في مواصلة لكشف تفاصيل ضلوع أعوان عموميين في التهريب، يفتح موقع JDD TUNISIE صفحة أخرى من ملف مؤسسة وطنية ارتبطت خطوطها البرية بتواتر عمليات تهريب بإشراف بعض طواقمها. 

نتحدث عن الشركة الوطنية للنقل بين المدن التي تؤمن رحلات دورية بين أغلب المدن التونسية.

هواتف في قنوات التكييف

شهدت حافلات الشركة الوطنية للنقل بين المدن ما لا يقل عن 17 عملية تهريب لبضائع غير مرخّص لها بين 2015 و2016 فقط، وفق تقرير للتفقدية العامة بوزارة النقل واللوجستيك، حصل موقع JDD TUNISIE على نسخة منه، إثر مطلب نفاذ إلى المعلومة.

إحدى عمليات التهريب التي تم التفطن إليها تعود إلى 5 فيفري 2016، حيث تأكد ضلوع بعض طواقم الحافلة المؤمّنة لرحلة تونس – بن قردان في تهريب “كمية كبيرة من الهواتف الجوالة المخبأة داخل قنوات التكييف الداخلية للحافلة،” وفق تنصيص نفس التقرير.

فقد تناهى إلى مسامع أحد مراقبي الشركة الوطنية وجود بضاعة مهربة على متن الحافلة العائدة من بن قردان إلى تونس، وبالتنسيق مع أعوان الديوانة تم اعتراض الناقلة العمومية بمفترق أم التمر في مدنين، فخلص التفتيش إلى العثور على حوالي 400 علبة هاتف جوال مخبأة بإحكام داخل قنوات التكييف الداخلي.

وبعد حجز كل من كان في الحافلة والبضاعة المهرّبة، تم تحرير محضر ديواني بقيمة 75 ألف دينار ضد سائق الحافلة وقابضها ومحضر ثان بقيمة 200 ألف دينار ضد الشركة.

كل الظروف ملائمة..

تزامنت عملية التهريب مع تعطّل جهاز تحديد المواقع GPS المتوفر بالحافلة، في هذا السياق أشارت دراسة بعض الجداول المتعلقة بتقارير مسالك الحافلات خلال جوان 2016 إلى وجود عدة نقائص بمنظومة GPS، منها عدم الدقة في تحديد المسافة الحقيقية المقطوعة إذ سجل الجهاز قطع مسافة 227 لدى حافلة كانت متجهة من تطاوين إلى كوتين بمدنين، بينما لا تتجاوز هذه المسافة 60 كم.

كما شهدت رحلة تهريب الهواتف غياب رئيس محطة بن قردان وحارسها عند وصول الناقلة مع السادسة صباحا، وعدم إحكام إغلاق الباب الخارجي للمحطة بالإضافة إلى عدم تركيز كاميرات مراقبة داخلها.

كما لاحظ تقرير تكميلي صادر عن إدارة التفقد والتدقيق عدم حرص سائق الحافلة على تسليم قرص “التاكيغراف”، الذي يسجّل تفاصيل الرحلة، إلى مصلحة الجودة والسلامة إثر العودة من رحلة تونس – بن قردان، حركة اعتبرها مراقبو وزارة النقل مخالفة للإجراءات المعمول بها.

المقر الاجتماعي للشركة الوطنية للنقل بين المدن

كاميرات مهشمة وسلامة مفقودة

ورغم تحمّس الشركة الوطنية لرفع قضية في كل من سيكشف عنه البحث في عملية تهريب الهواتف من بن قردان، فقد تغافلت عن الإيقاف الفوري لسائق الحافلة، ما اعتبره الفريق الرقابي لوزارة النقل غير متماش مع جسامة الخطأ المقترف.

يذكر أن نقص إجراءات الأمن والسلامة قد فتحت الباب أمام العديد من أعوان الشركة أو غيرهم لاستغلال حافلاتها لتهريب أصناف شتى من البضائع بلغت حد تهريب الأسلحة من قبل مجموعة من الإرهابيين في 2012، انتهت بالقضاء عليهم في معتمدية بئر علي بن خليفة بصفاقس، جنوب تونس.

كما سبق لوحدات الحرس الوطني أن حجزت في أوت 2017 بضاعة مهرّبة (2510 علب سجائر و641 علبة شوكلاته و240 علبة مشروب منشط) بحافلة عمومية قادمة من مدينة قابس في اتجاه مدينة صفاقس.

رئيس مدير عام الشركة الوطنية للنقل بين المدن هشام العساس، أكد في تصريج لـ JDD TUNISIE تراجع ظاهرة ضلوع موظفي الشركة في التهريب في السنوات الأخيرة مقارنة بما قبل ثورة 2011، مشيرا إلى اتخاذ كل الإجراءات الإدارية والتأديبية والقانونية ضد كل من تسوّل له نفسه امتهان التهريب، وخاصة في صورة تكرار هذا الخطأ الجسيم.

وتحدّث في ذات السياق إلى تعمّد بعض الضالعين في التهريب تكسير كاميرات المراقبة داخل الحافلات لطمس معالم جرائمهم أو ربط اشتغالها بمحرك الحافلة حتى لا يتم التسجيل خلال إطفاء المحرك.

هكذا إذن تشهد سنة وحيدة من عمر الشركة الوطنية للنقل بين المدن 17 عملية تهريب تم التفطن إليها، عدا عمليات أخرى لم يتم اكتشافها، ما دفع بالعديد من الأعوان العموميين إلى تكرار هذه التجاوزات، مستغلين نقص الرقابة وضعف منظومات السلامة والأمن داخل الحافلات.