بقلم العميد عبد الستار بنموسى
2)مدى تفعيل الاصلاحات البنكيّة وجدواها في دعم التنمية:
إن إصلاح المنظومة البنكية بغاية جعلها عنصرا فعالا في تحقيق التنمية الاقتصادية والرفاهة الاجتماعية يكتسي أهمية قصوى خلال المرحلة الانتقالية، كما أن إصلاح البنك المركزي كسلطة إشراف على القطاع البنكي يشكل مسألة أولية و أساسية.
لقد أقرّ مجلس نواب الشعب إصلاحات جوهرية لفائدة القطاع البنكي من خلال مصادقته عل القانون عدد 35 لسنة 2016 المؤرخ في 25 أفريل 2016 المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي. كما صادق على القانون عدد 48 لسنة 2016 المؤرخ في 12 جويلية 2016 والمتعلق بالبنوك والمؤسسات المالية ما عدى التي تمارس نشاطها بمقتضى القوانين الخاصة بها أو المؤسسات المالية الدولية أو نيابتها ووكالات التعاون المالي المحدثة بموجب اتفاقيات دولية.
لقد جعل الفصل الثاني من القانون عدد 35 لسنة 2016 البنك المركزي مؤسسة مستقلة في تحقيق أهدافه ومباشرة مهامه والتصرف في موارده ولا يمكن المسّ من تلك الاستقلالية والتأثير على قرارات هياكل البنك المركزي المتعلقة بنشاطها.
إنّ هذا المبدأ الذي تمّ إقراره بناء على توصيات الدوائر المالية العالمية وفي نطاق السياسة النيوليبرالية سيحرر البنك المركزي من نفوذ السلطة السياسيّة إلاّ أنه سيجعله رهن إدارة التقنيين الذين يركزون اهتماماتهم غالبا على التوازنات المالية على حساب التنمية والمسائل الاجتماعية ويكبلون بذلك مجهود الدولة.
إنّ البنك المركزي حسب ذلك القانون هو المشرف على القطاع البنكي من خلال وضع قواعد الكميّة والنوعيّة عبر مناشير يصدرها بهدف ضمان التصرف السليم والحذر للبنوك والمؤسسات المالية وفقا للمعايير الدولية. كما جعل من الإدارة العامة للرقابة المصرفية التابعة للبنك المركزي هيكلا للمحافظة عل المتانة المالية للبنوك وحماية أصحاب الودائع ومستعملي الخدمات كما مكّن القانون المذكور محافظ البنك استنادا إلى الأعمال الرقابية من تسليط عقوبات تأديبية وخطايا مالية عند حصول مخالفات لقواعد الصرف والجودة أو لقواعد مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
مرّت 5 سنوات كاملة على تلك القوانين فهل تم إصلاح المنظومة البنكية فعليا وجعلها متلائمة مع المعايير الدولية وهل توفق البنك المركزي في مهام وصلاحيات الإشراف على القطاع البنكي ؟
لقد تولت محكمة المحاسبات إنجاز مهمة رقابية مستنديّة وميدانية للنشاط البنكي خلال الفترة الممتدة من 2015 إلى 2019 ومن خلالها يمكن إبداء الملاحظات التالية :
أ) عدم اكتمال الإطار القانوني والترتيبي للرقابة المصرفية :
لقد اتضح جليّا أنه وإلى غاية موفى سنة 2019 لم يتم إصدار كافة النصوص الترتيبية المتعلقة بالقانون البنكي التي توضحه وتفسّره مثل ضبط الشروط التنظيمية في مجال الحوكمة والقواعد الخاصة بالمؤسسات المالية والبنكية. كما أن الإطار الترتيبي للرقابة المصرفية ظلّ غير متلائم مع المعايير الدولية فضلا على أن البنك المركزي لم يتولى إصدار المناشير المتعلقة بضبط العقوبات عند عدم احترام معايير التصرف الحذر من قبل البنوك مثل النسبة القصوى لتأجير الودائع أو عند تجاوز البنوك للأسقف العليا المتعلقة بمساهمتها في رأس مال الشركات وقد اكتفى البنك المركزي في هذا المجال بإصدار مذكرة داخلية.
