رغم أنّ تونس تعدّ من أوّل البلدان التي ألغت العبوديّة في 23 جانفي من عام 1846، ووقّعت الاتفاقيّة الدوليّة للقضاء على كلّ أشكال التمييز العنصريّ منذ عام 1969، إلاّ أنّها ما زالت تسجّل حوادث للتمييز العنصريّ ضدّ أصحاب البشرة السوداء والأفارقة من دول جنوب الصحراء من قبل السكّان المحليّين، وهو الأمر الذي دفع بجمعيّات حقوقيّة إلى مطالبة البرلمان التونسيّ بالتسريع في المصادقة على قانون يجرّم التمييز العنصريّ.


حادثة الصدامات في حي الأنس بمدينة صفاقس، الاثنين 14 جوان، بين تونسيين وأفارقة من دول جنوب الصّحراء، انطلقت شرارتها الأولى إثر رفض أحد المواطنين تسويغ منزله لعائلة مهاجرة، وتعالت على إثرها أصوات حقوقيّة أكّدت تواصل تعرّض البعض من أصحاب البشرة السوداء إلى الهرسلة أو العنصرية بسبب لون بشرتهم وأشاروا إلى أنّ التونسيين يتعاملون معهم بشيء من التحقير والتعالي.


في عام 2018 ، كانت تونس أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تسن قانونا يعاقب التمييز العنصري ويسمح لضحايا العنصرية بالتماس الإنصاف عن الإساءة اللفظية أو الأفعال العنصرية الجسدية ضدهم، إلّا أنّ هذا القانون لم يُطبّق على أرض الواقع بالكيفية المطلوبة وفق عديد الملاحظين مع تواصل حوادث التمييز العنصري.


الميز العنصري

أفادت سعديّة مصباح رئيسة جمعية منامتي الناشطة في مجال محاربة العنصرية في تصريح لموقع JDD Tunisie بأنّ سنّ قانون يجرّم العنصريّة دليل على أنّ التّمييز على أساس اللون أو العرق مازال يُمارس في حياتنا اليومية.


وأضافت سعدية مصباح أنّ قانون تجريم العنصرية يعاني نقائص عديدة أبرزها عدم حماية المبلّغين وكل من يقدّم شكوى عن تعرّضه لمضايقات عنصريّة، واشتراط وجود شهود على أي إساءة تعرّض لها الشاكي، إضافة إلى غياب تعريف واضح لضحايا التّمييز.

عنصريّة ممنهجة

أشارت سعدية مصباح إلى أنّ الميز العنصري وصل إلى مواقع التواصل الاجتماعي من خلال صفحات ومجموعات فايسبوكية تدعو إلى طرد التّونسيين من أصحاب البشرة السّوداء والأفارقة من دول جنوب الصّحراء من تونس،


وأكّدت أن هذه المجموعات تقول إنّ “شمال إفريقيا لأصحاب البشرة البيضاء ولن يسمحوا أن يصبح للسّود” وفق قولهم.


ولاحظت أنّ هذه “الحملات ممنهجة” تقودها أطراف مجهولة تدعو إلى التفرقة بين أبناء البلد الواحد والمؤسف في الأمر انخراط عدد كبير من المواطين في هذه المؤامرات وتبنيهم لأفكار عنصرية.

أمثلة عن الممارسات العنصرية في تونس

الأمثلة عديدة

ذكرت محدثتنا أنّ عديد الملفّات تصل إلى مكتب جمعية “منامتي” أغلبها تتعلق بإساءات لفظية تصل حد الاعتداء بالعنف، ويتمثّل العنف اللفظي بالتذكير بأصل المواطنين السّود وتاريخهم وطريقة جلبهم إلى شمال إفريقيا عبر قوافل العبيد للعمل في الأراضي الفلاحية والمنازل.

كما أشارت إلى تعرّض آخرين إلى الاعتداء المادّي والجسدي ورفض مؤجّريهم الاعتراف لهم بحقوقهم المادية وخلاص أجورهم عن أعمال أنجزوها مشيرة إلى أنّ أغلب العاملين لا يتحصلون على مقابل مادي لأعمالهم وإنّما يقعون ضحية مساومات عن مقر سكنهم، والّذي يكون في الغالب غير لائق، وأيضا بعض الفتات للأكل.

إرث بغيض

أفاد الأستاذ في علم الاجتماع عبد الستار السّحباني في تصريح لموقع JDD Tunisie أنّ العبودية انتهت في تونس منذ قرار إلغائها كشكل قانوني في 1846 إلّا أنّها اتّخذت أشكالا اجتماعية وثقافيّة أخرى وهو ما يتجلّى في اضطرار تونس إلى سنّ قانون آخر لتجريم العنصرية بعد أكثر من قرن ونصف من القانون الأوّل.

