بقلم: العميد المختار بن نصر الجمعية الدولية للاستشراف والدراسات الاستراتيجية والأمنية المتقدمة
يحتد النقاش أحيانا منذ الثورة في بلادنا حول مسألة السيادة الوطنية، فكلما اشتد الجدل حول الشركات الدولية التي تنقب عن النفط، وكلما تحرك سفير بشكل ملفت للانتباه، وكلما التجأت الحكومة للبنك الدولي أو لصندوق النقد الدولي أو إلى السوق الدولية بحثا عن القروض إلا وارتفعت الأصوات متسائلة عن “السيادةالوطنية”؛
كما اثارت زيارات رئيس الجمهورية اوبعض المسؤولين او النواب الى بعض الدول جدلا حادا، وتناول البعض مفهوم السيادة والمس من السيادة الوطنية بشكل مبسط بعيدا كل البعد على المعرفة الدقيقة لهذا المصطلح الذي شهد تغيرات كبيرة على مر العصور.
لقد نص دستور الجمهورية التونسية في الفصل الأول على ان “تونس دولة حرة ،مستقلة ذات سيادة….”؛ ونص في الفصل الثالث منه على ان “الشعب هو صاحب السيادة ومصدر السلطات يمارسها بواسطة ممثليه المنتخبين اوعبر الاستفتاء”.
فماهي السيادة الوطنية ؟ وهل هي مطلقة او مقيدة والى أي مدى تآكل مفهوم السيادة في عصرنا الحديث ؟
1- مفهووم السيادة :
كانت فكرة السيادة التي شغلت جانبا هاما في تفكير” ماكيافيلي” حازت اهتمام عدد كبير من المفكرين السياسيين الذين تلوه وكانت موضع تحليلهم ودراستهم ،اولهم المحامي جان بودان1596-1530)) الذي ضمن أفكاره السياسية في كتابه عن الجمهورية “De la république ” اذ عرف السيادة”بأنها السلطة العليا على المواطنين والرعايا والتي لا تخضع للقوانين” ونجد أن عددا كبيرا من المفكرين اتفقوا على أوصافها، فهي واحدة، لا تتجزأ ولا تقبل التصرف وغير خاضعة للتقادم .
وان مفهوم السيادة من الأفكار الأساسية التي أسس عليها صرح القانون الدولي المعاصر، وقد مرت نظرية السيادة بمراحل متعددة، فبعد أن كان نطاق سيادة الدولة على شعبها وإقليمها مطلقا، فإن تطور العلاقات الدولية على مر العقود حمل معه بشكل تدريجي تعديلا لهذا المفهوم .
فالسيادة وضع قانوني ينسب للدولة عند توافرها على مقومات مادية من مجموع أفراد وإقليم وهيئة منظمة وحاكمة، وهي “تمثل ما للدولة من سلطان تواجه به الأفراد داخل إقليمها وتواجه به الدول الأخرى في الخارج، ومن مقتضيات هذا السلطان أن تكون إرادة الدولة وحدها هي مرجع تصرفاتها في مختلف شؤونها “. 1
ويعني ذلك أن سلطة الدولة في الداخل والخارج لا تعلوها أية سلطة أخرى، و ظل مفهوم السيادة – وهو أحد أكثر المواضيع إثارة للجدل في العلوم السياسية والقانون الدولي – يُفهم في الأصل على أنه يعني ما يعادل القوة العليا. ومع ذلك ، غالبًا ما انحرف تطبيقه في الممارسة العملية عن هذا المعنى التقليدي.