أما فيما يتعلق بالمهمة الرقابية على القطاع البنكي والمؤسسات المالية فقد اكتفى البنك المركزي بإصدار بعض المناشير كالمنشور عدد 6 لسنة 2016 المتعلق بإجراءات الرقابة الداخلية للتصرف في مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب والمنشور عدد 6 لسنة 2017 المتعلق بالإفصاح المالي والإحصائي والمنشور عدد 6 لسنة 2018 المتعلق بقواعد ملاءة الأموال الذاتية والمنشور عدد 10 لسنة 2018 المتعلق بمؤشر القروض والودائع. إن العديد من المناشير الأخرى لم يقع إصدارها أو تحيين المناشير السارية حتى موفى سبتمبر 2019. من ذلك أن الفصل 40 من القانون عدد 35 نص على أن البنك المركزي يمكّن المنتفعين بالقروض والتمويلات المهنية والتسهيلات في الدفع من الإطلاع على المعطيات التي تخصّهم وفق إجراءات يتمّ ضبطها بموجب منشور إلاّ أنّ ذلك المنشور لم يصدر ولا تزال حوكمة البنوك خاضعة للمنشور عدد 19 لسنة 2006 المتعلق بالرقابة الداخلية والمنشور عدد 6 لسنة 2011 المتعلق بدعم قواعد الحوكمة الرشيدة في مؤسسات القرض وهي مناشير لم تعد ملائمة مع متطلبات القانون البنكي لسنة 2016 خاصة فيما يتعلق بتوضيح مشمولات الهياكل التنفيذية والمجالس الإدارية وإحكام العلاقة بينها وإخضاع أعمالها للتقييم الدوري.
اقتضت الفصول 66 و 85 و 86 و 88 من القانون البنكي إخضاع البنوك والمؤسسات المالية التابعة لمجمع مالي إلى رقابة تكميلية من قبل البنك المركزي على المجمع قصد تقييم وضيعته المالية وحوكمته والرقابة الداخلية لديه. إلاّ أنه لم يتم إنجاز الأعمال الرقابية حتى موفى 2019 رغم برمجتها. تأسيسا على ذلك ونظرا لعدم إصدار المناشير التطبيقية فإنه لا يمكن للبنك المركزي تقييم المخاطر المحتملة على أي واحد من المجمعات ومدى تأثيرها على الوضعية المالية للمنظومة البنكية.
نصّ الفصل 94 من القانون البنكي أنه على البنوك والمؤسسات المالية إعلام البنك المركزي شهرا على الأقل قبل مصادقة الجلسة العامة بهوية مراقب الحسابات الذي سيتمّ تعيينه طبقا للشروط التنظيمية التي يضعها البنك المركزي في الغرض. إلاّ أنه لم يقع ضبط تلك الشروط المتعلقة بقبول مراقبي الحسابات أو تحديد معايير الاختيار كما أن المذكرة عدد 23 لسنة 1993 المتعلقة بالبنود المرجعية لمهمة التدقيق في الحسابات لم يقع تحيينها لتصبح ملائمة مع الأحكام الجديدة التي تضمنها القانون البنكي لسنة 2016 والمتعلقة بمراقبة الحسابات. أوجب الفصل 73 من القانون البنكي على البنوك توظيف مبلغ سنوي يخصص لتطوير الرقابة البنكية التي يقوم بها البنك المركزي وهو الذي يضبط نسبة وإجراءات استخلاص ذلك المبلغ إلاّ أنه لم يصدر أيّ منشور توضيحي في الغرض.
أمّا فيما يتعلق بنسبة الفائدة المشطة فقد نظمها القانون عدد 64 لسنة 1999 وقد جاء بفصله الأول بأنه يعتبر قرضا مسندا بنسبة فائدة مشطّة إذا تجاوزت نسبة فائدة عند اسناده أكثر من الخمس معدّل نسبة الفائدة الفعليّة المطبقة من قبل البنوك خلال السداسية السابقة. إلاّ أن المنشور عدد 3 الصادر في 27 مارس 2000 عن البنك المركزي والمتعلق بكيفية احتساب نسبة الفائدة الفعلية الجملية ومعدّل نسبة الفائدة الفعلية تضاربت في تأويله البنوك ورغم ذلك لم يصدر أي منشور توضيحي.
لقد ألزم الفصل 42 من القانون عدد 35 لسنة 2016 محافظ البنك المركزي بعرض مشاريع المناشير قبل إصدارها على لجنة مكلفة بمراقبة مدى تطابقها مع المعايير الدولية. إلاّ أنه أتضح في الواقع عدم انسجام الإطار الترتيبي للرقابة المصرفية المتعلقة بالحوكمة والرقابة الداخلية وقواعد التصرّف الحذر المعمول بها مع المعايير الدولية الاحترازية المعتمدة طبقا للاتفاقيات الدولية.
