تصر العديد من الشركات التونسية على مواصلة توريد منتجات شبه طبية ومستحضرات تجميل، رغم حظرها في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والاتحاد الأوروبي، في ظل تراخ مريب للعديد من الوزارات وهياكل الرقابة الرسمية.
هذه المستحضرات الموجهة خصيصا للرضع والنساء من شأنها التسبب في أمراض سرطانية وأخرى تنفسية وجلدية.
أصل الحكاية
في مارس 2020، فاقت الشكايات الواردة على الشركة الأمريكية جونسون&جونسون 19 ألف تعلقت هذه الشكايات بمسحوق “التالك” (poude de talc) ثم تسارعت الأحداث لتعلن الشركة إيقاف ترويج هذا المنتج في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ثم في أوروبا، إثر ثبوت إصابة آلاف النساء بسرطان المبيض ما دفعهم إلى اللجوء إلى القضاء.
خلص المسار القضائي إلى إدانة الشركة بالتسبب في وفاة 22 امرأة وإجبارها على دفع تعويضات ب750 مليون دولار إلى حدود 2020 ورغم ذلك أعلنت الشركة عن مواصلة ترويج منتوجها خارج أمريكا وكندا.
هذا الملف دفع 41 دولة لفتح تحقيقات معمقة حول مضار هذا المنتج الموجهة خاصة للرضع أدت إلى حظره. كما أعلنت شركات كبرى مختصة في مستحضرات التجميل مثل “لوريال Loreal” و”شانيل “Chanel و”رفلون Revlon” عن الابتعاد عن هذا المسحوق في جوان 2020.
أضرار خطيرة
ترجع مضار هذا المسحوق المستعمل في المستحضرات الموجهة لترطيب بشرة الرضع والنساء إلى احتوائه على مادة كيميائية سامة تعرف بـ L’amiante.
في هذا الصدد صنفت منظمة الصحة العالمية هذه التركيبة كمنتج متسبب في عدة أمراض من بينها إصابات حادة بالرئتين و إصابات سرطانية للمبيض لدى النساء وإصابات للجهاز التنفسي لدى الرضع في صورة استنشاق هذا المسحوق.
المادة الكيميائية المسمومة المعروفة بـ L’amiante، يتم استخراجها من باطن الأرض صحبة مسحوق “التالك” جراء صعوبة تفريقهم عن بعضهما البعض.
وتتوفر المادة الخام لـ “لتالك” في العديد من الدول مثل الصين التي تتصدر الإنتاج العالمي ثم الهند والبرازيل فالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وأفغانستان وفنلندا وروسيا ويتم إنتاج 9 ملايين طن سنويا.
كيف هو الحال في تونس؟
تعتبر تونس من الدول المنتجة لمادة “التالك”. بلغت صادرتها من هذه المادة قرابة 253 طن من المادة الخام 2019، بينما استوردت ما يناهز 4 ملايين طن مسحوقة في نفس السنة، وفقا لأرقام صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء.
استوردت تونس في 2020 هذا المسحوق المستعمل كمستحضر للرضع والنساء من 12 دولة من أوروبا وأسيا وإفريقيا وأمريكا الوسطى، وهي الدنمارك والبرتغال وإيرلندا وليتوانيا وآيسلندا والصين واليابان وجنوب إفريقيا وناميبيا وبيليز والسلفادور ونيوزلندا، وخاصة إسرائيل.
ورغم حظر المستحضرات المحتوية على مادة “التالك” وخاصة منتجات جونسون&جونسون في العديد من الدول على غرار بلدان الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، تبقى الحدود التونسية مفتوحة على مصراعيها أمام هذه المنتجات المصنعة في ذات الدول.
وبعد سنة كاملة على الحظر، لم تتحرك تونس إلا مؤخرا، وذلك بعد مراسلتها من قبل جمعية التربية البيئية للأجيال القادمة. ويأتي ذلك بعد إصدار نفس الجمعية لتقرير عن مضار هذا المنتوج.
تقول سامية غربي رئيس جمعية التربية البيئية للأجيال القادمة، في تصريح لـ JDD: كان لنا اتصال بالعديد من الهياكل الرسمية إبان نشر التقرير، ولمسنا استعدادا للتعاطي الجدي مع هذا الملف.
وتضيف: “ما يشغلنا أيضا هو سياسة التعاطي بمكيالين مع هذا المنتج من قبل الدول المصدرة، بما أنها تحظره على مواطنيها وتواصل غزو أسواقنا به”.
وتعمل العشرات من المنظمات الدولية على الضغط على الدول المنتجة لهذا المستحضر لدفعها على وقف تصديره إلى الدول الفقيرة أو تعويض مادة “التالك” بمواد بيولوجية مثل مسحوق الذرة أو الأرز..
نحن بصدد التحليل
التعاطي الرسمي التونسي اقتصر على جمع عينات من هذه المستحضرات وإرسالها للتحليل وذلك وفق ما ذكره مصدر من الوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية، رفض ذكر اسمه.
يذكر أن دور هذه الوكالة ينحصر في تقييم المخاطر وتنظيم حملات تحسيسية في صورة وجود خطر متعلق بأحد المنتجات.
في الأثناء لا تزال هذه المستحضرات متوفرة في العديد من الفضاءات كالصيدليات ومحلات المواد شبه الطبية والمساحات التجارية الكبرى وعلى المواقع الالكترونية التي تعمد البيع عن بعد.
وبلغ الأمر ببعض المحلات حد إيهام الحرفاء باعتماد المستحضرات المعروضة على مكونات بيولوجية مثل مسحوق الذرة، وفق ما ذكره نفس التقرير.
وتختص وزارة التجارة و إدارة الصيدلة والدواء الراجعة بالنظر إلى وزارة الصحة في توفير تراخيص التوريد وتراخيص الإحالة على الاستهلاك. وقد حاولنا مرارا معرفة الإجراءات التي قد تكون اتخذتها هاتين الإدارتين، ليتعذر علينا الحصول على أي إجابة تذكر، رغم إننا اتصلنا بالمكلفين بالإعلام وبالأرقام المتوفرة على المواقع الإلكترونية لهما.