كتبت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في عدد الصّادر الثلاثاء 27 جويلية، تقريرا تدعو فيه الرّئيس الأمريكي جو بايدن إلى أن يبذل جهدا أكبر لوقف “انقلاب تونس” وإلا ترك الساحة لأنظمة الانقلابات في الخليج ومصر إن لم تكن متورطة أصلا فيه.
وجاء في التّقرير: عندما استضاف نائب الرئيس آنذاك جو بايدن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في منزله بواشنطن في عام 2015 ، “شدّد الأمريكي على الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لضمان نجاح الديمقراطية في تونس”. الآن ، يختبر الرئيس التونسي الحالي التزام بايدن بهذا الوعد.
حتى الآن، تشير الدلائل إلى أن البيت الأبيض حذّر من التورط بعمق في الأزمة الديمقراطية المتصاعدة في تونس. تتسارع الأحداث في تونس العاصمة ، حيث أعلن الرئيس قيس سعيد حالة الطوارئ وعزل رئيس الحكومة وعلّق أشغال البرلمان لمدة 30 يومًا ونشر الجيش لمنعهم من دخول المبنى، كما اقتحمت الشرطة التونسية مكتب قناة الجزيرة الإخبارية.
ونهب المحتجون مكاتب حزب النهضة الإسلامي المعتدل الذي يتمتع بأغلبية في مجلس النواب. وقاد رئيس المجلس ورئيس حزب النهضة راشد الغنوشي اعتصاما خارج مبنى البرلمان يوم الاثنين، رافضا تحركات الرئيس ووصفها بأنها غير دستورية وأصر على أن المجلس لا يزال منعقدا. يقول الغنّوشي “ندعو الرئيس سعيد لوقف هذه المحاولة الانقلابية ونطلب من جميع أصدقائنا في الداخل والخارج دعم الشعب التونسي في مقاومة قوى الديكتاتورية والاستبداد”.
أصدر البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكيّة بيانات يوم الإثنين، تمّ وضعها بعناية لتجنّب الانحياز إلى أي طرف. وقالت المستشارة الإعلاميّة للبيت الأبيض جين بساكي إن الولايات المتحدة “قلقة بشأن التطورات في تونس”. وقالت إن مسؤولي الإدارة على اتصال بالقادة التونسيين “لمعرفة المزيد عن الوضع والحث على الهدوء ودعم الجهود التونسية للمضي قدما بما يتماشى مع المبادئ الديمقراطية”.
وأصدر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نايد برايس بيانا مماثلا. وقالت: “ستواصل الولايات المتحدة الوقوف إلى جانب الديمقراطية التونسية” – متجاهلة تمامًا مسألة الحزب الذي تعتقد إدارة بايدن أنه يمثل القضية الديمقراطية. وزير الخارجية أنطوني بلينكن “شجع الرئيس سعيّد على التمسك بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي هي أساس الحكم في تونس.
الخارجية الأمريكيّة أشارت إلى أن الولايات المتحدة ستواصل مراقبة الوضع والبقاء على اتصال مع السّلطات التّونسيّة”.
قالت سارة يركيس، الزميلة البارزة في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ، والتي عملت أيضًا في وزارة الخارجية وفي البنتاغون: “هذا أقل بكثير ممّا آمل أن أراه من حكومة الولايات المتحدة”. “من الواضح أن المسؤولين الأمريكيين يلعبون الأمور بأمان وينتظرون ليروا كيف ستسير الأمور قبل الإدلاء بأي تصريحات قوية.” وقالت يركيس أيضًا إن إدارة بايدن لن تكون قادرة على تحديد ما إذا كانت تصرفات سعيد تشكل “انقلابًا” حتى أو ما لم يراجع الفريق القانوني بوزارة الخارجية الموقف. قد تكون هذه دعوة يصعب إجراؤها ، بالنظر إلى أن المحكمة الدستورية التونسية ، التي يُقصد بها الفصل في مثل هذه الأمور ، لم يتم تشكيلها بعد.
وفي الوقت نفسه، استحواذ سعيد على السلطة قد يكون البداية، ذلك أن المشرعين الأمريكيين والخبراء يناقشون أن رفض إدارة بايدن شجب تحركات سعيد الديكتاتورية قد تشجعه. وهذا بدوره، سيقوض القوى داخل البلد التي تدافع عن الفصل الدستوري للسلطات والتي حافظت خلال الأعوام العشرة الماضية على تجربة تونس في الحكم الديمقراطي.
وقال السناتور الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا للكاتب: ” هذا هو المكان الذي بدأت فيه حركة العالم العربي نحو الحكومة الممثلة والديمقراطية. ومن الواضح لي أن عدم الحسم في وجه العدوان سيؤدي لتدمير الحركة”. ودعا “الولايات المتحدة والديمقراطيات الغربية أن تكون معا على الأرض لوقف هذا قبل خروجه عن السيطرة”.