ب) آليات الرقابة المصرفية بين القانون والواقع :
أقرّ القانون البنكي الجديد نوعين من آليات الرقابة المصرفية التي يقوم بها البنك المركزي قصد المحافظة على الصلابة المالية للبنوك والمؤسسات المالية وحماية حرفائها ومستعملي خدماتها من مودعين ومقترضين.
* الآلية الأولى : تتمثل في الرقابة المستندية التي تتمثل في دراسة المعطيات والوثائق التي ترسلها البنوك إلى البنك المركزي طبقا للمنشور عدد 6 لسنة 2017 وهو منشور الإفصاح الذي يضبط نوعية الوثائق الواجب إرسالها منذ موفى جوان 2018 عبر منصة تبادل البيانات الالكترونية التابعة للبنك المركزي.
إلاّ أن تلك المنصة ظلّت غير جاهزة حتى موفى سنة 2019 بسبب عدّة إشكاليات تقنية مما أدى بالبنوك إلى إرسال البعض من الوثائق عبر وسائل اخرى كالبريد الالكتروني وهو ما يحول دون التثبت من مدى شمولية الوثائق المرسلة كما أن البرنامج المعلوماتي الذي يخوّل التثبت من مدى احترام البنوك لآجال ارسال الوثائق طبقا للمنشور الصادر في الغرض لم يقع إدراجه بالمنصّة الالكترونية.
لقد اتضح لمحكمة المحاسبات من خلال عمليات المراقبة أن معدّل نسبة ارسال الوثائق الشهرية والثلاثية والسنوية لم يتجاوز على التوالي 70 بالمائة و 32.5 بالمائة و 45 بالمائة من العدد الجملي للوثائق المفروض إرسالها من قبل البنوك. كما أن المنصّة الالكترونية لم تتضمن برمجيّة تسمح بتخزين نسخ رقميّة من المراسلات المتبادلة بين الإدارة العامة للرقابة المصرفية والبنوك المعنيّة.
إن هذه الإخلالات التي شابت المنصّة الالكترونية لا تسمح للبنك المركزي بالتأكد من مدى إرسال كافة الوثائق المطلوبة ومن شأنها أن تحدّ من سرعة ونجاعة الأعمال التقييمية لمختلف المخاطر من قبل مراقبي الإدارة العامة للرقابة المصرفيّة.
لقد ألزم الفصل 96 من القانون البنكي مراقبي الحسابات ببذل العناية عند تدقيق الحسابات طبقا للشروط والإجراءات التي يضبطها البنك المركزي. إلاّ أنه تبيّن لمحكمة المحاسبات عند فحص تقارير مراقبي الحسابات الموجهة للبنك المركزي وجود اختلافات بين محتواها والملاحق المصاحبة لها.
لقد أوكل الفصل 54 من المنشور عدد 8 لسنة 2017 المتعلق بقواعد الرقابة الداخلية بالنسبة للتصرف في مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب لمراقبي الحسابات تقييم منظومة الرقابة الداخلية للبنوك المتعلقة بغسل الأموال وسياسة التصرف إزاء المخاطر وإبداء آرائهم وملاحظاتهم ضمن تقارير توجه إلى البنك المركزي. إلاّ أنه اتضح من خلال فحص التقارير المرسلة والمتوفرة سنة 2018 وجود اختلاف في محتوى نتائج الرقابة فلئن تضم بعضها تقديم ملاحظات وإبداء الرأي حول مدى نجاعة منظومة مكافحة غسل الأموال فإن البعض الأخر اقتصر على ذكر بعض الإخلالات دون الارتقاء إلى مستوى التقييم. كما اتضح لمحكمة المحاسبات حصول عدّة مخالفات من قبل البنوك لم تتضمنها تقارير المراقبة من ذلك أن 4 بنوك لم تتولى تكوين مدّخرات كافية بخصوص مخاطر القرض و 5 بنوك لم تحترم نسبة الفائدة الفعلية الجملية. إن مجالات التقييم متعددة ومتشعبة ورغم ذلك لم يسع البنك المركزي إلى إعداد دليل إجرائي حول مختلف الأعمال الرقابية.
