلك إرضاء لشق مازال متمسّكا بالموقف الأول.
وجهة نظر أخرى من داخل النهضة، تعتبر أنّ اللجنة التي اقترحها راشد الغنوشي لـ”إدارة الأزمة” جسر لا يؤدّي إلى الجهة المقابلة باعتبار أنّ أعضاءها “لا وزن لهم” داخل الحركة وخارجها ووجوهم غير معروفة كما أنّ جزءا منهم يتعلق بأسماء يرفضها التونسيون لاعتمادها خطابا منفّرا ومتشنجا داخل البرلمان وفي وسائل الإعلام ولها علاقات متوترة مع المنظمات الوطنية وبقية مكونات المشهد السياسي، مما سيشكل عقبة أمام هذه اللجنة، وفق المصادر ذاتها.
النهضة تستسلم
يقول الأستاذ الباحث في الجامعة التونسية، المتخصص في الحركات الجهادية والإسلام السياسي، عبيد الخليفي لـ”JDD Tunisie”، إنّ بيان حركة النهضة جاء كله بصيغة التقرير وليس المطالبة والمناشدة في نوع من الاستكبار والإنكار، ولكنه يرفع الراية البيضاء أمام حركة التاريخ، وفق قوله.
وأضاف الخليفي “يبدو أن أزمة حركة النهضة بلغت أقصاها في بيانها الأخير، وهي مستعدة لتقديم كل التنازلات السياسية من أجل المحافظة على وجودها وعدم فتح ملفات قضائية تدينها في التسفير والتمويل والاغتيالات والجهاز السرّي” مضيفا أنّها صارت تعيش عزلة مجتمعية وعزلة سياسية مع فتور الدعم الإقليمي والدولي.
وأكّد أنّ الحركة تريد خارطة طريق للعودة للوراء كي تستعيد دورها السياسي في البلاد، معربة عن مساندتها للرئيس قيس سعيد في محاربة الفساد وملاحقة الفاسدين، على ألّا تكون معنية بهذه الخطوة، كما أعربت عن نيتها في تغيير القيادة إذا تفاعل سعيد معها إيجابيا وهو استسلام للأمر الواقع ما بعد 25 جويلية الذي لا حديث فيه عن الشرعية الدستورية ولا عن الشرعية الشعبية.