صحيفة الأحد – Jdd Tunisie

الشعبوية أو فن التلاعب بالعقول

العميد (م) المختار بن نصر
الجمعية الدولية للاستشراف والدراسات الاستراتيجية والأمنية


يعتبرتضليل البشر من اهم أدوات القهر،اذ تسعى بعض “النخب” من خلاله الى التلاعب بالعقول وتسويق الأوهام قصد تطويع الجماهير لاهدافها الخاصة .فاستخدام الأفكار البراقة والترويج لمشاريع خلابة لمعالجة مشاكل المجتمع ،حتي مع عدم واقعيتها وبعدها كل البعد عن المنطق العلمي يضمن للمضللين التأييد الشعبي لنظام اجتماعي لا يخدم في المدى البعيدالمصالح الحقيقية للاغلبية. وتتم الاستعانة في ذلك باستخدام الاعلام بكل وسائله للتخدير وللاقناع .فتضليل الجماهير يمثل للنخب اهم اداة للحفاظ على السيطرة الاجتماعية. ويكون ذلك بالتركيز على مقولات جذابة ،مثل الحرية وحقوق الفرد المطلقة واسطورة الحياد والرفاه الاجتماعي والشغل للجميع ،اذ لا بد ان يؤمن الشعب بان السياسي والاعلامي بعيدين عن معترك المصالح المتصارعة وبالتالي فهم بعيدون عن المؤاخذة .

ويؤدي ذلك الى عملية تحويل بارعة لافكار الناس وآرائهم والتاثير على سلوكهم ،واقناعهم برفض كل ماهو قائم وتضخيم القهر الاجتماعي ،ونشر النزعة التشاؤمية كمدخل للعنف السياسي، وبث حالة من عدم الثقة والشك في المؤسسات والكفاءات والامكانيات ،واستبعاد أي صورة للتقدم او للخلاص خارج آرائهم واطروحاتهم، فتزدهر سوق الشعارات الرنانة غير القابلة للتطبيق والتصريحات والاعلانات. وبدلا من التركيز على المشاكل الحقيقية للمجتمع والانكباب على معالجتها، توجه العقول الى مسائل هامشية ،وتنشط صناعة استطلاعات الرائ لتدفع أحيانا بهذا الطرف وأخرى بذاك ولتزيد من احتدام الصراع ومن التشويق في المشهد السياسي.

ان أسلوب الاستمالة الناجح والمنتشر اليوم في المجال السياسي هو الخطاب الشعبوي

Populisme وهوأسلوب تعبوي يحاول التلاعب بمشاعروافكار الناس لغايات سياسية. فالشعبوية “مذهب في السياسة يرى أصحابه أن نخبا منحرفة، فاسدة وطفيلية، تتصدى على الدوام لشعب متجانس،مهمش و طاهر أخلاقياً”.1 كما ترمز الشعبوية لكل ما هو ضد المؤسسات بغض النظر عن المحتوى الإيديولوجي. وعادة ما يتم الربط بينها وبين مشاعر الغضب والخيبة تجاه النخب، وأما بالمفهوم اليساري فإن الشعبوية هي العملية التي يتم من خلالها خلق فاعل سياسي “عابر للطبقات” يستخدم مفهوم الشعب لتجييش مكوناته المختلفة ضد السلطة وهي عملية تنشأ في ظل فشل السلطة في تحقيق الهيمنة الأيديولوجية على الطبقات الخاضعة لها .” 2 فهي باختصار خطاب سياسي موجه إلى الطبقات الشعبية، قائم على انتقاد النظام ومسؤوليه ونخبه .