ألزم القانون البنكي البنك المركزي تقديم تقرير حول الأعمال الرقابية المصرفية مرّة كل ستة أشهر إلى مجلس نواب الشعب إلاّ أن البنك المركزي لم يلتزم بتلك الدورية واقتصر على تقديم تقارير سنوية بالنسبة للبنوك العمومية أي الشركة التونسية للبنك وبنك الاسكان ثمّ البنك الوطني الفلاحي.
* الآلية الثانية للرقابة هي الرقابة الميدانية : أقرّها القانون البنكي لفائدة البنك المركزي للتأكد من الوضعية المالية للبنوك ومن نجاعة منظومة الحوكمة والرقابة الداخلية والتصرف إزاء مخاطر غسل الاموال وتمويل الارهاب. إلاّ أنه اتضح ان البنك المركزي لم يجري طيلة الفترة الممتدة من 2015 إلى 2019 أي تفقد ميداني خلافا لما نصت عليه المذكرة المتعلقة بمنهجية تقييم البنوك والمؤسسات المالية بالنسبة للبنوك ذات الأهمية النظامية كما عرّفها الفصل 69 من القانون البنكي والتي ضبطتها إدارة الرقابة المالية في أكبر 10 بنوك (البنك الوطني الفلاحي – الشركة التونسية للبنك – البنك التجاري – البنك التونسي – بنك تونس العربي الدولي – بنك الاسكان – الاتحاد الدولي للبنوك – الاتحاد البنكي للصناعة و التجارة – بنك الامان والبنك العربي لتونس). إن البنك المركزي لم ينفذ كل مهام التفقد المبرمجة للفترة الممتدة من 2015 إلى 2019 كما أن البرمجة لم تغطّي جميع ميادين الرقابة مثل المخاطر التشغيلية ومخاطر السّوق التي تعتبر ذات أهمية قصوى.
لقد أوجبت المذكرة المشار إليها على البنك المركزي إشعار البنوك بنتائج الرقابة المتعلقة بمجال مخاطر القروض والصرف في ظرف 30 يوم لتفادي الاخلالات ـ إلاّ أن الآجال التي استغرقها الاشعار امتدت إلى 6 أشهر وحتى 15 شهرا في بعض الأحيان.
ج) المنظومة العقابية بين القانون والواقع :
أسند الفصلان 169 و 170 من القانون البنكي لمحافظ البنكي المركزي صلاحية تسليط عقوبات على البنوك عند ارتكابها لمخالفات تتعلق بعدم احترام معايير الحذر وقواعد الحوكمة والرقابة الداخلية ومكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب. كما اسند الفصل 172 إلى لجنة العقوبات صلاحية تسليط عقوبات على البنوك التي تتعمّد الاخفاء او التصريح الخاطئ للمعطيات وكذلك على مراقبي الحسابات عند ثبوت تقصيرهم في أداء مهامهم. إلا أنه أتضح في الواقع من خلال تقرير محكمة المحاسبات أن البنك المركزي لم يسلط عقوبات تتعلق بالمخالفات المرتكبة بين جانفي 2017 وأكتوبر 2019 سواء بالنسبة للتأخير أو الامتناع عن ايداع وثائق الافصاح الدوري أو لقواعد الرقابة الداخلية والحوكمة والتصرف في مخاطر غسل الاموال وتمويل الارهاب أو بعدم احترام معايير الحذر والشروط البنكية.
