العميد المختار بن نصر الجمعية الدولية للاستشراف‎ ‎والدراسات الاستراتيجية والأمنية المتقدمة

لما انطلقت الثورة في البلاد منذ عشر سنوات كانت تحمل امالا عريضة، فحلم الشعب ‏بالحرية والكرامة والرفاه في ظل نظام ديمقراطي، مودعا بلا رجعة نظاما كليانيا جثم ‏على الصدور لعقود ،لكن كانت الانطلاقة متعثرة وانكشف مع مرور السنوات عجز ‏الطبقة السياسية على إدارة المرحلة بنجاح، فعم التناحر والصراع بين أحزاب متهافتة، ‏وحلت ازمة سياسية خانقة رمت بظلالها على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ‏والامنية، وتعطلت عجلة الإنتاج وعمت الفوضى وتشبث الجميع بالمطالبات المتواصلة ‏بالحقوق ونسي الكثيرون القيام بالواجبات ،وانتهي الامر بالبلاد على حافة الإفلاس ‏وبالطبقة السياسية الى حد العجزعن انقاذ البلاد من الانهيار،فانطفأت جذوة الحماس ‏وتبدد ذلك الامل الذي انطلق مع أولى أيام الثورة بانشاء دولة حديثة ديمقراطية تسودها ‏العدالة وعلوية القانون، تعمل هياكلها في اطار الحوكمة الرشيدة واحترام حقوق ‏الانسان وتقطع مع الاستبداد والظلم والفساد، وضاعت الثقة في الطبقة السياسية التي ‏تشبثت بالحفاظ على مصالها الذاتية على حساب المصلحة العليا للوطن، واصبحنا نعيش ‏في” دولة هشة ” متأزمة ونقترب كل يوم من ” الدولة الفاشلة” التي اصبحت تتجسد ‏امام اعيننا ،وبدأً يضيع الامل بان تكون بلادنا دولة حديثة متقدمة تسهم بفظل كفاءاتها ‏وشبابها في بناء مجتمع متماسك متحضر واع يسهم بابداعات طاقاته الحية في بناء ‏الحضارة الإنسانية .‏
فماهي الدولة الهشة ؟ وما دولة الازمة والدولة الفاشلة ؟ وماهي تداعياتها على الامن ‏والاستقرارالدوليين ؟

Crédit Photo: JDD Tunisie


‏1-‏ الدولة الهشة: ‏
‏ “الدولة الهشة” هي دولة معرضة بشكل كبير للأزمات في واحد أو أكثر من أنظمتها ‏الفرعية. إنها دولة تعيش صعوبات داخلية وخارجية و تمزقها صراعات محلية ودولية ‏‏. في الدولة الهشة ،تستفحل الازمات وتعجز المؤسسات والادارة عن معالجة الأوضاع، ‏فمن الناحية الاقتصادية ، يتعزز الركود وتنهار معدلات النمو وتنتشرالبطالة والفقر ، و ‏يتجسد التفاوت الشديد في الثروة ،او في الحصول على وسائل لكسب العيش؛ من ‏الناحية الاجتماعية ، يلاحظ تفاوتًا شديدًا أو نقصًا في التمتع بالصحة و بالتعليم ‏ومختلف الخدمات ؛ من الناحية السياسية ، قد ترسخ المؤسسات تحالفات إقصائية في ‏السلطة (من الناحية الاديولوجية او العرقية أو الدينية …) ، مع بروز المجموعات ‏المتطرفة أو التنظيمات الأمنية المتشظية بشكل كبير و تكون المؤسسات القضائية شبه ‏معطلة وعرضة للتحديات التي تفرضها الأنظمة المتنافسة ، سواء كانت ناتجة عن ‏السلطات التقليدية ، التي انتجتها المجتمعات في ظل ضغوط لا تراعي إمكانيات الدولة ‏‏(من حيث الأمن أو التنمية) ، أويفرضها أمراء الحرب ، أو غيرهم من سماسرة السلط ‏غير الحكومية. إن نقيض “الدولة الهشة” هو “دولة مستقرة” – دولة تظهر فيها ‏المؤسسات الشرعية أو القانونية القادرة على تحمل الصدمات الداخلية والخارجية ويظل ‏الخلاف داخل حدود الترتيبات القانونية السائدة.‏‎2‎