في القرن السادس عشر ، استخدمت فرنسا مع جان بودان (1530-1596) المفهوم الجديد للسيادة لتعزيز سلطة الملك الفرنسي على اللوردات الإقطاعيين المتمردين ، مما سهل الانتقال من الإقطاع إلى القومية. وكان المفكر الذي بذل قصارى جهده لتزويد المصطلح بمعناه الحديث هو الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز (1588–1679) ، الذي ناقش “مسالة أن يتمتع شخص ما أو مجموعة من الأشخاص بالسلطة المطلقة لإعلان القانون” ؛ ورأى أن تقسيم تلك السلطة يعني في الأساس تدمير وحدة الدولة. و جاءت نظريات الفيلسوف الإنجليزي جون لوك (1632-1704) والفرنسي جان جاك روسو (1712-1778) – تقر أن الدولة تقوم على ميثاق رسمي أو غير رسمي لمواطنيها ، وهو عقد اجتماعي يعهدون من خلاله صلاحيات للحكومة ،التي قد تكون ضرورية للحماية المشتركة . أدت تلك النظريات إلى تطوير عقيدة السيادة الشعبية التي وجدت تعبيرًا عنها في إعلان الاستقلال الأمريكي في عام 1776. ثم حدث تطور آخر لهذا المفهوم من خلال بيان في الدستور الفرنسي لعام 1791 الذي اقر بأن “السيادة واحدة ، غير قابلة للتجزئة ، غير قابلة للتصرف ولا للتقادم ؛ إنها ملك للأمة. ولا يمكن لأي مجموعة أن تنسب السيادة لنفسها ولا يمكن للفرد أن ينتحلها لنفسه “. وهكذا ، فإن فكرة السيادة الشعبية التي يمارسها الشعب في المقام الأول أصبحت مقترنة بفكرة السيادة الوطنية التي لا يمارسها شعب غير منظم في حالة الطبيعة ، ولكن من قبل أمة مجسدة في دولة منظمة.*4
في القرن التاسع عشر ، طورالإنجليزي جون أوستن (1790-1859) المفهوم من خلال التدقيق في من يمارس السيادة باسم الشعب أو الدولة. وخلص إلى أن السيادة منوطة ببرلمان الأمة. وقال إن البرلمان هو جهاز أعلى يسن القوانين الملزمة لأي شخص آخر ولكنه لا يكون هو نفسه ملزمًا بالقوانين، ويمكنه تغيير تلك القوانين متى شاء. ومع ذلك ، فإن هذا الوصف يناسب نظامًا معينًا للحكم ، مثل النظام الذي كان سائدًا في بريطانيا في تلك الحقبة.
لم تكن فكرة “أوستن” عن السيادة التشريعية مناسبة تمامًا للوضع الأمريكي.اذ لم يمنح دستور الولايات المتحدة ، وهو القانون الأساسي للاتحاد الفيدرالي ، الهيئة التشريعية الوطنية سلطة عليا ، بل فرض قيودًا مهمة عليها. و تمت إضافة مزيدا من التعقيدات عندما أكدت المحكمة العليا للولايات المتحدة حقها في إعلان عدم دستورية القوانين من خلال إجراء ما يسمى بالمراجعة القضائية. على الرغم من أن هذا التطور لم يؤد إلى السيادة القضائية ، إلا أنه منح السلطة السيادية في الدستور. ومما زاد من تعقيد نظام السيادة الدستورية هذا حقيقة أن سلطة اقتراح التغييرات في الدستور والموافقة عليها منوطة ليس فقط للكنغرس ولكن أيضًا للولايات و في الاتفاقيات الخاصة التي دعت لذلك.
و أنشأ مفهوم السيادة المزدوجة لكل من الاتحاد والوحدات المكونة له أساسًا نظريًا. حتى لو تم قبول النظرية المنافسة للسيادة الشعبية التي منحت السيادة لشعب الولايات المتحدة – ، فان تلك السيادة لا يجب أن تمارس نيابة عن الشعب من قبل الحكومة الوطنية فقط ولكن يمكن أن تكون مقسمة على أساس وظيفي بين السلطات الاتحادية وسلطات الولايات.
وقد تم شن هجوم آخر من الداخل على عقيدة سيادة الدولة في القرن العشرين من قبل بعض المفكرين السياسيين (مثل ، ليون دوغيت ، هوغو كرابي ، وهارولد جي لاسكي) الذين طوروا نظرية السيادة (التعددية) التي تمارسها مختلف الهياكل السياسية ، كالمجموعات الاقتصادية والاجتماعية والدينية التي تهيمن على حكومة كل ولاية. وفقًا لهذه العقيدة ، لا تكمن السيادة في كل مجتمع في مكان معين، ولكنها تنتقل باستمرار من مجموعة (أو تحالف مجموعات) إلى أخرى. زعمت نظرية التعددية السيادية كذلك أن الدولة ليست سوى مثال واحد من أمثلة عديدة للتضامن الاجتماعي ولا تمتلك سلطة خاصة مقارنة بمكونات المجتمع الأخرى.