في خطاب التجمعات الحزبية او اثناء الانتخابات يتم استحضار مفردات من البؤس المجتمعي والتركيز عليها ،كإستحضار الجوع والخصاصة واهتراء البنية التحتية والبطالة والامراض والفساد،. فتتكثف مثل هذه العبارات والتمثلات الخطابية كمقاربات لا عقلانية في الخطاب السياسي في تناقض تام مع المواقف العقلانية للنخب والفاعليين السياسيين والتوجه صــوب المواطن المهمش البسيط غيــر المســيس والمغلوب على أمره، وتحشــيده عبـر شـعارات ومواقف جذابة لأغراض انتخابيـة، لان ما يهم هؤلاء هو صوته وليس مصلحته ولا مصلحة الوطن “3 ووجد أسلوب الاستبلاه هذا على مر الحقب منظريه ومروجيه ونشطائه وانصاره وحجافل مريديه وداعميه والمتلقين المتمثلين لاطروحاته .

فما هي الشعبوية ؟ وما تاثيراتها على الديمقراطية؟ وعلى المناخ السياسي في البلاد؟

  1. جذور الشعبوية؛

تاريخيا ، تعتبر الشعبوية حركة سياسية روسية ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر وحاربت القيصرية من خلال الاعتماد على الشعب والدعوة إلى تغيير المجتمعات الزراعية التقليدية. في المجال السياسي ، تحدد الشعبوية أفكار و مواقف بعض الحركات السياسية التي تؤطرالناس ليعارضوا نخبة الحكام أو رأس المال والاعمال أو أي أقلية تحتكر السلطة. ويتهمونهم بالخيانة والأنانية والتفكير في المصالح الذاتية على حساب المصلحة العامة.ويعتبر “الشعبويون” ان الديمقراطية التمثيلية تعمل بشكل سيئ ولا تفي بوعودها، ويدعون إلى ديمقراطية أكثر مباشرة هدفها “إعادة السلطة إلى الشعب”.

ويستخدم مصطلح الشعبوية عمومًا بمعنى ازدرائي من قبل الخصوم ، أي الطبقات الحاكمة و السياسيين في السلطة ،لانتقاد جميع الآليات التي تعترض على سياستهم .كما يستخدم أيضًا للتنديد بالدماغوجيين الذين يحشدون الناس بوعود انتخابية و للعمل على اثارة النعرات القومية او العنصرية أو كراهية الأجانب .

وتظل كلمة”الشعبوية” ضبابية نسبيًا وتختلف باختلاف من يستخدمها وغالبًا ما تكون مرادفًا للدماغوجية والانتهازية.فهي احد أشكال العمل السياسي الذي يقوم على تفسير القضايا العامة بشكل درامي محملا النخب الحاكمة مسؤولية المشاكل السياسية والاجتماعية. أما الهدف من ذلك فهو تغيير موازين القوى المهيمنة على السلطة ،فيحاول الشعبويون الاقتراب من الناس من خلال خطب ووعود تحرك المشاعر وتثير المخاوف. كما يقدمون في خطبهم حلولا بسيطة لمشاكل سياسية واجتماعية جد معقدة معتمدين على شعارات براقة مثل “نحن الشعب” و ” السلطة للشعب” و” الشعب يريد” والشعب اولا” الى غير ذلك ،مدعين انهم صوت وضمير الشعب.

ويستعمل الخطاب الشعبوي من الدفاع عن السيادة الوطنية ضد العولمة ، الى الدفاع عن “الشعب” ضد النخب ،و غالبًا ما تقدم الشعبوية موضوعات مشتركة للحملات من بلد إلى آخر.

لقد دخل مصطلح “الشعبوية” إلى المفردات السياسية السائدة منذ عقود، وعادة ما يكون محملا بدلالات سلبية. إن وصف حزب سياسي أو تيار “بالشعبوي” هو في الواقع حرمانه من أهليته من خلال وضعه خارج السياسة “المحترمة” ووضع شكوك حول مصداقيته.

