رحب صندوق النقد الدولي ببرنامج إصلاح الاقتصاد الكلي التونسي حسب ما أفادته الحكومة التونسية، إذ تم تنظيم اجتماع مع صندوق النقد بهدف الحصول على قرض يغطي الديون السيادية، في حدود 4 مليارات دولار.

وقد زار وفد تونسي واشنطن يوم 3 ماي 2021 لتبرير مطالبة البلاد بإعادة جدولة الديون، وعليه أكد الوفد أن البرنامج نص على مراجعة إعانة رواتب الموظفين العموميين.

مصدر مطلع على الأمر أعطى لـ”JDD” نسخة من أحدث مسودة للإصلاحات المعنية، الوثيقة مكونة من 26 صفحة تشرح بالتفصيل الأسباب الموضوعية للأزمة المالية التونسية، ومع ذلك فلا نخفي أن هناك عددا قليلا جدا من التدابير الملموسة المخطط لها.

وتنص الوثيقة على وجه الخصوص أن: “آفاق الاقتصاد الكلي على المدى القصير قاتمة بسبب الموجة الثالثة من جائحة كوفيد -19”.

هل أن جائحة كورونا هي المسؤول الوحيد على هذه الأزمة؟

من الواضح أن جائحة كورونا قد انعكست على جهود التنمية الاقتصادية المفترضة في تونس، إذ فاقمت تداعياتها الأزمة في البلد، بعد أن تجاوزت الديون الخارجية سقف 100 مليار دينار (35.7 مليار دولار) أي ما يفوق 100% من إجمالي الناتج الداخلي.

فالبلاد التونسية مطالبة بسداد ديون قيمتها 4,5 مليار يورو خلال العام 2021، كما أنها بحاجة إلى 19 مليار دينار (حوالي 6,78 مليار دولار) للإيفاء ببنود ميزانيتها للعام 2021، في ظل أزمة اجتماعية واقتصادية مع تراجع كل المؤشرات.

كما يشهد تقرير الديون السيادية التونسية الصادر في جوان 2019 أن هناك ديونًا بقيمة 26,8 مليار دولار، ارتفاعًا من 21,1 سنة 2018، فمن الواضح أن تونس تشهد هبوطًا ماليًا منذ سنوات، وبالتالي فإن فيروس كورونا ليس الجاني الوحيد في الأزمة.

ويقدر صندوق النقد الدولي أن الاقتصاد التونسي سيسجل نموا بنسبة 3.8% خلال 2021، لكن استمرار الجائحة قد يلقي بثقله على نهوض الاقتصاد ويؤخره.

وهم الواقعية التونسية

تقدم وثيقة الحكومة مقترحات جذرية، إذ تتضمن تسريح العمال في القطاع الخاص، إلى جانب برامج التقاعد المبكر والعمل بدوام جزئي وبحسب وكالة رويترز، فإن الدولة تخطط لتوظيف العاطلين عن العمل بنسبة 50 بالمائة من الحد الأدنى للأجور، أو 189 دينار تونسي شهريًا.

وتبعا لذلك، فإنه من الوارد تراجع الاتحاد العام التونسي للشغل عن اتفاقه مع الحكومة والذي يقضي بالشروع في المسار التشاركي لإصلاح 7 مؤسسات وشركات حكومية ومنظومة الجباية والدعم، فقد وفرت هذه الاتفاقية تفويضا مطلقا لوفد الحكومة التونسية للتفاوض على شروط القرض المشترك.

فوفقا للوثيقة الحكومية ستضع الحكومة برنامجا للتشجيع على المغادرة الطوعية لموظفين لقاء حصولهم على 25% من الراتب أو الحصول على نصف الراتب مقابل أيام عمل أقل.

وترى الحكومة أنه من الضروري إعادة التفكير في نظام المكافآت بالتشاور مع النقابات والاتحاد العام التونسي للشغل بوجه خاص، ووضع قاعدة لضبط الرواتب والمكافآت بما يأخذ في الحسبان أداء النمو والإنتاجية و”تطور التضخم”،

علما وأنه في 26 فيفري 2020 دعا الصندوق السلطات التونسية إلى ضرورة خفض فاتورة الأجور (التي تبلغ 17.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي) والحد من دعم الطاقة، وإعطاء أولوية الإنفاق لقطاعات الصحة والاستثمار والحماية الاجتماعية.

فما هي إذا الحلول الاقتصادية الممكنة؟

في جميع الاحتمالات، لن يكون لدى الدولة التونسية الكثير لتخسره إذا تخلفت عن سداد ديونها، لكن يبقى هذا حاجزا لن تكون الحكومة مستعدة أبدًا لتجاوزه، فالمأزق الاقتصادي واقع لا جدال فيه، كما وعدت الحكومة بـ “التفاوض على تدابير مبتكرة لخفض فاتورة الأجور” ، لكن من غير المتوقع أن يمرر الاتحاد العام التونسي للشغل حدوث ذلك.

من جهة أخرى وفي ظل هذه الأزمة، يمكن الإشارة إلى بعض الحلول الاقتصادية الممكنة، إذ ينبغي أن تظل البنوك المركزية مستعدة لتقديم سيولة وفيرة للبنوك والشركات المالية غير المصرفية، ولا سيما لتلك التي تقرض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي ربما كانت أقل استعدادا لمواجهة اضطراب حاد، كما يمكن أن تقدم الحكومة ضمانات ائتمانية مؤقتة وموجهة لتلبية احتياجات هذه الشركات إلى السيولة على المدى القصير، ومن شأن أجهزة التنظيم والرقابة على الأسواق المالية كذلك أن تشجع على تمديد آجال استحقاق القروض مؤقتا وعلى أساس إطار زمني محدد.

لكن في الواقع لم يعد أحدا يتوقع تغييراً من “النخب” التونسية وذلك منذ أمد بعيد، ربما يتعين على الدولة أن تبدأ في التفكير في تغييرات صغيرة ستكون قادرة على القيام بها، غير أن ذلك لا يعني أن الرئيس قيس سعيد على حق، لكن الفساد يبتلي الإدارة متجذر فيها ويعيق التنمية.