بين نهب أموال عمومية أو تركيز لافتات إعلانية دون تراخيص قانونية أو استغلال أعمدة التنوير العمومي لوضع علامات إشهارية حاجبة للرؤية، تعمد عشرات الشركات المختصة في الإشهار إلى احتلال الملك العمومي المتاخم للطرقات في تجاوز واضح للقانون.
هذا “الانفلات الإعلاني” وثّقه تقرير رقابي صادر عن وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية في نوفمبر 2016.، حصل موقع JDD TUNISIE على نسخة منه إثر مطلب نفاذ إلى المعلومة.
لافتات بلا تراخيص
في قطاع يستقطب العشرات من الشركات الخاصة للإشهار بتونس العاصمة، تصر 37 شركة على عدم تسديد مبالغ متخلّدة بذمتها لفائدة الإدارة الجهوية للتجهيز بتونس العاصمة.
هذه الديون هي نظير تراخيص حصلت عليها الشركات لتركيز 644 لافتة إشهارية في طرقات العاصمة إلى حدود 2016.
وينص الإطار القانوني المنظم للعلامات الإشهارية على أن تتقدم الشركات الخاصة بمطلب، مشفوع بصور ورسوم بيانية تحدد مكان اللافتة للحصول على ترخيص ثم خلاص رسوم الإشغال الوقتي للطرقات قبل تركيز العلامة، بينما يسجل التقرير الرقابي توجه العديد من الشركات نحو تركيز لافتات إشهارية دون الحصول على تراخيص.
ونتيجة لذلك يفوق العدد الجملي للمعلقات الإشهارية المبثوثة هنا وهناك على جنبات الطرقات أكثر مما يتم التصريح به لدى الإدارة الجهوية، وفق تأكيد فريق الرقابة.
يشير تقرير التفقد إلى أن “إحصائيات الإدارة الجهوية للتجهيز لا تعكس الوضعية الميدانية الحقيقية لمجال تركيز العلامات الإشهارية على الملك العمومي للطرقات.”
وقد عاين فريق التفقد جملة من التجاوزات المقترفة في هذا المجال، على غرار تركيز لافتات إشهارية أكبر مما تم الاتفاق عليه أو عدم احترام المسافة القصوى والمحددة بـ10 أمتار بين العلامات الإشهارية والإشارات المرورية أو وجود لافتات على جانبي الطريق أو التعليق اللافتات بأعمدة التنوير العمومي المتوسطة للطريق.
شركة رئيس الحزب تغالط الإدارة
إحدى الشركات الضالعة في تركيز لافتات إشهارية عشوائية، ودون التمتع بترخيص قانوني، هي على ملك رئيس حزب سياسي ممثل في مجلس نواب الشعب. وقد تفطنت الإدارة الجهوية للتجهيز بتونس إلى وجود فارق بين عدد اللافتات التي ركزتها على الطريق العمومي والعدد المسجل لدى الإدارة العمومية.
شركة أخرى دخلت في سياسة لي الذراع مع الإدارة الجهوية للتجهيز، رافضة الانصياع للقانون وإزالة لافتتين إشهاريتين غير قانونيتين بمنطقة جبل الجلود بالعاصمة.
وأمام تمسك المؤسسة العمومية بعدم منح تراخيص جديدة لهذه الشركة، بعث وكيلها شركة جديدة حصل بمقتضاها على ترخيصين جديدين، بينما توجه البعض الآخر نحو بعث شركات وهمية، تكتفي بالحصول على التراخيص لاستئجارها لشركات من الإدارة الجهوية للتجهيز.
في 2015، حصلت إحدى الشركات على تراخيص لاستغلال شارع 9 أفريل بتونس العاصمة، وبعد قرابة سنتين تفطنت التفقدية العامة بوزارة التجهيز إلى أن وكيلة هذه الشركة ليست سوى ابنة رئيس فرع بالإدارة الجهوية للتجهيز بتونس.
هذا الإخلال يعد تضاربا للمصالح من شأنه الإخلال بمبدأ استقلالية العون العمومي، وفق الفصل 5 من النظام الأساسي لأعوان الوظيفة العمومية الذي “يحجّر على كل عون عمومي مهما كانت وضعيته أن تكون له، مباشرة أو بواسطة الغير أو تحت أي تسمية كانت، مصالح بمؤسسة خاضعة لمراقبة إدارته، إذا كانت هذه المصالح مخلة باستقلاليته.”
هكذا إذن كان استهتار العديد من الشركات الخاصة بالقانون المنظم لقطاع اللافتات الإشهارية وضلوع بعض موظفي الإدارة الجهوية للتجهيز بتونس سببا في تجاوزات شتى على الطريق العمومي، وخاصة في إهدار أموال عمومية في وقت تعاني فيه المالية العموية شحا لافتا في الموارد.