رئيس الجمهورية يترأس اجتماعا طارئا للقيادات العسكرية و الأمنيةرئيس الجمهورية يترأس اجتماعا طارئا للقيادات العسكرية و الأمنية
Publiée par Présidence Tunisie رئاسة الجمهورية التونسية sur Dimanche 25 juillet 2021
وقال غراهام إنه بدون مبادرة دبلوماسية أمريكية قوية، سيجد المدافعون عن الديمقراطية مثل الغنوشي أنفسهم وحيدين للدفاع عن أنفسهم. وسترسل الولايات المتحدة رسالة إلى من يفكرون بالتآمر وتدبير انقلابات أن عليهم عدم الخوف من مقاومة أو انتقام واشنطن.
وقالت مصادر عدة في الإدارة إنها تنتظر كيف سيتطور الوضع المتغير، ويأملون بالعمل مع سعيد بدلا من تهميشه أو تنفيره. ويبدو أن فريق بايدن يتبع دليل السياسة في عهد أوباما الذي يقوم على تمرير رسائل شديدة في المكالمات الخاصة وتجنب التصريحات العلنية ذات الآثار العكسية. لكن هذا الدليل لم ينجح مع مصر عندما قام قائد الجيش والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي في 2013 بالإطاحة بالرئيس المنتخب، وتجنبت الولايات المتحدة التحرك حتى بعد فوات الأوان.
لكن الأخبار الجيدة، هو أن الوقت لم يفت مع تونس. فهناك فرصة أمام الولايات المتحدة والحكومات الغربية لإقناع سعيد أن المضي قدما في محاولات السيطرة الديكتاتورية على السلطة لن يكون جيدا له. ولدى الولايات المتحدة ورقة نفوذها بيدها- وفوق كل هذا الدعم الاقتصادي بما في ذلك اتفاقية مع مؤسسة تحدي الألفية بقيمة 500 مليون دولار. وقال إن تردد الولايات المتحدة في تولي الدور القيادي سيترك فراغا تملؤه الدول التي تدعم الانقلابات بمن فيها مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة. وهذه الدول تمول بالتعاون مع روسيا، جرائم الحرب في ليبيا ضد الحكومة المعترف بها في طرابلس، والقريبة من تونس. وتخشى هذه الأنظمة ديمقراطية قوية وفاعلة في العالم العربي وما تعنيه بالنسبة لسيطرتهم على السلطة.
وقال شران غيروال من كلية ويليام وماري: “لو لم تتحرك الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي لرفع البطاقة الحمراء، فستتحرك هذه الدول وتتأكد من حدوث الانقلاب إن لم تكن متورطة فيه”.
وقال إن “على هذه الإدارة التعبير بصراحة أننا ندعم الديمقراطية في تونس وأننا سنبذل قصارى جهدنا لدعم من يحاولون الحفاظ على المسار”. وكتب النائب الجمهوري عن ولاية ساوث كارولينا والعضو البارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب ورئيس لجنة أبحاث الشؤون الخارجية في الحزب الجمهوري جوي ويلسون رسالة إلى بلينكن يسأله فيها عن السبب الذي لم تشجب فيه إدارة بايدن علنا ديكتاتورية سعيد وسيطرته على السلطة وفيما إن كان فريق بايدن مستعد للعمل مع الكونغرس لممارسة الضغط على الرئيس التونسي.
وكتب ويلسون: “لو انهارت الديمقراطية التونسية فلن تهدد أمن الولايات المتحدة والشراكة الاقتصادية مع شمال أفريقيا، بل ستقدم جدلا للقوى الديكتاتورية في المنطقة، وبخاصة المنظمات الإرهابية السلفية مثل تنظيم الدولة والقاعدة بأن الديمقراطية هي نظام فاشل للحكم”. وأضاف أن “رفض التحرك في تونس سيقود إلى تداعيات مدمرة لن تقوض استقرار تونس بل وتقويض منطقة شمال أفريقيا”.
وطالما بشّر بايدن بأن المعركة الكبرى في عصرنا الحديث هي بين الديمقراطية والاستبداد، إلا أن إدارته تبدو غير مستعدة أو غير قادرة على عمل المزيد لمنع سقوط الديمقراطيات في العالم تحت ناظريه. وفي تونس ينفد الوقت أمام الولايات المتحدة للتحرك.
رابط المقال الأصلي: https://www.washingtonpost.com/opinions/2021/07/26/biden-act-coup-tunisia-democracy/
عنوان المقال: Opinion: Biden must try harder to stop the coup in Tunisia