أثارت تحرّكات بعض الضباط السامين السابقين تحفّظات ومخاوف شق من الطبقة السياسين معتبرين أنّها قد تشكّل خطرا على المسار الديمقراطي ومنعرجا خطيرا قد يقوّض مدنيّة الدولة.

خطاب يتماهى مع خصوم الرئيس

في هذا الإطار، صرّح الأستاذ بكليّة العلوم القانونيّة والاقتصادية والتصرّف بجندوبة، والباحث محمد الصحبي الخلفاوي لـ”JDD Tunisie”، اليوم الثلاثاء 1 جوان 2021، أنّ تدخّل الجيش الوطني في قمع التحركات الاحتجاجية سنوات 1987 و1984 و2011 وغيرها من المحطّات كان في إطار الخضوع للسلطة التنفيذيّة المدنيّة ولم يكن حينها يمثّل طرفا.
وأضاف الخلفاوي أنّ السياق الآن مختلف حيث لا يمكن منع أي مواطن من ممارسة السياسة مع العلم أنّ الصفة أو الرتبة العسكريّة تنتفي عن صاحبها بمجرد تقاعده وبالتالي يصبح مواطنا ويحق له مايحق لغيره.
وتابع أن الإشكال في الضباط الذين وجهوا رسالة إلى رئيس الجمهورية أو الأميرال كمال عكروت الذي نشر بيانا إلى الرأي العام، أنّهم جميعا مازالوا يقدمون أنفسهم بالرتب العسكريّة كما يتبنّى الإعلام ذلك مشيرا إلى أنّ ذلك يعطي انطباعا أنّ للمؤسسة العسكرية موقفا من الأزمة خاصة عندما يتحدّث هؤلاء باسم “رفاق السلاح”، وفق قوله.



وشدّد محدّثنا على أنّ إقحام العسكر في الشأن السياسي انطلق مع رئيس الجمهورية قيس سعيد الذي وجه خطابا سياسيا أمام عسكريين في 15 ماي 2020 وجعل من المؤسسة العسكريّة جهازا تنفيذيا موازيا عندما عهد إليها بمشروع المدينة الصحية بالقيروان ومستشفى الأورام بقابس معتبرا ذلك خطرا حقيقيا.

وقال إنّه في الواقع لو أُنجز سبر آراء لصوّت أغلب التونسيين بالموافقة على أن يمسك الجيش الوطني بزمام الأمور مما جعل بعض الأطراف تلعب على هذا الوتر لما تتمتع به المؤسسة العسكرية من ثقة وشعبية لدى العموم مؤكّدا على خطورة ذلك لأنه ليس كل مايريده الشعب صالحا وقد يفسد في الآن ذاته السياسة والعسكر.
وفسّر الخلفاوي أنّه بالنظر إلى خطاب هؤلاء الضباط، من بينهم الأميرال المتقاعد العكروت، لا يمكن اعتباره سياسيا لأنه أجوف وفارغ، بلا أسس، على حدّ تعبيره، مضيفا أنّ كل تحركات الضباط السالف ذكرها تتسم بتحميل المسؤولية لرئيس الجمهورية فقط مع إعطائه خارطة طريق وأوقات تنفيذ في حين أنه رئيس منتخب ديمقراطي رغم حمله لصفة القائد الأعلى للقوات المسلحة مما يعطي نوعا من التماهي مع “أعداء سعيّد” أي حركة النهضة بالأساس.

وأشار إلى أن الضباط المتقاعدين أكّدوا في أكثر من مناسبة أنهم لا ينتمون تنظيميا أو فكريا إلى أي طرف سياسي في حين أنه لا يمكن قراءة نواياهم إلّا من خلال النصّ الناطق بذاته والذي يشير إلى تقارب في المواقف مع خصوم الرئيس.

بعيدة عن التجاذبات ومحايدة

من جهته، أكّد العميد المتقاعد، مختار بن نصر، الذي أمضى على الوثيقة الموجّهة إلى رئيس الجمهورية، لـ”JDD Tunisie”، أنّ المؤسسّة العسكرية محايدة وبعيدة كلّ البعد عن التجاذبات السياسية وتشتغل وفقا لمقتضيات الدستور الذي حدّد مهامها وشدد على حياديتها، وفق قوله.

وأضاف بن نصر أنّ هناك فرقا بين الخطّة أو الرتبة العسكرية من جهة والصفة من جهة أخرى، فالأولى يتخلّى عنها العسكري بمجرد تقاعده ولا يحق له لبس الزي العسكري منذ تلك اللّحظة في حين أن صفة (عسكري متقاعد) منصوص عليها ببطاقة التعريف الوطنيّة وتلازم صاحبها مدى الحياة.




وفسّر أنّ الضباط المتقاعدين وقعّوا الرسالة بصفاتهم حتّى يتعرّف عليهم قارئها مشيرا إلى أنّه بعد مضي 5 سنوات على التقاعد يحقّ للعسكري الخوض في الشأن السياسي والانتماء للأحزاب كمواطن يتمتع بجميع حقوقه المدنيّة.
وتابع محدّثنا أنّ البيان حمّل المسؤولية جزئيا إلى رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى جانب بقية الأطراف في المقابل حمّل الضباط أمانة مستقبل البلاد باعتباره الضامن للدستور ورئيس مجلس الأمن القومي والقائد الأعلى للقوات المسلحة لذلك أعطاه الموقعون قيمة اعتبارية لأنه الوحيد القادر على التجميع على عكس البرلمان الذي يعرف عدة تجاذبات وخلافات والحكومة التي يعتبر نصفها معطلا، حسب قوله.
وقال إنّ هذه الرسالة أسيئت التأويل من قبل المصطفّين الذين لديهم حساسية مسبقة من العسكر ومازالوا يفكرون في العمل السري والاستعلامات وهي أفكار تجاوزها الزمن في حين أنّه قانونا وأخلاقا يمكن لأي عسكري متقاعد الانخراط في أي حزب وإعلان ذلك للعموم.

وتابع محدّثنا أنّ عدّة مبادرات وملتقيات أنتجت أفكارا مختلفة هدفها تجاوز الأزمة لذلك فإنّ التقاء الحلّ الذي قدمه الضباط السامون مع أي حزب أو تيار أو طرف لا يدعو للخوف أو القلق، وفق قوله.