السيادة والقانون الدولي
على الرغم من أن مبدأ السيادة كان له تأثير مهم على التطورات داخل الدول ، إلا أن تأثيره الأكبر كان في العلاقات بين الدول. يمكن إرجاع الصعوبات هنا إلى إقرار “بودين” (بأن الملوك الذين يضعون القوانين لا يمكن أن يلتزموا بالقوانين التي يضعونها). غالبًا ما يتم تفسير هذا الموقف على أنه يعني أن صاحب السيادة ليس مسؤولاً أمام أي شخص وغير ملزم بأي قوانين. ومع ذلك ، فإن كتابات “بودين” تؤكد، ان الملوك ملزمون بمراعاة بعض القواعد الأساسية المستمدة من القانون الإلهي ، وقانون الطبيعة أو العقل ، والقانون المشترك بين جميع الأمم ، وكذلك القوانين الأساسية للدولة التي تحدد من هو صاحب السيادة ، وما الذي يحد من السلطة السيادية. وهكذا ، فإن سيادة “بودين” كانت مقيدة بالقانون الدستوري للدولة والقانون الأعلى الذي كان يعتبر ملزماً لكل السكان. في الواقع ، ناقش بودين العديد من تلك القواعد التي تم دمجها لاحقًا في نسيج القانون الدولي باعتبارها ملزمة للدول. ومع ذلك ، فقد استخدمت نظرياته لتبرير الحكم المطلق في النظام السياسي الداخلي والفوضى في المجال الدولي.
تم تطوير هذا التفسير إلى نهايته المنطقية من طرف هوبز في كتابه اللوياثان Leviathan (1651) ، وهو تمساح هائل متسلط على جميع الوحوش البحرية، حيث تم تحديد السيادة بالقوة بدلاً من القانون. مؤكدا ان القانون هو ما تامر به السيادة ، و ان الدولة يجب ان تكبح جموح الانسان واطماعه مبينا انه ليس من الضروري ان يكون صاحب السلطة ملكا بل يمكن ان يكون مجلسا او هيئة 5 .على الصعيد الدولي ، أدى هذا الشرط إلى حالة حرب دائمة ، حيث حاول أصحاب السيادة فرض إرادتهم بالقوة على جميع الملوك الآخرين. وقد تغير هذا الوضع قليلاً بمرور الوقت ، مع استمرار الدول ذات السيادة في المطالبة بالحق في أن يكونوا قضاة في خلافاتهم الخاصة ، وفرض مفهومهم الخاص لحقوقهم عن طريق الحرب ، ومعاملة مواطنيهم بالطريقة التي تناسبهم ، وتنظيم حياتهم الاقتصادية مع تجاهل تام للتداعيات المحتملة في الدول الأخرى.
خلال القرن العشرين ، بدأت تظهر قيود مهمة على حرية عمل الدول. اذ أرست اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و 1907 قواعد تفصيلية تنظم إدارة الحروب في البر والبحر. فميثاق عصبة الأمم، يقيد الحق في شن الحرب ، كما أدان ميثاق كيلوغ – برياند لعام 1928 اللجوء إلى الحرب من أجل حل الخلافات الدولية واستخدامها كأداة سياسة قومية. ثم جاء ميثاق الأمم المتحدة ، الذي فرض واجب الدول الأعضاء على “تسوية نزاعاتها الدولية بالوسائل السلمية بطريقة لا تعرض السلم والأمن الدوليين والعدل للخطر” ، وأكملها بأمر قضائي بأن جميع الأعضاء “تمتنع في علاقاتها الدولية عن التهديد بالقوة أو استخدامها” (المادة 2). ومع ذلك ، نص الميثاق أيضًا على أن الأمم المتحدة “تقوم على مبدإ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها”.6
ويحظر القانون الدولي تدخل أية دولة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى، إذ تكون كل دولة حرة في اختيار وتطوير نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، دونما تدخل من جهة أخرى. غير أن سيادة الدولة تكون مقيدة بأحكام القانون الدولي وخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان وارتكاب جرائم الحرب وجرائم إبادة الجنس البشري. فالدولة ليست مطلقة التصرف في ميدان العلاقات الدولية، إذ هي تخضع للقانون الدولي الذي هو مفروض على الدول بناء على اعتبارات تعلو على إرادتها والذي يورد قيودا على تصرفات الدول، ويحكم علاقاتها مع الدول الأخرى ومع الهيئات الدولية.7
نتيجة لهذه التطورات ، لم تعد السيادة تعتبر مرادفًا للسلطة غير المقيدة. قبلت الدول مجموعة كبيرة من القوانين التي تحد من حقها السيادي في التصرف كما يحلو لها. وعادة ما يتم تفسير هذه القيود على السيادة على أنها مستمدة من الموافقة أو التحديد الذاتي ، ولكن يمكن بسهولة إثبات أنه في بعض الحالات ، تم اعتبار الدول ملزمة بقواعد معينة من القانون الدولي على الرغم من عدم وجود دليل مقنع على أن هذه القواعد قد تم قبولها صراحةً أو ضمنيًا من طرفهم. على العكس من ذلك ، لا يمكن عادةً فرض قواعد جديدة على دولة ما ، بإرادة الدول الأخرى دون موافقتها . وبهذه الطريقة تم تحقيق التوازن بين احتياجات المجتمع الدولي ورغبة الدول في حماية سيادتها إلى أقصى حد ممكن.