في أوروبا هناك العديد من الساسة الذين يوصفون على انهم شعبويين، مثل يورج هايدر وخليفته هاينز كريستيان ستراش في النمسا ، وجان ماري لوبان وابنته مارين في فرنسا ، وكريستوف بلوخر في سويسرا ، وبيم فورتوين وجيرت ويلدرز في هولندا ، وماتيو سالفيني في إيطاليا ، وفيكتور أوربان في المجر ، وياروسلاف كاتشينسكي في بلونيا ، أو نايجل فاراج في المملكة المتحدة كما نجد سياسيين يساريين ، من اليسار الراديكالي مثل جان ليك ميلانشون في فرنسا.

في روسيا كان التيار “الشعبوي” الأول ، هو تيار نارودنيستفو الروسي ، الذي يشير إلى الأجيال الثورية الأولى في ستينيات القرن التاسع عشر ، وسعت هذه الحركة إلى رسم مسار جديد نحو التحول الاجتماعي. وارادت أن تكون مختلفة عن تلك التي يتبعها الغرب ، لكن فكرها المشترك يتألف من عقلية كليانية وديمقراطية في نفس الوقت .

كانت تلك حركة متباينة حيث يعتمد الأمل المعلق على التنمية المستقلة للمجتمعات القروية على فكرة أن الدولة الاجتماعية الجديدة ستحتاج إلى ” حكومة مركزية ذات أسلوب سلطوي يتوافق فقط مع نموذجهم المثالي”.

ثم جاءت الأجيال اللاحقة للحركة مع الاشتراكيين الثوريين الديمقراطيين ، الذين شاركوا بنشاط في الثورة الروسية ، وقبل جزء صغير منهم ثورة اكتوبر قبل أن يسحقه لينين في عام 1918. كان الاشتراكيون الديمقراطيون في طليعة الدكتاتورية و كانوا غرباء عن القومية “الروسية ” ومؤيدين لاستقلال بولونيا، لكن يمكن أن تؤدي الشعبوية ، إلى سياسة ديمقراطية كما هو الشأن في الولايات المتحدة الامريكية.

اذ تقوم الشعبوية الأمريكية أيضًا على قواعد “زراعية” أو فلاحية. ومع ذلك ، فهي ترتكز على عقيدة “غربية” وديمقراطية ، تستبعد أي انحراف ،ولد “حزب الشعب” في أمريكا عام 1892 في سانت لويس ، وهو حركة زراعية في الأساس انبثقت عن ثورة قام بها المزارعون في الجنوب ضد هبوط أسعار المزارع ومعدلات الائتمان المرتفعة بشكل مفرط. اخذت أيديولوجيتهم موضوعات سياسية ركزت على ان ملاك الأراضي الصغار يشكلون أساسًا للديمقراطية ، مع وجوب السعي للحصول على دعم ومشاركة الشعب.

ومع ذلك ، استخدمت تلك الأيديولوجيا بين الشعبويين في خدمة سياسة اقتصادية حمائية. واستندت في الواقع على قبول التجارة الحرة. فصارت الشعبوية حركة يقودها الفلاحون المثقلون بالديون ، و معادية للنخب وللحركات التجارية والصناعية في المدن.

وهذا ما يفسر احتفاظ مصطلح الشعبوية في اللغة السياسية الأمريكية بدلالات إيجابية فهو يشير” إلى “الشخص الذي يؤمن بحقوق الناس وحكمتهم وفضائلهم” ،اما في فرنسا”فالشعبوية التأسيسية” ، “البولنجية الفرنسية” ، مختلفة تمامًا عن السابقتين. فهي أقرب إلى المعنى (الأوروبي) المعاصر للمصطلح ، وهذا هو السبب في أن لها صورة سلبية أكثر بكثير من الشعبويىة الروسية والأمريكية..

