في إهدار للأموال العمومية وسوء التصرف في الموارد البشرية، تشهد وزارة التجهيز والإسكان والبنية التحتية انفلاتا لافتا في حضور أعوانها وإطاراتها، ما ينعكس على جودة الخدمات المقدمة ويتسبب في تعطيل مصالح مرتاديها.

فقد خَلُصَ ريبورتاج منجز من قبل موقع JDD TUNISIE صبيحة اليوم الجمعة بمقر الوزارة، وبالتحديد بين الساعة الثامنة، موعد دخول الموظفين، والساعة التاسعة، إلى رصد قدوم أكثر من 150 عون بالوزارة متأخرين إلى مكاتب عملهم. 

بتوقيت ساعة الوزارة وما جاورها..

حالما اقتربنا من شارع الحبيب شريطة الذي تتوسطه وزارة التجهيز، استقبلتنا ساعة أتوماتيكية بطولها الشاهق وألوانها المستوحاة من شعار الوزارة، متلحّفة بأزرق فاتح تخللته إشارات توجيهية للزوار، لم تسْلم إحدى عباراتها من خطأ في رسم الهمزة (كلمة استقبال تكتب بهمزة وصل لا قطع)، بينما توسّطها مستطيلان أسودان، خُصّص أحدهما للتوقيت والآخر للتاريخ، استقر فوقهما طريق أفعواني، ملتف حول بناية زرقاء. هو إذن شعار وزارة التجهيز والإسكان والبنية التحتية.

هذه الساعة التي يبدو أنها قد اعتادت على النسق اليومي لأعوان التجهيز فباتت تتشبّه بهم، قد فقدت دقة توقيتها ليصبح الفارق بينها وبين توقيت تونس وما جاورها أربع دقائق كاملة.. على هذه الساعة عدّلنا توقيتنا لتوثيق موعد دخول منتسبي الوزارة.

على يمين الساعة يقع مكتبا فسيحا بأبوابه البلورية الملساء ونوافذه الحديدية المتشابكة، كتب عليه “مكتب الاستقبال”، وهو مخصص لاستقبال الزوار وطالبي خدمات الوزارة. 

في واجهة هذا المكتب عُلّقت لافتة سوادء توضّح توقيت عمل الوزارة، حيث تنطلق الحصة الصباحية يوم الجمعة بداية من الثامنة.

معلقة الوزارة تنص على انطلاق الحصة الصباحية ليوم الجمعة مع تمام الساعة الثامنة

كانت هذه الساعة المرابطة أمام وزارة التجهيز تشير إلى تمام الثامنة صباحا حين انطلقنا في مراقبة حركة توافد أعوان الوزارة بين مترجّل ومستقل لدراجته النارية وممتط سيارته الخاصة ومستغل لسيارة وظيفية أو إدارية.

وحان قدوم المتأخرين..

لم يطل انتظارنا كثيرا ليطالعنا، بعد حوالي ثلاث دقائق موظفين اثنين متجهين نحو الباب الرئيسي المفتوح على مصراعيه للالتحاق بمكاتبهما، كانا يحثّان خطاهما بينما التحق بهما موظف ثالث. توقفوا لبرهة لإلقاء التحية على حارس الوزارة ثم دلفوا متوجهين كل إلى سبيله.

مع تمام الثامنة وعشرين دقيقة ارتفع عدد المتأخرين عن موعد انطلاق العمل إلى 65 عونا من بينهم 55 شخصا كانوا على متن سيارات إدارية و7 أعوان على متن سيارتهم الشخصية و3 نساء نزلن من سيارات تاكسي.

في حدود الثامنة والنصف ارتفعت وتيرة الأعوان القادمين على عجل، فقد علا ضجيج السيارات الإدارية التي كانت تضطر لتخفيف سرعتها قبل أن تستدير نحو الباب الرئيسي، جراء منخفض هائل يشق الطريق المؤدي إلى الوزارة.

تنوّع الأسطول المستعمل بين سيارات فرنسية، قديمة الصنع، وأخرى ألمانية وثالثة يابانية ورابعة على شاكلة شاحنات خفيفة وخامسة محلية الصنع. 

كان أغلب الأعوان يكتفون بإشارة خفيفة إلى حارسي الوزارة قبل الانعطاف يمينا أو يسارا لركن سياراتهم.

أحد أعوان وزارة التجهيز بصدد دخول مقر الوزارة مع الساعة التاسعة والربع

غفل الأعوان وانتبه الحارس..

مرابطتنا لأكثر من ساعة أمام الوزارة ومداومتنا على تنويع أماكن رصد قدوم الموظفين وإصرارنا على اقتناص العديد من الصور، لم تجلب انتباه الأعوان المتأخرين بقدر ما لفتت انتباه عوني الحراسة. 

وبعد حوار خافت بينهما، قصدني أحدهما سائلا: “لاحظنا أنك أمام الوزارة لمدة طويلة نسبيا، ما الحكاية؟” أجبته: ” أنا بصدد انتظار أحدهم.” وبالفعل، يبقى هذا الانفلات وهذه اللامسؤولية في انتظار أحدهم لفرض الانضباط وإرساء النظام وبعث روح جديدة في وزارة مؤتمنة على أهم ملف ثلاثي الأبعاد، وهي التجهيز والإسكان والبنية التحية.

واصلنا توثيق توافد أعوان التجهيز إلى حدود الساعة التاسعة صباحا، لتكون الحصيلة قدوم 140 سيارة إدارية و 12 عونا على متن سياراتهم الشخصية و10 أعوان دون وسائل نقل، متأخرين بأوقات متفاوتة.

انحرافات بررتها موظفة بالوزارة، خلال حديث خاطف معها، باعتماد الإدارة لتوقيت غير معلن للعموم، يتيح للأعوان القدوم في أوقات مختلفة دون التأثير على نسق عملهم اليومي.
وأردفت: “ذلك التوقيت المعلن عنه بواجهة مكتب الاستقبال لا يلزم إلا هذا المكتب المخصص لاستقبال المواطنين.”

إدعاءات دحضها مرافق أحد المقاولين، التقيناه أمام الوزارة، ليشدد على معاينته لأكثر من مرة حرص أحد الموظفين على ضرورة انتظاره الى حدود التاسعة والنصف، موعد التحاقه بعمله، لتسلم إحدى الوثائق.

وما إن فرغنا من مهمتنا، توجهنا إلى ديوان وزير التجهيز، باحثين عن أجوبة شافية لهذا الكم الهائل من الموظفين غير المنضبطين للإجراءات الإدارية، فكانت إجابة المكتب الإعلامي بالوزارة أن وزير التجهيز غير موجود حاليا لأنه في وزارة الشؤون المحلية والبيئة التي يشرف عليها بالتوازي مع وزارة التجهيز منذ تعطّل عملية التحوير الوزاري وأن رئيس ديوانه في اجتماع. حينها اقترح علينا إرسال أسئلتنا إلى الوزير وانتظار إجابته.

يذكر أن موضوع هذا الريبورتاج قد خامرنا بعد حصولنا على59 تقرير تفقد من وزارة التجهيز، إثر سنتين من التقدم بمطلب نفاذ إلى المعلومة. وبتفحصنا لموضوع مهمات التفقد، اكتشفنا أن موظفي مقر وزارة التجهيز قد تم استثناؤهم من الرقابة، أو ربما اختارت إدارة الوزارة عدم تمكيننا من هذه التقارير، فقررنا تسليط الضوء على إدارة الموارد البشرية صلب الوزارة نفسها.