فالسيادة تعني سيطرة الدولة على الأرض الخاصة بها، وفرض سلطتها عليها، وفرض القانون بكافّة الطرق المشروعة وبالقوّة إذا دعت الضرورة لذلك، وتعني السيادة أيضًا استقلال الدولة وعدم وجود تدخلات داخلية أو خارجية، ووفقًا لهذا المفهوم وواقع الحال، لا توجد سيادة مطلقة؛ فلا سيادة كاملة سواء في الشؤون الداخلية أو الخارجية، ويُمكن تعزيز السيادة داخل الدولة عن طريق إجبار أفرادها على احترام القوانين وطاعتها، وتنفيذ المراسيم التي تصدر عن السلطات العامة، أمّا ما يحد من السيادة الخارجية للدولة فهو احتوائها على أراضٍ مستعمرة؛ الأمر الذي يجعل الدولة خاضعة لقوة اخرى، وكذلك الدول التي تخضع لحكومة اتحادية8.
الدول غير السيادية
لقد فقد التمييز في القرن التاسع عشر بين الدول ذات السيادة الكاملة وفئات عديدة من الوحدات الأقل سيادة أهميته بموجب قانون الأمم المتحدة. لم يتم التركيز على الاختلافات القانونية بين المستعمرات والدول المحمية والمحميات والدول الواقعة تحت سيادة دولة أخرى ولكن على التمييز العملي بين الأقاليم المتمتعة بالحكم الذاتي والأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي. بموجب ميثاق الأمم المتحدة ، أصبحت الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي “أمانة مقدسة” ، ووعدت الدول التي تديرها بتطويرها نحو الحكم الذاتي. تم وضع بعض هذه الأراضي تحت إشراف مجلس الوصاية التابع للأمم المتحدة ، مما أدى إلى إشراف اكبرعلى إدارتها من قبل الأمم المتحدة و تقدمها بشكل أسرع نحو الحكم الذاتي أو الاستقلال. وبمجرد أن يحقق الإقليم الحكم الذاتي ، على النحو المحدد في قرارات الجمعية العامة ، يتوقف إشراف الأمم المتحدة عليه، على الرغم من عدم الوصول إلى وضع المستقل.9
وقد باتت السيادة الوطنية للدول تواجه وضعا خطيرًا شهد تفاقما واضحا بفرض قيود عليها منذ وقت ليس بالقصير إن لم يكن منذ نشأة الدولة الوطنية ذات السيادة أصلا، ووصلت الأمور إلى حد بات معه فريق من المحللين يتحدث عن زوال أو اختفاء ظاهرة السيادة الوطنية،وهو حكــم يراه البعض مبالغا ً فيه، وإن كان ثمة اتفاق على خطورة ما ألم بالسيادة الوطنية للدول المتوسطة والصغيرة بصفة خاصة. فواقع الأمر أن ظاهرة السيادة الوطنية لم تنته تماما، إذ مازالت هناك فئة من الدول قادرة على أن تختلف مع الإرادة الأمريكية دون أن تختفي من خريطة العالم كما حدث بالنسبة للاتحاد السوفياتي، فالصين وبعض الدول الأوروبية وبعض الدول ذات الأدوار الإقليمية القيادية مازالت قادرة على التعامل مع تلك الإدارة بحسابات رشيدة، ومعقدة تجعل القيود على سيادتها في حدها الأدنى، أو على الأقل ترسم خطا أحمر أمام المصالح الحيوية لتلك الدول لا يمكن للقيود على السيادة أن تتجاوزه، ومن المؤكد أن تعزيز التطور الديمقراطي الداخلي في الدول سوف يزيد من قدرتها على تحدي القيود الخارجية على سيادتها بقدر ما يوجده هذا التطور من مجتمع متماسك في وجه محاولات الهيمنة الخارجية، وكذلك بقدر ما يقضي على بعض ذرائع التدخل في الشؤون الداخلية للدول ومنها القول بانعدام الديمقراطية أو عدم احترام حقوق الإنسان فيها.10
