ثلاثة أسابيع مرت على إعلان رئيس الجمهورية ليلة 25 جويلية الماضي عن إجراءات استثنائية استنادا إلى الفصل 80 من الدستور والتي تمثلت في تجميد عمل البرلمان لمدة شهر قابل للتمديد ورفع الحصانة عن النواب وإقالة رئيس الحكومة وتولية رئاسة السلطة التنفيذية…
هذه الإجراءات لقيت تجاوبا شعبيا كبيرا لدى عموم التونسيين ولدى عديد النخب وما عدى حركة النهضة، باعتبارها أكبر متضرّر من هذه الإجراءات والتي يحملها الشعب التونسي وطيف واسع من النخب السياسية مسؤولية تدهور الأوضاع في البلاد، والتي فشلت في تمرير خطاب الانقلاب وتأليب جزء من الرأي العام الدولي على رئيس الجمهورية، فإن حصيلة الأسابيع الثلاثة كانت في مجملها إيجابية:
- ارتفاع نسق التلقيح بشكل متواتر بعد حصول بلادنا على مساعدات هامة من التلاقيح والتجهيزات الطبية و الأكسيجين من طرف الدول الصديقة والشقيقة حيث تلقى حوالي 3 ملايين تونسي وتونسية الجرعة الأولى وبلغت النسبة تقريبا 25 بالمائة بما بوّأ بلادنا المرتبة الثانية في إفريقيا بالنسبة للذين تلقوا جرعتين (15 بالمائة) بعد المغرب( 30 بالمائة) وقد نتجاوز هذه النسبة بكثير إثر اليوم المفتوح اليوم الأحد 15 أوت والذي يستهدف حوالي مليون من الشريحة العمرية 18-39 سنة،
- إطلاق رئيس الجمهورية حملة ضد الفساد استهدفت بدرجة أولى الفساد في شركة فسفاط قفصة إذ تمّت عديد الإيقافات في صفوف عدد من كبار المسؤولين السابقين من بينهم وزير صناعة سابق وكاتب دولة سابق في نفس الوزارة،
- تولّي القضاء ملاحقة عدد من النواب البالغ عددهم 30 نائبا كما جاء في تصريحات الناطق الرسمي باسم القطب القضائي الاقتصادي والمالي ومكافحة الإرهاب و المشتبه في ضلوعهم في قضايا فساد ورشوة وإرهاب وتحيل…وتم إلى حد الآن الزج بالسجن بنائب صادرة في شانه أحكام باتة وإيقاف نائب آخر من أجل تهمة التهجم على وكيل الجمهورية…
- وضع وزير سابق ينتمي لحركة النهضة وعدد من القضاة تحت الإقامة الجبرية من طرف الوزير المكلف بوزارة الداخلية بمقتضى الأمر المتعلق بحالة الطوارئ الصادر في 26 جانفي 1978، وكذلك تحجير السفر على عدد من المسؤولين السابقين،
وإن لقيت هذه الإجراءات استحسانا لدى عموم التونسيين فإنها لم تخلو من بعض الانتقادات: - فيما يتعلق بالإيقافات في صفوف النواب فقد استهدفت إلى حد الآن نائبين اثنين من غير المنتمين إلى كتل أو أحزاب كبيرة أو إلى قطاع مثل قطاع المحاماة يحميهم ويدافع عنهم في حين مثلا أن نواب كلثة الكرامة ومن بينهم من صدرت في شأنهم أحكام بالسجن ورفضوا المثول أمام القضاء لا زالوا يرتعون بل وحتى يستهزؤون من الإجراءات الرئاسية،
- من جهة أخرى فان هناك تخوفا من انزلاق الحرب على الفساد إلى عملية انتقائية تستثني الفاعلين الرئيسيين ومن بينهم رؤساء حكومات سابقين وقياديين كبار في صفوف حركة النهضة، الحزب الأوّل في البلاد،
- رئيس الجمهورية تحاشى إلى حد الآن الحديث عن الاغتيالات السياسية وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر والجهاز السري لحركة النهضة وضلوع بعض الأطراف في الإرهاب …فهل في الأمر سر أم أنّ هذه الملفات ستوضع على الطاولة في مرحلة قادمة؟
- التأخير في الإعلان عن تركيبة الحكومة الجديدة وعن خارطة الطريق للمرحلة القادمة بات أمرا يدعو إلى التساؤل حول النوايا الحقيقة لرئيس الجمهورية ومشروعه المستقبلي الذي لم يفصح عنه وفتح المجال للتأويلات وللتدخلات الأجنبية وخاصة منها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية اللتان وإن أكدّتا على دعمها لتونس ولشعبها فإنهما لم تتبنّيا خطاب الانقلاب ولكن في المقابل تمارسان ضغطا مبطّنا على رئيس الجمهورية من خلال مطالبته بالإسراع بتعيين رئيس حكومة لتأليف فريق “قادر على معالجة الأزمات الاقتصادية والصحية العاجلة التي تواجه تونس” والإعلان عن خارطة طريق للمرحلة القادمة…
- إنّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها بلادنا وهي مقبلة على مفاوضات عسيرة ومعقّدة مع صندوق النقد الدولي تتطلّب تعيين كفاءة اقتصادية على رأس الحكومة يتميز بالتجربة والخبرة والحنكة وقادرة فعلا على خوض هذه المفاوضات بكل ثقة واقتدار وعلى تمرير إصلاحات هامة لتخفيف حدة الأزمة وتداعياتها على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية،
- إنّ كلّ تأخير اتخاذ مثل هذه الخطوات سيؤثر دون شك في منسوب الثقة الكبيرة على شخص رئيس الجمهورية وقد يكون له انعكسات سلبية على الأوضاع في تونس وعلى علاقاته مع البلدان والصناديق المانحة، كما قد تؤدي الى ارتدادات غير محمودة العواقب.