قلتها وكتبتها منذ أكثر من شهرين، هذه الحكومة لا يمكن أن تواصل واستمرارها سيؤدي إلى كارثة اقتصادية واجتماعية.
لا أتحدث هنا عن الخلفية السياسية للأزمة التي قد نختلف في تشخيصها وعن المسؤول عنها، وإنما أتحدث عن المستوى التقني والمهني للحكومة بأعضائها ورئيسها ولعل أكبر مؤشر على محدوديتها (وخطورتها) هو مستوى إدارتها لأزمة الكوفيد وكارثة التلاقيح.
لا أذيع سرّا، إذا قلت بأن صندوق النقد الدولي لم يشترط رفع الدعم، أعيد وأؤكد ….. الصندوق لم يشترط رفع الدعم عن المواد الأساسية ببساطة لأن عقيدة الصندوق بعد أزمة الكورونا تغيّرت و تم تحيينها لتصبح المسألة الاجتماعية أولى أولويات الصندوق 
يعي الصندوق جيدا أن رفع الدعم سيؤدي حتما إلى انهيار السلم الاجتماعية المهزوزة أصلا بعد الجائحة وسيعيد إلى الأذهان والميادين ما وقع من انتفاضات عارمة في مصر  والمغرب وتونس والأردن في الثمانينات،
بلغة أوضح، تقنيّا حافظ صندوق النقد الدولي على البند المتعلق بالتوصية برفع الدعم ولكن بدون أن يتمسك به خلال المفاوضات وعلى الحكومات المعنية أن تفهم “روحها” وتلتقط التلميحات وتقدم إجابات معمقة على بقية البنود والشروط والتوصيات، وربما تكتفي ببعض الزيادات الرمزية لرفع الحرج.
من نوائب الأمر أن حكومتنا العتيدة فعلت العكس تماما: قدمت في واشنطن وثيقة هلامية حول اصلاح المؤسسات العمومية وكتلة الأجور وأسعار الطاقة بدون أرقام ولا جدول زمني ولا آليات ولا بيانات ولا أهداف واضحة ……. وفي المقابل فصّلت كل ما تنوي فعله في مسألة رفع الدعم عن المواد الأساسية أو ما تسمّيه بتوجيه الدعم إلى مستحقّيه…… بكل بساطة لأن هذه الحكومة لا تملك أي تصور لا اقتصادي ولا مالي ولا تنموي ولا أي شيء، واختارت أسهل الحلول الذي لا يستحق أدنى جهد أو اجتهاد او خلق أو إبداع : رفع الاسعار
ربما لا يعلم السادة وزير المالية ورئيس الحكومة أن فلسفة الدعم هي إحدى أعمدة المنظومة الاقتصادية|الاجتماعية وحتى السياسية والأمنية التي قامت عليها الدولة في تونس  منذ نصف قرن: الاقتصاد منخفض التكلفة
هذا الاقتصاد يعتمد أساسا على توفير يد عاملة منخفضة الأجر وسلع وخدمات تنافسية قليلة الجودة وقليلة الثمن
كل ذلك في مقابل سلّة من الامتيازات الاجتماعية أهمها دعم الأسعار والخدمات العمومية لتكون شبه مجانية لعموم الشعب(نقل،صحة، تعليم، ماء، كهرباء،غاز، تطهير….)
الأمر أيها السادة  لا يعني فقط، مجموعة من العائلات المعوزة (تعجزون إلى اليوم عن تعدادها) بل يهم شرائح واسعة من المواطنين والمهن والخدمات والقطاعات يُعتبر هذا الدعم جزأ من دخلها ونشاطها
أيها السادة، لا يمكنكم أن تلغوا الدعم بدون أن تُحرّكوا نحو الأعلى وفي نفس الوقت مستوى الأجور ومستوى وثمن الخدمات ومستوى الاقتصاد وهو ما يعني بالضرورة تغيير كامل المنوال السائد من اقتصاد “الرخْص والبُخس وقلّة الفرص” إلى إقتصاد الجودة والقيمة العالية والتحرر بكل ما يعني ذلك من عمق وتدرٕج وتخطيط و و و….