لم يدم مفهوم السيادة المطلقة غير المحدودة لفترة طويلة بعد اعتماده ، سواء محليًا أو دوليًا. لقد فرض نمو الديمقراطية قيودًا مهمة على سلطة الحاكم والطبقات الحاكمة. وأدى ازدياد الاعتماد المتبادل بين الدول إلى تقييد مبدأ القوة في الشؤون الدولية. لقد أدرك المواطنون وصانعو السياسات عمومًا أنه لا سلام بدون قانون وأنه لا يمكن أن يكون هناك قانون بدون بعض القيود على السيادة. لذلك بدأوا في تجميع سيادتهم إلى الحد المطلوب في كيانات للحفاظ على السلام والازدهار ،مثل ، منظمة حلف شمال الأطلسي ، ومنظمة التجارة العالمية ، والاتحاد الأوروبي – وكانت السيادة على نحو متزايد تمارس نيابة عن شعوب العالم ليس فقط من قبل الحكومات الوطنية ولكن أيضًا من قبل المنظمات الإقليمية والدولية. وهكذا ، فإن نظرية السيادة المقسمة ، التي تم تطويرها لأول مرة في الدول الفيدرالية ، بدأت قابلة للتطبيق في المجال الدولي.
لقد مرت نظرية السيادة بمراحل متعددة، فبعد أن كان نطاق سيادة الدولة على شعبها وإقليمها مطلقا، فإن تطور العلاقات الدولية على مر الزمن حمل معه تعديلا على هذا النطاق بصورة تدريجية. إن السيادة الوطنية في الوقت الراهن اهتزت، لكونها عرفت العديد من التحديات على صعيد العديد من القطاعات سواء في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي، سواء أرادت الدول ذلك أم أبت، مما يجعلنا نتساءل حول أوجه التأثير على مظاهر سيادة الدول خلال فترة النظام العالمي الجديد.11
اذ تمثل العولمة تشابك غير مسبوق للعلاقات والمصالح والالتزامات بين الدول وتحد بشكل كبير من سيادة الضعيف منها .
ختاما لقد ادت التحولات الهامة على الساحة الدولية بفعل العولمة الى تأثيرات بالغة على العلاقات الدولية ومنها السيادة الوطنية ومبدأ استقلال الدول. الذي تأثر بعدة تيارات مما أدى إلى التأثير عليه سلبا، وهذا ما تعاني منه الدول الفقيرة امام الدول الغنية ، أدى ذلك إلى البحث على مدى تجسيد السيادة الوطنية على الساحة الدولية ، و ما مدى تطبيق أو وجود مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، والذي نص عليه ميثاق الأمم المتحدة في المادة الثانية الفقرة السابعة. لقد تعرضت نظرية السيادة في العصر الحديث لانتقادات جوهرية وهجرها الكثير على اعتبار أنها لا تتفق مع الظروف الحالية للمجتمع الدولي، والواقع أن نظرية السيادة أسيء استخدامها لتبرير الاستبداد الداخلي والفوضى الدولية. ولقد أدت هذه النظرية إلى إعاقة تطور القانون الدولي، والى عرقلة عمل المنظمات الدولية والى تسلط الدول القوية على الدول الضعيفة. وقد اتجه مفهوم السيادة في الوقت الحاضر نحو منحى جديد، ذلك أن تحولات النظام الدولي في الميادين الاقتصادية والسياسية والعسكرية أدت إلى انحسار و تآكل فكرة سيادة الدولة الوطنية.12
وذلك تبعا لعدة حقائق قائمة، أهمها أن مبدأ السيادة دائم مستمر لا يتغير، إلا أن صورتها وحقيقتها والمسؤوليات التي تنهض بها تتغير مع الزمن أو يعاد توزيعها. ولا تعني التطورات الحادثة الآن نهاية مفهوم السيادة، ولكن تعني أن السيادة قد تغير مفهومها وتم إعادة توزيعها. فقبل الثورة الفرنسية كانت السيادة ملكا للأباطرة والملوك ثم انتزعها الثوار ومنحوها للشعب، وصاحب ذلك موجة عارمة من استغلال الشعوب . أما التطورات العالمية الحالية فقد أدت إلى تدويل السيادة وتوسيع نطاقها بحيث لم تعد خاصة بالشعب والدولة وحدها ولكن يشارك فيها المجتمع الدولي ممثلا في القوى المتحكمة به.