‎2‎‏-دولة في حالة الازمة:

في حالة الأزمة تتعرض الدولة لضغوط شديدة ، حيث تواجه ‏المؤسسات الحاكمة نزاعًا خطيرًا وقد تكون غير قادرة على إدارة الصراع والصدمات. ‏ويبرزخطر انهيار الدولة. ولا تكون تلك حالة دائمة ، وانما تظهر في وقت معين ، ‏لذلك يمكن للدولة التي تصل إلى “حالة الأزمة” ان تتعافى منها ، أو يمكن أن تظل في ‏أزمة لفترات طويلة نسبيًا ، أو يمكن أن تنهار ان عجزت عن معالجتها . ويمكن أن ‏تؤدي مثل هذه الحالة ، إلى تشكل دول جديدة ، أو إلى الحرب والفوضى ، أو إلى ‏توطيد “النظام القديم”. يمكن أن توجد أيضًا “أزمات” محددة داخل الأنظمة الفرعية ‏للدولة – أزمة اقتصادية ، اوأزمة صحية ، اوأزمة نظام عام ، اوأزمة دستورية ، كل ‏منها على حدة لا ترقى إلى حالة الأزمة الشاملة على الرغم من أن أزمة النظام الفرعي ‏يمكن أن تكون شديدة وممتدة بدرجة عالية بحيث تؤدي إلى حالة ازمة شاملة. إن نقيض ‏حالة الأزمة هي “الدولة المرنة” ، حيث تكون المؤسسات عمومًا قادرة على التعامل مع ‏الصراع ، وإدارة الأزمات الفرعية ، فتكون الدولة بين الهشاشة والاستقرار.‏


‎3‎‏-الدولة الفاشلة :