اسس الجنرال جورج بولانجر الزعيم الشعبي الفرنسي (1837-1891) – حركة “بولانجيزم” وهي حركة حضرية أساسًا ، تتمثل قواعدها الشعبية في البرجوازية الصغيرة والعمال وليس في الفلاحين ولها برنامج سياسي قومي في الأساس يجمع بين الدعوة إلى دولة قوية، وعدم الثقة في التمثيل والوساطة ، والولاء للتراث الاجتماعي للثورة الفرنسية.تفككت تلك الحركة بسبب ضعف شخصية زعيمها وعجزها عن تاطير الشعب .
في تاريخها اللاحق كانت الشعبوية تميل أكثر نحو اليمين المتطرف. ومع ذلك ، لديها بعض المؤيدين وبعض التجسيدات اليسارية ، خاصة في أمريكا اللاتينية. فالأرجنتيني خوان بيرون (1895-1974) يظل النموذج الأكثر دلالة في هذا المجال.

لقد شارك هذا الضابط اليميني المتطرف ، المعجب بموسوليني وهتلر ، في انقلاب لصالح قوى المحور في جوان 1943. وبعد اعتقاله في عام 1945 ، تولى السلطة وحكم بطريقة تعسفية مع تجاهل تام للصيغ القانونية والدستورية. و اعتمد على نظام شبه مؤسسي يحد من الإضرابات باسم عقيدة “العدالة” التي تقدم نفسها على أنها “طريق ثالث” بين الرأسمالية والشيوعية. وسرعان ما انتهت التجربة بكارثة اقتصادية لم تتعاف منها الأرجنتين مطلقًا و هوت بالبلد الى مستوى العالم الثالث بعد ان كان قبل الحرب في مستوى فرنسا.

منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا ، كان لدى جميع القادة “الشعبويين” ، خطاب “اجتماعي” لم يتزعزع عندما وصلوا إلى السلطة. لقد اتبعوا عمومًا أيديولوجية التحديث التي غالبًا ما أدت بهم إلى الصدام مع القوى الدينية التقليدية ، كما كان الحال مع عبد الناصر في مصر. وكان من الواضح أن بعضهم كان “على اليمين” ، والبعض الآخر ، يمثل “اليسار” ولكن تميل “الشعبوية” عمومًا إلى أن تصبح مصطلحًا مناسبًا لبعض التيارات اليمينية ، فإن شكلي الشعبوية لا يمكن التوفيق بينهما من حيث المبدأ ، ويدفع الصراع السياسي منطقياً “الشعبوية اليسارية” للإصرار على ما يميزها عن نظيرتها اليمينية من خلال إحياء الخطاب القديم المناهض للفاشية.

  1. الشعبوية والديمقراطية

طوال تاريخها ، قدمت الشعبوية الحديثة نفسها دائمًا كبديل للديمقراطية الليبرالية ، مدعية أنها يمكن أن تجسد إرادة ومصالح “الشعب” بشكل أفضل ، كما هو الحال في الأرجنتين مع “بيرون” أو في البرازيل مع “جيتوليو فارغاس” ، إما عن طريق إدخال تصحيحات استفتاء أو ديمقراطية في الدساتير الليبرالية ، كما أراد “بولانج” في فرنسا.

لفترة طويلة ظهرت الأنظمة الشعبوية على أنها مجرد متغيرات لاساليب”الاستبداد”. وبدا آنذاك أنه ليس لديها مستقبل في الدول “المتقدمة” في الغرب ، التي اندفعت نحو الديمقراطية الليبرالية بعد انهيار الفاشية والاستبداد في أعقاب الحرب العالمية الثانية. وبدا أن سقوط الشيوعية يؤكد هذه الفرضية ، مما يجعل “التحول الديمقراطي” هو المصير الطبيعي للاتحاد السوفياتي وديمقراطيات الشعب مهما كانت معيبة،

اما الجديد وغير المتوقع في السنوات الأخيرة هو أن “الشعبوية” عادت إلى روسيا وتركيا وأوروبا الغربية ، فألهمت الأحزاب التي تتقدم بثبات في الانتخابات ،و وصلت في أوروبا الشرقية الى السلطة،في المجر وبولونيا ، و كذلك في تونس بعد الثورة وفي الولايات المتحدة اذ فاز دونالد ترامب ، رغم كل الصعاب ، بالانتخابات الرئاسية لعام 2016.

