صحيفة الأحد – Jdd Tunisie

“الحرقة”: غوص في بحر معاناة المهاجرين غير النظاميين

كلّ المؤشرات، من نسب المشاهدة وآراء النقاد والمشاهدين خاصة على المجموعات المغلقة المخصصة لمتابعي أعمال الدراما، تؤكّد نجاح المخرج الأسعد الوسلاتي وفريق مسلسل “الحرقة” في تحريك المياه الراكدة في علاقة بمعاناة المهاجرين غير النظاميين التونسيين والأفارقة من جنوب الصحراء الذين يتخذون من تونس معبرا نحو “الجنّة الأوروبية الموعودة”.

“الحرقة” في الصحافة الإيطالية


تُصوّر أغلب حلقات المسلسل الذي يبث على القناة الوطنيّة الأولى، حياة المهاجرين غير النظاميين داخل أحد مراكز الإيواء الإيطالية، مماّ مثّل نقطة تميّز جوهريّة للعمل الذي تناول ملف الهجرة السريّة بعيدا عن الكليشيهات التي تصاحبه في كل مناسبة.
داخل المركز يسّلط الوسلاتي الضوء على الإحساس بالدونية والاحتقار الذي يعاني منه المهاجرون فور وصولهم إلى الضفة المقابلة من المتوسط فيعامَلون كمجرمين ويودعون في مكان أشبه بالسجن حيث يُمنع الخروج منه ويحجّر استعمال الهواتف ويتكدّس الشباب الحالم بأوروبا داخل مبيتات مكتظة دون مراعاة لكرامتهم الإنسانية.



داخل المركز أيضا يُتاجر القائمون عليه بأطفال المهاجرات فيتم إقناعهن بأن أبناءهم سيحظون بمصير أفضل إذا تم التخلي عنهم لفائدة عائلة إيطالية ويشير المسلسل إلى أن الدولة الإيطالية تتلقى تمويلات ضحمة بعنوان مساعدة المهاجرين لكنها تقدم لهم وجبات غذائية فاسدة وتعاملهم بازدراء.
الصّحافة الإيطالية، تحدّثت بدورها عن هذا العمل دون إنكار ما جاء فيه من مشاهد قاسية وصادمة واختراق للقوانين خاصة فيما يتعلّق بالترحيل القسري للـ”حارقين” الذي يدفع بعضهم إلى الإقدام على الانتحار.

عائلات المفقودين

مشاهد مؤلمة في المسلسل تتعلق بنفوق جثث على شاطئ جرجيس وشهادات حقيقية لنساء فقدن أبناءهن في عمليات “حرقة”، يقول عندها مخرج العمل إن “ذلك كان هو الخيار، لأنه للأسف يجب أن نتزعزع من الداخل وننصدم بالواقع من أجل أن نستيقظ من هذا الكابوس الذي أبى أن ينتهي”.
بعد جانفي 2011، غادر آلاف التونسيين بطريقة غير نظامية مستغلين حالة الانفلات الأمني التي عاشت على وقعها البلاد مؤقّتا لكن حوالي 500 منهم فُقدوا دون معلومات أكيدة حول غرقهم أو سجنهم بعد وصولهم إلى التراب الإيطالي.
“الحرقة” لفت إلى تعاطي وزارة الخارجية والدولة التونسية مع هذا الملف العالق منذ ما يزيد عن 10 سنوات مما أثار حفيظة نقابة السلك الدبلوماسي، خاصّة أن طريقة الطرح كانت “عنيفة” نسبيا من خلال تصوير عملية إقدام والدة أحد المفقودين على حرق نفسها بعد تجاهل ولامبالاة الوزارة.


الخروج من نسخة الهاتف المحمول