تعتبر الدولة الفاشلة بداية “لانهيار الدولة” ، فهي الدولة التي لم تعد ‏قادرة على أداء وظائفها الأمنية والاجتماعية والتنموية الأساسية وليس لديها سيطرة ‏فعلية على أراضيها وحدودها. الدولة الفاشلة هي الدولة التي لم تعد قادرة على إعادة ‏إنتاج الشروط الضرورية لوجودها. يستخدم هذا المصطلح بطرق متناقضة للغاية في ‏مجتمع السياسات (على سبيل المثال ، هناك ميل إلى تصنيف حالة دولة “ضعيفة ‏الأداء” على أنها “فاشلة” )،ومن الصعب التأكد من الخط الفاصل بين هذين الشرطين. ‏حتى في الدولة الفاشلة قد تستمر بعض عناصر الدولة في الوجود ، مثل المنظمات ‏المحلية .يقول نعوم تشومسكيالدولة الفاشلة هي “الدولة غير القادرة أوغير الراغبة في ‏حماية مواطنيها من العنف وربما من الدمار “، والتي “تعتبر نفسها فوق القانون، محلياً ‏كان أم دولياً”. وحتى إذا ما كانت الدولة الفاشلة تملك أشكالاً ديمقراطية، فأنها تعاني من ‏قصور وعجز ديمقراطي خطير يجرد مؤسساتها الديمقراطية من أي جوهر حقيقي.‏‎3‎‏ ‏الدولة الفاشلة هي تلك التي تصبح غير قادرة على ضمان الوظائف والمسؤوليات ‏الأساسية لدولة ذات سيادة ، مثل الدفاع عن مجالها ومواطنيها ، وتحقيق الامن و إنفاذ ‏القانون وتحقيق العدالة ، أو توفير التعليم الجيد، أو ضمان الصحة للمواطنين وتحقيق ‏الاستقرار الاقتصادي. وتشمل الخصائص المشتركة للدول الفاشلة انتشار العنف المدني ‏و تفشي الفساد واستفتحال الجريمة والفقر والأمية وتداعي البنية التحتية . ويمكن للدولة ‏ان تفشل حتي وان أدت وضائفها بشكل صحيح ، إذا ما فقدت مصداقيتها وثقة الناس ‏فيها.‏
تشمل العوامل المساهمة في فشل الدولة عادة ،التمرد على سلطتها ، وارتفاع معدلات ‏الجريمة داخل المجتمع فيسبب ذلك ارتخاء القبضة الامنية، والرزح تحت بيروقراطية ‏مفرطة ، واستشراء الفساد ، وعدم الكفاءة القضائية ، والتدخل العسكري في السياسة.‏
ورغم سوء الأوضاع في أماكن عديدة حول العالم، حلت معظم الدول العربية في مراتب ‏متقدمة على مؤشر الدول الهشة لعام ‏‎2019‎‏.‏‎ ‎فقد حلت اليمن الاولى بين دول العالم من ‏حيث هشاشة الدولة وخطورة الأوضاع فيها، ولأسباب أبرزها الحرب الدائرة منذ ‏سنوات وتداعياتها. ثم جاء الصومال وسوريا وجنوب السودان في أعلى قائمة الدول ‏التي استوجب سوء الأوضاع فيها “التحذير بدرجة عالية جدا”، حسب المؤشر. ويقيس ‏ذلك المؤشر ضغوطا وتحديات مختلفة تواجه 178 دولة حول العالم، من خلال تحليل ‏اثنى عشرعاملا أساسيا وأخرى فرعية في المجالات السياسة والاجتماعية ‏والاقتصادية. ويضع المؤشر الذي تعده سنويا مجلة السياسة الخارجية ” فورين ‏بوليسي” بدعم من صندوق السلام الأميركي، الدول ضمن احدى عشرتصنيفا بناء ‏على ضعفها وعدم استقرارها.وتظهر النتائج تردي الأوضاع في غالبية الدول العربية، ‏خصوصا تلك التي تعاني من حروب داخلية وخارجية خلال السنوات الأخيرة، ما ‏جعلها مركزا لعدم الاستقرار ضمن فئات الدول ذات الإنذار العالي جدا .ومن بين ‏مجمل الدولة التي تم فحصها ، احتلت تونس المرتبة ‏‎95‎عالميا بدرجة تحذير متوسط ‏وبمؤشر‎70,1‎‏ وجاءت في المرتبة‎14 ‎عربيا والولايات المتحدة بالمرتبة 153 الأكثر ‏استقرارًا ، تليها جمهورية التشيك والمملكة المتحدة ومالطا واليابان.‏‎4‎
فالدول الهشة، حسب التقرير، هي تلك التي لديها قدرة في حدود متدنية لإنجاز وظائف ‏إدارة الحكم، وتعاني من أزمات داخلية وخارجية في المجالات السياسية والاقتصادية ‏والاجتماعية، ناهيك عن تفشي الفساد السياسي والمالي .ورغم اختلاف ظروف الدول ‏الهشة داخليا، تشترك في تفشي متلازمة الفقر والبطالة والفساد وانعدام الأمن. ‏
‏ لقد طور تشارلز تي كول ، تعريف الدولة الفاشلة ، باعتماد مفهوم أكثر موضوعية ‏يسميه “إطار عمل الفجوة”. يحدد إطار العمل ثلاث فجوات أو مجالات لم تعد الدولة ‏قادرة على توفيرها عندما تبدأ في الفشل. وهي ،الخدمات ، عندما لا تستطيع الدولة ‏تقديم والخدمات الأساسية والسلع بشكل فعال للشعب ؛ الامن ،عندما تكون الدولة غير ‏قادرة على حماية سكانها من الغزو المسلح ‏‎ ‎او من بعضهم البعض ؛ والشرعية عندما ‏‏”يرفض جزء كبير من النخب السياسية في الدولة والمجتمع القواعد المنظمة للسلطة ‏وتراكم الثروة وتوزيعها”.‏
‏ واصبح بالإمكان اليوم القيام بالقياسات الكمية لفشل الدولة حيث ، انشأ علماء الاجتماع ‏والسياسة تصنيفات مثل مؤشر هشاشة الدولةfragile states index ‎‏ ‏‎ ‎الذي يستعمل ‏لضبط و تقييم نقاط الضعف ومستوى التطور في كل دولة وفقًا لأربعة عناصر رئيسية ‏‏– تتعلق بالوضع الاجتماعي والسياسي و الاقتصادي والتماسك الامني – يتكون كل ‏منها من ثلاثة مؤشرات على النحو التالي:‏
‏-‏ المؤشرات الاجتماعية ،الضغوط الديموغرافية (الإمدادات الغذائية ، الوصول ‏إلى المياه الصالحة للشرب ، إلخ.) اللاجئون أو المشردون داخليا ،التدخل ‏الخارجي (تأثيرالجهات الخارجية السرية والعلنية)‏
‏-‏ المؤشرات السياسية، شرعية الدولة (تمثيل الحكومة وانفتاحها) ،الخدمات العامة ‏الأساسية، حقوق الإنسان وسيادة القانون
‏-‏ المؤشرات الاقتصادية،الضعف الاقتصادي ،التنمية الاقتصادية غير المتكافئة ‏،عدم المساواة في الدخل وهجرة الأدمغة.‏
‏-‏ مؤشرات التماسك الامني،جهاز الأمن (القدرة على الرد على التهديدات ‏والهجمات) ،النخب المنقسمة (تشظي مؤسسات الدولة) ،التظلم (الانقسامات بين ‏فئات المجتمع).‏‎5‎
‏ وتتضمن معظم القياسات النوعية لفشل الدولة تقييم الأطر النظرية ، مثل “إطار عمل ‏الفجوة” المذكور. بافتراض أن فشل الدولة هو عملية يمكن قيسها ، وانه يمكن تصنيف ‏الدول المهددة وفقًا لمراحل الفشل المختلفة. و “نموذج المرحلة” الذي طوره الباحث ‏الألماني أولريش شنيكنر ،الذي يأخذ في الاعتبار ثلاثة عناصر أساسية لكل دولة: ‏احتكار السيطرة والشرعية وسيادة القانون. بناءً على هذه العناصر الأساسية ، يتم تقييم ‏الدول على أنها موحّدة ومستقرة او ضعيفة او هشة او فاشلة . في الدول الموحدة ‏المستقرة ، تعمل جميع الوظائف الأساسية بشكل صحيح. في الدول الضعيفة ، يظل ‏احتكار الدولة للسيطرة سليمًا ، لكن الشرعية وحكم القانون معيبان. في الدول الهشة ، ‏تفقد الدولة احتكار القوة ، في حين تبقى الوظيفتان الأساسيتان الأخريان سليمتين جزئيًا ‏على الأقل. أخيرًا ، في الدول الفاشلة ، لا تعمل أي من الوظائف الأساسية الثلاث بشكل ‏صحيح.‏