لفترة طويلة ، مال التفسير السائد لصعود الحركات الشعبوية على أنها عودة بسيطة لليمين المتطرف “الفاشي” ثم ، تلاشت هذه الأطروحة ، لانه من السهل ملاحظة ان الأنظمة الشعبوية الحالية في عدة بلدان على الرغم من عيوبها من وجهة نظر ليبرالية ليست ديكتاتوريات بالمعنى الدقيق للكلمة ،فالدولة منحازة للشعب وتحاول تجاوز الانتخابات لإبقاء الحزب الحاكم في مكانه ، وتحاول إقصاء جزء من المواطنين عن اللعبة السياسية ، وتفسد القانون بالحد من الحقوق الأساسية وإضفاء الطابع الدستوري على أنصار الشعبويين ، وتسيطر على وسائل الإعلام العامة. لكن المعارضة تظل قانونية والصحافة حرة .فالشعبوية المعاصرة لا تدمر الديمقراطية بالكامل. ومع ذلك فهي ترفض التعددية الديمقراطية باسم ادعائها بأنها تجسد شعبًا متجانسًا. ولذلك ، فهي تروج لـ “ديمقراطية معيبة” ، مبنية على إضعاف حكم القانون والضوابط والتوازنات.

  1. ظهور الشعبوية في تونس

لقد” ظهر التيار الشعبوي في تونس بقوة منذ انتخابات المجلس الوطني التأسيسي(2011،( حيث تحصل حزب العريضة الشعبية على المرتبة الثالثة بخطاب قائم على إطلاق حلول شعبوية للفئات الضعيفة من المجتمع بأسلوب عاطفي لا يستند لا لمعطيات رقمية ولا علمية، حيث روج لشعارات فضفاضة من قبيل الصحة المجانية للجميع والخبز بأسعار منخفضة جدًا، وتزويج الشباب، والنقل المجاني”. 6 وبالرغم من وضوح زيف ما تقدمه التيارات الشعبوية في تونس أو في تجارب مقارنة أخرى ، فإن تلك التيارات ما زالت تتكاثر، بسبب تنامي مبررات ظهورها.كما لوحظ انتشار الخطاب الشعبوي اثناء الانتخابات الرئاسية الأخيرة بشكل ملفت لدرجة أدت بالبعض الى التمسح والبكاء امام الكاميرات متالما للأوضاع الاجتماعية الرثة للارياف وتركيز اخرين على العمل الاجتماعي ومساعدة العائلات المعوزة ووعود اخرين بالرفاه والشغل والصحة للجميع وتعميم الانترنت في كل القرى والارياف ووعود بالجامعات والمستشفيات الجامعية في كل مكان، في ضرب من الاستبلاه للشعب دون إعطاء أي فكرة عن مصادر الأموال اللازمة لتحقيق تلك البرامج الخيالية.

لقد عرفت تونس بعد الثورة أزمات معقدة سياسية واجتماعية واقتصادية اثرت بشكل بالغ على معنويات الشعب الذي لم يعد يرى مخرجا من الازمة ، امام ارتفاع الأسعار وانخفاض المقدرة الشرائية للمواطنين. وفقدان الامل في الطبقة السياسية و انعدام الثقة في السلطة وفي الإدارة وفي عدد من هياكل الدولة ،” دخل المواطن التونسي في دائرة الإحباط واليأس والنقمة على الثورة وممثليها، ليجد ضالته في الخطاب الشعبوي، خطاب «يمثله» ويعبر عن حالته النفسية، خطاب يستمد مفرداته من معجمين متضادين، الأول عاطفي موجه للشعب، والثاني عنيف موجه لمنظومة الحكم والنخب”7 .ومن الملفت للانتباه ان ما ساعد على انتشار الخطاب الشعبوي هو ما لاحظه الناس من تصدر لأصحاب هذا الخطاب في استطلاعات الرائ وحتي في الانتخابات، وجد خطاب بعض الرموز السياسية المركز على الحالة الاجتماعية للفئات الهمشة والفقيرة من المجتمع جاذبية كبيرة وتعاطفا عند فئة  واسعة من التونسيين، رغم ما يحملة من أوهام وتبسيط و تحريض على العنف . وكثيرة هي الأطراف التي تسعى إلى استمالة الناخب عبر خطاب شعبوي يقوم على ادعاء التمثيل الحصري للشعب وامتلاك الحلول السحرية للخلاص لكن اكدت التجارب المريرة لدي المواطنين وفي كل انحاء العالم بان ذلك لا يعدو ان يكون الا خديعة وتلاعب بعقول البسطاء من الناس وتسويق للاوهام وكثيرا ما يتفطن الشعب لمثل هذه الاحابيل بعد فوات الأوان .