لقد اتضح من تقرير البنك المركزي عدم استجابة 19 بنك لمستلزمات منظومة الرقابة الداخلية وبلغت النسبة 24 بالمائة خلال سنة 2018 وأن 12 مؤسسة بنكية تشتكي من نقص الموارد البشرية واللوجستية اللازمة للرقابة الدورية وهو ما لا يتماشى مع أحجامها وأنشطتها. كما أن 11 مؤسسة بنكية لا يتوفر لديها دليل إجراءات الرقابة الداخلية و 10 منها ليس لديها إجراءات مقنّنة للرقابة الداخلية. كما أن 8 بنوك لا تقوم بتقييم دوري للمنظومة المعلوماتية قصد التأكد من سلامتها. بالرغم من كل تلك الإخلالات التي جعلت ترقيم بعض البنوك سيئا لم يسلط البنك المركزي أي عقوبة باستثناء بنك وحيد سنة 2018. وبسبب ذلك بلغت الخطايا الموظفة عدد 19 بنك 59930 مليون دينا سنة 2017 و 63195 مليون دينار سنة 2018. كما اتضح ان 3 بنوك لم تحترم اجراءات العناية الواجبة بخصوص التحويلات الالكترونية للأموال ولا تتوفر لديها انظمة معلوماتية تمكنها من الاستجابة للمتطلبات القانونية والترتيبية في مخالفة واضحة للمنشور عدد 8 لسنة 2018 . لم توفر 5 بنوك الموارد المالية اللازمة لتركيز منظومة مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب . إن كل هذه الاخلالات من شأنها أن توفّر مجالا خصبا لغسيل الاموال مما يجعل البنوك عرضة لذلك الاستغلال بالرغم من تلك الاخلالات الواضحة لم يسلط البنك المركزي أية عقوبة وقد قدرت الخطايا غير المستخلصة في هذا المجال بالنسبة لــ 19 بنك 24417 مليون دينار سنة 2017 و 23342 مليون دينار سنة 2018. كما اتضح أن 3 بنوك أدلت بمعلومات خاطئة تعلقت ببعض الاسئلة المضمنة بالاستبيان الخاص بمكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب وهي اخلالات يعاقب عليها الفصل 173 من القانون البنكي. إلاّ أنه إلى موفى سنة 2019 لم يتولى محافظ البنك المركزي إحالة ملف المخالفات على لجنة العقوبات المختصة بالنظر فيها. كما أن البنك المركزي لم يسلط أية عقوبة تأديبية بالنسبة لــ 5 بنوك ارتكبت عدّة مخالفات في مجال مكافحة غسل الاموال وتمويل الارهاب كعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة تجاه الحرفاء غير المقيمين وعدم اتخاذ إجراءات اليقظة المشدّدة بالنسبة للحرفاء أصحاب المخاطر العالية وعدم إجراء أية مهمة تدقيق لنظام الرقابة الداخلية لإدارة مخاطر غسل الأموال.
إن عدم تجسيد الإصلاحات القانونية على أرض الواقع وتواصل الإخلالات والمخالفات كل ذلك يجعل من القطاع البنكي عاجزا عن دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية بكفاءة ونجاعة وعن مكافحة منظومة غسل الاموال وتمويل الارهاب. إن العبرة في الإصلاح لا تكمن فقط في إصدار القوانين بل في إنفاذها.
لذلك فإنه من الضروري إصدار كافة النصوص الترتيبية والمناشير التوضيحية كما أنه على البنك المركزي تكثيف الرقابة المتعلقة بالتصرف في مخاطر غسل الاموال وتمويل الإرهاب.
كما أنه على البنك المركزي الحرص على دفع القطاع البنكي في تمويل الاستثمارات الصغرى والمتوسطة وكافة الاستثمارات المتعلقة بالبنية التحتية والمساهمة بصفة ناجعة في تنمية الاقتصاد الاجتماعي. كما أنه على البنك المركزي القيام بالرقابة على البنوك والمؤسسات المالية في موعدها ودوريتها وتفعيل العقوبات للحدّ من المخالفات والمحافظة على سلامة القطاع البنكي ومصالح حرفائه من مودعين ومستثمرين.
لابدّ من الإشارة إلى أن البنوك العمومية (الشركة التونسية للبنك والبنك الوطني الفلاحي وبنك الإسكان) استفادت كلها من الإصلاحات الواردة بالقانون البنكي الصادر سنة 2016 وتطور لديها الناتج البنكي الصافي خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى 2018 بنسبة 57 بالمائة أي ما يعادل 538 مليون دينار ممّا أدّى إلى ارتفاع النتيجة الصافية لنفس الفترة بـــ 43.8 بالمائة أي ما يعادل 119.3 مليون دينار. وهكذا فإنها حققت أرباحا إلاّ أنه وكما صرّح رئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة فإنه بسبب تعطيل البنوك لتسريح القروض والتمويلات أصبحت 750 ألف مؤسسة مهددة بالإفلاس و 2000 منها فقط استفادت من آلية ضمان الدولة.
ختاما ومثلما صرّح به السيد محافظ البنك المركزي يوم 31 ماي 2021 أمام لجنة الحوكمة الرشيدة ومحافكة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام فإنه لا بد من القيام باصلاحات جيّدة ومراجعة مجلة الصرف والحدّ من التوريد العشوائي الذي يضرّ بمدخرات بلادنا من العملة الصعبة كما يضرّ أيضا وخاصة بالعملة الوطنية.