وأضاف السّحباني أنّ نسبة التّونسيّين من أصحاب البشرة السوداء تتراوح بين 10 و15 بالمائة، ظلّوا لسنوات طويلة يعانون من نظرة دونيّة من أبناء بلدهم وهو ما يفسّر قلّة ظهورهم في مراكز القرار والمناصب السيادية والقنوات التلفزية وتجدهم يعملون في المقاهي وفي الفرق الموسيقية الشعبيّة.

وفسّر هذا بأنّ تونس “تخجل” من انتمائها إلى قارّة إفريقيا وأنّ كثير من التونسيين لديهم “عقدة” من هذا الانتماء ويعتبرون النّموذج الأوروبي المثال الّذي يجب اتباعه.

جانب هام من التونسيين يرفض العبودية

ممارسات يومية

أكّد عبد الستّار السحباني أنّ العنصرية لدى التونسيين تتجلى في ممارساتهم اليومية، فمن الصعب مثلا أن نجد تونسيا يفكر في الارتباط بتونسية من أصحاب البشرة السّوداء، إضافة إلى الفكرة السلبية الّتي لدى الأغلبية بشأن سلوك الرّجل الأسود وقيمة المرأة السّوداء.

وتابع “ارتفعت مظاهر العنصرية في تونس بعد الثورة باعتبار أن تونس أصبحت أرض عبور للمهاجرين الراغبين في الوصول إلى القارّة الأوروبية، كما عانى الطلبة من دول إفريقيا جنوب الصحراء من العنصرية ما يفسّر تراجع أعداهم بشكل مهول خلال السنوات الأخيرة”.

الأمثلة الشّعبية

من جانبه، يرى الباحث في علم الاجتماع معاذ بن نصير في تصريح لموقع JDD Tunisie أن الأمثلة الشعبية تكرّس العنصرية بصفة كبيرة بين أطياف المجتمع التونسي من خلال توريث تلك الأمثلة من جيل لآخر حتى تصبح حقيقة في بعض الأحيان.


وقال “تلعب الامثلة الشعبية دورا في تكوين شخصية الطفل والناشئة وتمثله لبعض القضايا والإشكاليات المحيطة به مثل المسألة العرقية والجنسية والطائفية، فقد نزرع في أبنائنا عدم تقبل الآخر المختلف عنا حتى بلون البشرة بتعلة أنه ليس مثلنا و لا يتطابق معنا، فما حصل ليلة البارحة من تعاليق عنصرية بشأن حادثة المهاجرين الأفارقة بصفاقس، يبين أننا مازلنا إلى الآن ذلك المجتمع المتغوّل في الخطاب العنصري و الإقصائي المقيت.

وتابع “الأتعس أن نجد بعض الأولياء يقدمون صورا سلبية لأطفالهم أساسها الإقصاء و التمييز و جعل الآخر الذي لا يشبهنا عدوّا، فعلى سبيل المثال، قطعة الحلوى التي يشتريها الأطفال نسميها “راس العبد” لأنّ لونها أسود، وإن فعلنا شيئًا مخجلًا قلنا “اسوّد وجهي” ، فمفهوم اللون الأسود يُوظّف بطريقة سلبية للأفعال التي قد تخرج عن السياق العام المتعارف عليه و العكس نجده إذا قمت بفعل جيد “بيضتلي وجهي”.

تفرقة لونيّة

أشار معاذ بن نصير إلى أنّ التفرقة اللونية قد تكون السبب في التمايز على أساس اللون فيما بعد، كأن نقول “لبّس الأسمر أحمر واضحك عليه”، ونقول في استعباد الناس “شراية العبد ولا تربايته” ونردد في كلّ مناسبة “لا تَشْتَرِ العَبْدَ إلاّ وَالعَصَا مَعَهُ/ إنّ العَبيدَ لأنْجَاسٌ مَنَاكِيدُ” وكأنّ العبوديّة شيء عادي في أيامنا.

وشدّد على ضرورة الإقرار بأن العنصرية في البلدان الغربية لا تقل قبحًا عن نظيرتها في البلدان العربية، فالعنصرية في تونس هي “ظاهرة مسكوت عنها تمنعنا التقاليد والعادات من الخوض فيها”، لكن في البلدان الغربية “يشجّع المحيط الديمقراطي على معالجته والحديث عنه”.

واستخلص “نحن لا نعتمد أسسا تربوية صحيحة لأطفالنا ويجب التخلّي عن العديد من الأمثلة الشعبية حتى لا نقع في منطق التعصب و العنصرية و الجهوية المقيتة، كما يجب على الأسرة أن تزرع داخل سلوكيات أبنائها مدى أهمية تقبل الآخر كإنسان بعيدا عن التفرقة بحسب لون البشرة أو العرق أو الدين ، إضافة إلى ذلك، ضرورة أن يعمل المجتمع المدني على تأثيث ندوات و محاضرات داخل المدارس و المعاهد و الفضاءات العامة بشأن هذا الموضوع.