أثارت تصريحات عدد من المتفوقين في باكالوريا 2021 بالرغبة في مواصلة دراستهم بالخارج، ردود فعل متباينة بين رافض لهذا الاختيار باعتبار أن البلد تحتاج إلى كفاءاتها وبين مؤيّد لهذا الرّأي مبرّرا رأيه بانعدام الأمل في تونس وقصر سقف الطّموحات.

هذه التّصريحات فسحت المجال للحديث عن هجرة الأدمغة والعقول والموهوبين نحو الدّول المتقدّمة بحثا عن ظروف معيشية أفضل تساعد على تنمية المهارات وصقلها وبيئة اجتماعية وسياسية أكثر استقرارا.

عرف العصر الحديث تزايدا في عمليّات الهجرة من البلدان الأصلية نحو بلدان الاستقبال واتّخذ أشكالا مختلفة تراوحت بين الهجرة غير النّظامية وهجرة الكفاءات والأدمغة.

عبر التاريخ، أثمرت تدفقات المهاجرين من بلد المنشأ إلى بلد لاستقبال فوائد اجتماعية واقتصادية وثقافية عديدة، وساهمت بشكل فعّال في اندماج الحضارات والثّقافات، فعدد كبير من الدّول نشأ بفضل اختلاط الأجناس والأعراق وتكوين مجتمع متنوّع، وأكبر مثال على ذلك الولايات المتّحدة الأمريكية ودول أمريكا اللّاتينية.

أسباب عديدة

تختلف أسباب الهجرة من دولة إلى أخرى، منها ما يتعلّق بأسباب اقتصادية بحثا عن فرص للعمل بأجور مناسبة للحصول على المتطلّبات المعيشية الأساسية من غذاء مناسب والعيش في مكان يوفّر بنيةً تحتيةً حديثة وأخرى اجتماعية، الهدف منها الحصول على خدمات اجتماعية أفضل من مرافق وفرص تعليمية إضافة إلى الأسباب السياسية هروبا من الديكتاتورية والاضطهاد السياسي، أو الحروب.

يلجأ البعض الآخر إلى الهجرة لأسباب نفسية متعلّقة بظوف نشأة المهاجر حيث لا يشعر البعض بالانتماء إلى أوطانهم وأنّ أوطانا أخرى تلائم توجّهاتهم على غرار الأقليّات الدّينية والعرقية أو أصحاب الميولات الجنسية المختلفة، والّذين قد يتعرّضون إلى الاضطهاد ما يدفعهم إلى البحث عن بلدان أكثر تسامحا.


كما تعتبر الدّراسة والتّعليم أحد أهم الأسباب للهجرة، حيث يندفع الطّالب المتفوّق إلى البحث عن جامعات عالمية توفّر تخصّصات لا تتوفّر في بلدانهم ومن ثمّة يستقرّون في البلد الجديد.

شكل من أشكال الاستعمار

أكّد بشير الجويني، الكاتب و الباحث في العلاقات الدولية في تصريح لموقع JDD Tunisie إنّ موضوع هجرة الكفاءات، موضوع يطول الحديث فيه ويمثّل خسارة للدّول الّتي صنعت هذه الكفاءات إن ضحّ التّعبير وسهرت على تكوينهم ونشأتهم.

وأشار إلى أنّ الدول التي تستقبل الكفاءات مطالبة بتوفير الدّعم لدول الجنوب باعتبار أن استفادتها منها كانت مضاعفة خلال فترة الاستعمار وأيضا خلال فترة ما بعد الاستقلال، قائلا إنّ “هجرة الأدمغة شكل آخر من أشكال الاستعمار والاستغلال المفرط للشّعوب”.

كما أفاد بأنّ وزارة الخارجية الألمانية عن طريق مؤسسة كونراد أديناور نظّمت مؤخّرا دورة تدريبية بتونس تندرج ضمن برنامج “حدود” الّي انطلق منذ العام الماضي، وانتظمت الدّورة للمرة الثانية على التّوالي بتونس لما وجدوه من إمكانيات جيّدة ونخبة من الشباب المتحمّس ممّن لديهم اهتمام خاص بالهجرة بجميع أنواعها ووجهاتها.

وأضاف “أسبوع من التكوين والحوار وتبادل وجهات النظر والعمل الشاق انتهى بإنجاز أفلام قصيرة توثيقية هامة من الناحية الفنية والمضمونية يتم عرضها لاحقا”

أبعاد إنسانيّة ومأساويّة

يصل إلى القارّة الأوروبية سنويّا بين 150 و200 ألف مهاجر أغلبهم من القارّة الإفريقيّة وهو ما يطرح التساؤل بشأن ماهية هؤلاء المهاجرين وأسباب رغبتهم بالهجرة.


برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يشير في دراسة أجراها سنة 2020 حول المهاجرين غير النظاميين من الأفارقة، إلى أنّ متوسط أعمار المهاجرين لا يتجاوز 24 غالبيتهم من الذكور، حيث تتجاوز نسبة القادمين من المناطق الحضريّة في إفريقيا 85 بالمائة.


إلدّراسة كشفت أن المهاجرين من مستويات تعليمية أعلى من أقرانهم الّذين لا يفكّرون في الهجرة وهم إما كان لديهم عمل في وطنهم أو لا يزالون في طور الدراسة والتعلم.


وأشارت إلى أن التعليم المتزايد وسّع بشكل كبير آفاق الفرد وطموحاته باعتبار أنّ كثيرين منهم لديهم وظائف آمنة ومنتظمة.

وخلصت الدراسة إلى أنّ الأشخاص الذين يأتون إلى أوروبا هم أولئك الذين يكسبون بشكل أفضل مقارنة بمتوسط ​​السكان في بلدانهم الأصلية والذين لديهم مستوى عال نسبيا.