يقف مئات المسنين يوميا أمام مراكز التلقيح الجهوية التي خصّصتها وزارة الصحة لحملة التطعيم ضد وباء كورونا، حائرين أمام لافتات يعجزون عن فكّ رموزها بسبب حرماهم من التمدرس قبل عشرات السنين.
فرغم السياسة التي انتهجتها “الدولة الوطنيّة” منذ الاستقلال، ترتفع أرقام الأميّة بشكل مفزع خلال السنوات الأخيرة وبتفاوت بين مختلف الجهات.
بلغة الأرقام
كشفت آخر أرقام للمعهد الوطني للإحصاء، أصدرها في الثلاثية الأخيرة من سنة 2020، أن نسبة الأمية لدى الإناث والذكور في الوسط البلدي بلغت 12.9 في المائة، لكنّ نسبتها ترتفع بشكل مفزع في الوسط غير البلدي لتصل إلى 29.5 في المائة.
وحسب الإحصائيات ذاتها فإنّ نسبة الأمية تنخفض كلّما انخفض معدّل الأعمار حيث تناهز 2.8 في المائة لدى الفئات التي تتراوح أعمارها بين 10 و14 سنة، في حين ترتفع إلى 79.8 في المائة بالنسبة لكبار السن (80 سنة فما فوق).
في سنة 2018، تصدّرت ولاية جندوبة قائمة الولايات بأعلى نسبة للأمية (31.6 بالمائة) تليها ولاية القصرين بنسبة 30.2 بالمائة ثم ولاية سليانة بنسبة 29.7 بالمائة.
وفي المقابل شهدت ولايات بن عروس أقل نسبة للأمية حيث بلغت 9,7 بالمائة، تليها ولاية تونس بـ 10,1 بالمائة ثم ولاية المنستير بـ 10,5 بالمائة.
وللتقليص من هذ الأرقام وضعت الدولة ما يسمى بالبرنامج الوطني لتعليم الكبار لكنّه لا يستقطب سنويا إلا 21 ألف منتفع مقابل تسرّب 100 ألف تلميذ سنويا من مقاعد الدراسة.
ويبلغ عدد مراكز تعليم الكبار ومحو الأمية 950 مركزا ويتولى تقديم الدروس فيها 1200 مدرسا.
الإرادة السّياسية
يفسّر أستاذ علم الاجتماع محمد جلال التليلي هذه القفزة في نسب الأمية في تونس، بغياب الإطار التشريعي والقانوني الذي ينظّم برامج تعليم الكبار مما جعله مجالا غير واضح الحدود والإمكانيات وبالتالي ضعف التمويلات والأموال المرصودة.
وأضاف أنّ غياب التعليم عن برامج الحكومات المتعاقبة وتراخيها في حلّ الملف إلى جانب فترة حكم الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي التي توجهت خلالها السلطة إلى التغطية على نسبة الأمية الحقيقية وعدم نشر الأرقام على اعتبارها مسّا من صورة تونس في الخارج، أدّى إلى تقلص دعم المنظمات الدولية في هذا المجال وبالتالي أثّرت هذه النظرة الدونية في تطوّر البرنامج، حسب قوله.