“أنوي دراسة الهندسة في فرنسا”، “أطمح لمواصلة الدراسة بالخارج”، “أفكرّ في الهندسة في الخارج”، بهذه التصريحات المتشابهة أعرب المتفوقون في مناظرة الباكلوريا لهذه السنية عن نيتهم في الهجرة، تصريحات أثارت ردود فعل متباينة بين من يتهمهم بالأنانيّة وبين من يعتبرهم أحرارا في خياراتهم في تحقيق أحلامهم بالطريقة التي يطمحون إليها.
أرقام مفزعة
تشير دراسة حديثة لشبكة ”أفروباروميتر”، إلى أن أكثر من نصف شباب تونس من الحاصلين على تعليم عالٍ يفكرون في الهجرة، و”أفروباروميتر”، إذ يفكرّ 23 بالمائة من المستجوبين في استطلاع للرأي “كثيرا” في هذا الخيار لكن واحدا فقط من أصل 10 من هؤلاء المهاجرين المحتملين بصدد القيام بالتحضيرات للمغادرة.
وصرح 56 بالمائة من الذين ينتمون للفئة العمرية 18-35 أنهم يفكرون في الهجرة بينما تنخفض هذه النسبة إلى 28 بالمائة بالنسبة للفئة العمرية 36-55 سنة و11 بالمائة بالنسبة لمن يفوق أعمارهم 56 سنة.
كما بيّن تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، صدر في عام 2017، أنّ 95 ألف تونسي قرروا منذ سقوط نظام بن علي في سنة 2011، التوجه لكسب العيش في بلد آخر، توجه 84 بالمائة منهم نحو أوروبا.
ليس من أجل المال فقط
يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة تونس محمد جويلي إن الهجرة جزء من التركيبة السوسيولوجية للبشر، ظهرت منذ الوجود الإنساني لكن مايميزها حاليا عما كانت عليه في العصور السابقة أنها تنمّ عن مآس اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها.
فالهجرة عند التونسيين خلال العقود الأخيرة أصبحت تجسيدا للهروب نحو “برّ الأمان” ماليا واجتماعيا وعلميا، حيث يُلاحظ أن الشاب الذي ينحدر من عائلات ميسروة أصبح أيضا يسعى للهجرة وبالتالي فإن دوافعه ليس اقتصادية فحسب بل لبحثه عن بيئة ملائمة تسمح له بالعيش كمواطن حرّ بعيدا عن تعقيدات الإدارة والفساد والبيروقراطية في بلاده.
ويفسّر محدّثنا أن الأزمات السياسية عادة ما تكون سابقة لموجة هجرة ، قانونية أو غير نظامية، لأن عدم الاستقرار يولّد حالة إحباط جماعي وإحساسا بانعدام الأمن والثقة في صنّاع القرار الذي يخطون مستقبل جيل كامل وبالتالي يصبح الشاب على يقين أنّه حتى ولو تميّز في بلاده فإن مصيره يبقى مرتطبا بالوضع الاقتصادي والسياسي للبلاد الذي لم يمكنّه من تحقيق أحلامه.
وارتفعت نسبة البطالة في تونس الى حدود 17,4 بالمائة خلال الثلاثي الرابع من سنة 2020 مقابل 16,2 بالمائة خلال الثلاثي الثالث من نفس السنة، وفقا للمعهد الوطني للإحصاء.
الجويلي يؤكّد أنه من بين الأسباب التي تدفع الطلبة إلى الهروب نحو الضفة المقابلة من المتوسط، هي وضعية البحث العلمي في تونس التي تتراجع باستمرار من خلال التقليل في ميزانيته وبالتالي ضعف الإمكانيات اللوجيستية والتقنية ولذلك نجد مئات الباحثين التونسيين الذين يقررون الاستقرار حيث قرروا مواصلة تعليمهم بعد استقطابهم من كبرى الشركات التي توفر لهم المخابر اللازمة.
