في حوار لمجلة “المفكرة القانونية” تحدث رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي عن تصوّره للعدالة الانتقالية.
تبدو العدالة الانتقالية في تونس مقبلة على تطورات هامّة في المستقبل القريب، نظرا للاستحقاقات التي فرضها انتهاء عمل هيئة الحقيقة والكرامة، وبفعل زيادة حدّة المجتمع بشأنها.
في إطار هذا السياق المتحرّك، كشف راشد الغنوشي عن مواقف عدّة، خاصّة فيما يتعلق منها بعمل الدوائر المتخصصة للعدالة الانتقالية والمحاكمات التي تتمّ اليوم وفقها، علاوة على ما ذكر من تفاصيل لم تكن معلومة سابقا عن مشروعه للمصالحة الشاملة.
وقد بيّن رئيس حركة النهضة في هذا السياق حول مخرجات العدالة الانتقالية باعتبارها تجربة متواضعة، إذ لم يتمّ إنصاف الضحايا ولا المنسوب لهم الانتهاك تمّت محاسبتهم، فكل ما تحقّق في الواقع هو نوع من إعادة كتابة التاريخ من خلال الاستماع إلى الضحايا وإقرار حقّهم في التعويض بموجب مقرّرات جبر ضرر لم تنفّذ.
واعتبر أن هذا العمل مهمّ حتى وإن كان منقوصا، فمعظم أبناء المساجين حرموا من حق الدراسة في ظروف عادية تمكّنهم من النجاح وبعضهم يعيش، جرّاء ما تعرّض له من ضغط حتّى الآن، ظروف صعبة مادياً ومعنوياً. على حدّ قوله
وعبّر راشد الغنوشي عن اعتراضه على المنهج الذي اعتمد في إطار العدالة الانتقالية، مبيّنا أن تصوّره كان قائما على أربعة أمور، الاكتفاء بالكشف عن الحقيقة حتى لا تتكرّر المآسي من خلال البحث عمّا حصل وكيف حصل ذلك إلى جانب دعوة المنسوب لهم الانتهاكات الجسيمة للاعتذار و حثّ الضحايا على العفو، كذلك تولّي الدولة إعادة الاعتبار للضحايا مادياً ومعنوياً لكونها مسؤولة عمّا لحقهم من ضرر.
و عاد راشد الغنوشي على المحاكمات المتواصلة لرجالات النظام السابق فقال “الأخطر من كلّ هذا أنّ الدوائر المتخصّصة في العدالة الانتقالية لا تحترم قواعد المحاكمة العادلة لعدم قابلية أحكامها للاستئناف ولكون من يتّهمون أمامها حوكموا لأجل الفعلة نفسها أكثر من مرة.
فقد كان المطلوب معالجة أفضل للملف تنتهي بتجاوز ما يطرح من استحقاقات لن تستفيد الضحية بشيء من موت شرطي في السجن…
ليختم كلامه بالقول “هذه المحاكمات زائدة وغير مجدية لأنها لم تكشف الحقيقة ولم تنصف الضحايا أنا لا يعجبني التشفّي والانتقام. أنا بكلّ بساطة شعرتُ أنّنا نتوارث الأحقاد وهذا لا ينفع المجتمعات صحيح نحن ضحايا ولكن لا نريد أن نورث أحقاداً جديدة.
وحول المبادرة أشار الغنوشي إلى أنه “عارض كثيراً من الإجراءات ومنها قانون المصادرة كان من الممكن التعاطي مع قضايا الفساد الماليّ بأسلوب آخر، منه ترك الأموال لأصحابها وتحميلهم مسؤولية دفع تعويضات عمّا سبق من خطأ منهم.
مصادرة شركات ومؤسسات كانت سابقاً تنتج وتشغّل، لم تنتفع منه المجموعة الوطنية، وتحوّل إلى ملف فساد كبير ودليل فشل في الإدارة”.
وعاد الغنوشي إلى الصراع بين النخب التونسية والنهضة في علاقة بمسألة الاعتراف والتعويضات “هناك حالياً أزمة أخلاقيّة تجاه المناضلين الذي أمضوا شبابهم في السجون والمطاردة والملاحقة والمنافي وعانوا الإقصاء الاجتماعي وغيرها من المظالم بعد انكسار الطغيان، لم يَعترف قطاع من النخبة التونسية بحقوق هؤلاء من منطلق إيدولوجي وحساسيات سياسية. لقد أنكر هؤلاء، وكانوا مؤثّرين، حقوقهم وحقّروا دورهم في تحقيق الثورة والانتصار لها.
لا بدّ من حلّ لهذه المظلمة المستمرّة، يكون منطلقه الاعتراف بحقوق الضحايا معنوياً أساساً ومادياً حسب الممكن ومن لا نقدر على تعويضه مالياً، نكرّمه بخطوات فيها ردّ اعتبار له واعتراف بتضحياته ربّما تكون تلك الأمور الرمزية مهمّة جدّاً لهم ولأسرهم.
لا بدّ أن نقبل بتونس متعددة ولا ننكر إسهام أيّ طرف في بنائها. القطيعة فكرة خطرة تجعلنا كما لو كنّا في جهنم: “كلّما دخلت أمّة لعنت أختها”.
وفي علاقة بكتابة التاريخ قال الغنوشي “لا يجب أن يسود هذا المنطق في كتابة تاريخ وطننا من واجبنا أن نسجّل لدولة الاستقلال ورجالاتها إنجازاتهم وأن نعترف للمناضلين ضدّ الاستبداد بفضلهم وبحقوقهم فلولاهم، لاستمرّت المحاكمات السياسية الجائرة التي لا تخلو منها فيما مضى أي سنة من السنوات.
نحن مع قراءة موضوعية ومنصفة للتاريخ تكون مؤسّسة وتقطع مع الثنائيات السائدة والتي تقسم المجتمع إلى وطنيين وخونة وديمقراطيين وإخوانجية.