سواء كان الأمر نقصا غير مبرر أو فوارق لافتة بين المخزون المادي والنظري أو استهلاكا مفرطا في بعض قطع الغيار، هو في نهاية الأمر سرقة موصوفة ومخطط لها للعشرات من قطع غيار الحافلات العمومية بشركة نقل تونس.
هذه الجرائم أكدتها إدارة التفقد العام لشركة الحافلات الصفراء منذ 2019 ودعّمها تقرير مراجع الحسابات.
ممتص صدمات دون إذن بالخروج
في 22 جانفي 2019 ، وبينما كان حارس المغازة المركزية للحافلات بالشرقية، العائدة بالنظر لشركة نقل تونس، في عملية تفقد روتينية لإحدى الحافلات، تفطن لممتص صدمات “Amortisseur” مخبأ تحت الكراسي الخلفية للحافلة التابعة لإقليم باب سعدون.
وبعد تحرّي إدارة التفقد في الموضوع، تبيّن أن قطعة الغيار لم تحصل على إذن بالخروج، ورغم عمل بعض مسؤولي إقليم باب سعدون على تسوية وضعية هذه القطعة بتاريخ سابق، فقد خلص فريق التفقد إلى عدم وجود رمز هذه القطعة بمنظومة التحويل الداخلي.
هذه القطعة غير المصرّح بخروجها ليست سوى عيّنة من عشرات القطع الأخرى التي تم السطو عليها بطريقة أو بأخرى من المغازة المركزية رغم الحراسة المشددة والإجراءات الصارمة بهذه الإدارة العمومية.
فقد أجمع بعض حراس المغازة الذين تم سماعهم من قبل إدارة التفقد، على “اكتشافهم في عديد المرات تجاوزات متعلّقة بعدم التطابق بين الكميات المصرّح بها وتلك الموجودة فعليا بوسيلة النقل سواء بالزيادة أو بالنقصان، وتفطنهم لوجود قطع غيار متنقلة من المغازة المركزية إلى المغازات الفرعية دون إذن بالخروج.
وأكدّت نتائج للجرد المادي للمغازة المركزية بالشرقية في مارس 2019 إلى تبخر 98 قطعة قدرت قيمتها الجملية بقرابة 19 ألف دينار ، وفق تقرير للتفقد حصل JDD TUNISIE على نسخة منه.
وتتمثل هذه القطع في بطاريات وممتص للصدمات ومضخات وضواغط توربو وأسطوانات فرامل ومجففي هواء وغيرها.
وتنص الإجراءات الداخلية على مراقبة وسائل النقل المخصّصة لشحن ونقل قطع الغيار من المغازة المركزية عند خروجها من قبل أعوان الحراسة مع التثبت من وجود إذن بالمرور “Laissez – Passer” ثم جرد الكميّات المنقولة ومقاربتها مع تلك المصرّح بها بوصولات التحويل الداخلي.
مخزون سائب..
لدى معاينة مقر المغازة المركزية بالشرقية من قبل أعوان التفقد، تبين أن العديد من النوافذ المركزية مفتوحة ودون حواجز حديدية ويمكن الوصول إليها عبر أسطح مباني مجاورة مع اكتشاف وجود بعض الصناديق الكرتونية المغلّفة لقطع الغيار ملقاة فوق الأسطح المحاذية.
من جهة أخرى لاحظ فريق التفقد أن العدد الكبير للقطع المسروقة (98 قطعة) يصعب إخراجه من النوافذ العلوية للمغازة المركزية، نظرا لكبر حجم بعض هذه القطع.
كما أشار تقرير التفقد إلى أن هذه الكمية من القطع تتطلب مدة زمنية طويلة وإمكانيات مادية وبشرية هامة لإخراجها من المغازة، لذلك يرجح الفريق الرقابي إمكانية ضلوع بعض أعوان المغازة المركزية والمغازات الفرعية في تسريب بعض القطع للتفريط فيها بالبيع والاستفادة من أثمانها.
من جهته يشدّد مراجع الحسابات في تقرير له عن أنظمة الرقابة الداخلية بشركة نقل تونس لسنة 2018، على جملة من النقائص المتعلقة بالتصرف في المخزون صلب شركة نقل تونس، من بينها:
- عدم حرص الشركة على استخراج قائمة يومية في تحركات المخزون و إمضائها من قبل المسؤولين على المغازات.
- عدم استجابة الإجراءات المتبعة للتخزين على مستوى بعض المغازات لمقومات السلامة والحفظ الضرورية.
- عدم تكوين الأعوان في التصرف في مخزون الوقود والزيوت
- عدم توثيق عملية تدقيق كمية الوقود في خزانات الحافلات قبل استلامها
- عدم إجراء عمليات تدقيق فجئي للمخزون
هذه الإخلالات من شأنها فتح المجال لأخطار السرقة وإتلاف المخزون، مع المساهمة في ظهور فوارق بين المخزون المادي والنظري، خاصة وأن العديد من أعوان الحراسة بالمغازة المركزية المفترض إشرافهم على مراقبة الكميات المسلمة، لا يتقنون القراءة والكتابة.
موقع JDD TUNISIE حاول الاتصال بالمكلف بالإعلام بشركة نقل تونس محمد الشملي، للاستفسار عن مآل ملف قطاع الغيار المسروقة، دون أن يوفق في التواصل معه.
هكذا إذن يساهم بطء الإدارة العامة لشركة نقل تونس في تفادي مختلف الإخلالات المتعلقة بالتصرف في قطع الغيار وغيرها من الأصول، في تمادي البعض في الإستيلاء على المئات من قطع الغيار، في فترة تعاني فيها الشركة من أزمة مالية خانقة.