ختاما ان الشعبوية كأيديولوجيا اوكحركة تروج “للشعب” من خلال تطوير خطاب قائم على عدم الثقة في نخب معينة (أحزاب ، نواب ، موظفون حكوميون) ؛ وضد نظام خفي مزعوم (مؤامرات ) والايهام بخيانة المصالح الأساسية للشعب و ضد الكيانات الدولية (صندوق النقد الدولي …) – ورفض للشركات والمنظمات الدولية ، إلخ.

وتتوخى أسلوبا سياسيا يعتمد عقيدة مبسطة ، ويتطلب زعيما قويا وجذابا ، مع منظمات جماهيرية منظمة،و تقوم الشعبوية على الادعاء بأن الناس طيبين في الأساس وأنه قد تم خداعهم أو خيانتهم.

ونجد أشكالًا من الشعبوية في عدة بلدان في كل القارات ،و قد لعب العديد من القادة العرب هذه الورقة أيضًا مثل جمال عبد الناصر في مصر ، ومعمر القذافي في ليبيا ، باختصار ، نادرًا ما تشكل الشعبوية أيديولوجيا مستقلة اورافدا للديمقراطية . وفي بلادنا التي تعاني أزمات معقدة وترد خطير في أداء الطبقة السياسية، هاهي الشعبوية تطل براسها وتستقر وتنتشر بين النخب والأحزاب ،دافعة الى مزيد من الفوضى والتعدي على الدستور والقوانين مدعية هي أيضا بانها تمثل الشعب، ولا أسلوب غير اسلوبها قادر على حلحلة ازماتنا ورسم طريق الخلاص للبلاد والدفع بالمسيرة المتعثرة الى الامام ،وتماما كما هو الشأن في كل مكان غطي الخطاب الشعبوي على الأفكار العلمية وعلى محاولات الكفاءات الوطنية الاسهام في قيادة البلاد وعلى قدرات الشباب المتعلم الذي سئم الوضع والانتظار فهاجر بالآلاف لتتلقفه المؤسسات الجامعية والاستشفائية والصناعية الاوروبية والافريقية والخليجية ، واخذت الشعبوية الشعب التائه الى أحلام واطماع ظنها حقائق فتبين مع مر السنين انها سراب خلب ، وامام هذا التخدير والتلاعب بالعقول والمأزق السياسي لا يسعنا الا ان نصرخ بكلمات طاغور الشهيرة “دع وطني يستيقظ”.فالانسان كما يقول الفلاسفة لا يطرح الا المشاكل التي يجد لها حلا ،ولا يحلم الا بما يستطيع تحقيقه.

المراجع :

Philippe Renault1-:les origines du populisme

https://www.vie-publique.fr/parole-dexpert/271075-les-origines-du-populism1—philippe -renault

3-مركز الدراسات السياسية والدبلوماسية ١:الشعبوية في تونس اوفيروس التجربة الديمقراطية

Publié le 8 janvier 2020. -5-4

https://perspective.usherbrooke.ca/bilan/servlet/BMDictionnaire?iddictionnaire=1683 Perspective monde :populisme

https://www.google.com/search?q- 7-6 التيارات الشعبوية في تونس




الخروج من نسخة الهاتف المحمول