أما ما يشار إليه في الفقه القانوني عادة بمبدأ المساواة في السيادة أو مبدأ المساواة بين الدول المستقلة ذات السيادة، فإنما هو مبدأ نظري ويكاد يكون العمل في الغالب والواقع على غير ذلك. ومؤدى ذلك أن السيادة ترتبط ارتباطا وثيقا من حيث طبيعتها ومدى اتساع أو ضيق نطاق تطبيقها بقدرات الدولة وإمكاناتها الذاتية، أي أن القوة شرط من شروط ممارسة السيادة والحفاظ عليها، وهو ما يثير في النهاية قضية العدالة الدولية على كافة الأصعدة.لذلك نقول للمتباكين على السيادة الوطنية في بلادنا كلما سعت الدولة لتوسيع التعاون مع دول أخرى بشكل ما، ان السيادة الحقيقية هي ان تتوفر مقومات القوة عسكريا وامنيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ،و ان السيادة تفرض فرضا حسب ما توفر للدولة من قوة ولا يكون ذلك الا بالعمل وبتكريس الوحدة الوطنية ؛اما مانراه اليوم من فوضى و اضطراب في الأداء واضرابات عشوائية بالآلاف وتمزق سياسي وضرب للوحدة الوطنية لا يزيد الدولة الا ضعفا ووهنا ويقتح الباب على مصراعية لتدخل الهيئات الدولية وأصحاب المصلحة من الدول الاجنبية فتضيع عندها السيادة والاستقلال معا ،وعندها “سنبكي كالنساء وطنا لم ندافع عنه كالرجال “على حد تعبير عائشة أم الأمير أبو عبد الله محمد الثانى عشر ، آخر ملوك الأندلس الذى سلم غرناطة .
المراجع :
1- دفاتر السياسة القانونية العدد الرابع / جانفي 2011 ،تراجع السيادة الوطنية في ظل التحولات الدولية. : نـواري أحـلام -جامعة سعيدة الجزائر
- – 2-3 Sovereignty and international lawhttps ://www.britannica.com/topic/sovereignty Sovereigntyandinternational-law
4-حقوق الانسان وحدود السيادة الوطنية -سعيد الصديقي
– 2-3 Sovereignty and international lawhttps ://www.britannica.com/topic/sovereignty Sovereigntyandinternational-law
– السيادة في القانون الدولي المعاصر -قرداين خديجة https://www.asjp.cerist.dz/en/article/56069
5.تراث الفكر السياسي قبل الأمير وبعدة -فاروق السعد
6-ميثاق الأمم المتحدة … https://fr.m.wikipedia.org/wiki/Charte_des_Nations_unies
-7 https://sotor.com/A7/ مقومات الدولة وعناصر تكوينها
-8 -مبدا السيادة في ظل التحولات الدولية -اميرة حناشي
10-9-https ://www.britannica.com/topic/sovereignty Sovereigntyandinternational-law
12-11- دفاتر السياسةالقانونيةالعدد الرابع/جانفي 2011 – تراجع السيادة الوطنية في ظل التحولات الدولية. : نـواري أحـلام -جامعة سعيدة الجزائر