‎4‎‏-ثاتير الدولة الفاشلة على الاستقرار والسلم الدوليين

منذ اعلان الحرب على الإرهاب العالمي ، أصبحت عواقب فشل الدول على المجتمع ‏الدولي أكثر ضررًا من أي وقت مضى، لقد اصبح اختراق الحدود يتم بيسر ،فعناصر ‏القاعدة الذين نفذوا هجمات 11 سبتمبر 2001 كانوا متمركزين وتدربوا في أفغانستان ‏وتحركوا في عديد البلدان ،ليضربوا في أمريكا ، وتفرعت القاعدة لتنتشرفي كل القارات ‏،القاعدة بالمغرب الإسلامي ، القاعدة بالساحل الافريقي واخري بآسيا وكذلك هو الشأن ‏بالنسبة لتنظيم”داعش”الإرهابي، ‏
تنتهي الدول الفاشلة أيضًا كبؤر لكل أنواع التهديدات الدولية الأخرى. كتدفق الأسلحة ‏وانتشار الاتجار بالمخدرات وتعشيش الإرهاب وتجنيد الأطفال والاتجار بالبشر، وتفشي ‏الجريمة المنظمة وهذه بعض الأمثلة لأكثر الدول الفاشلة شهرة في العالم ، و العوامل ‏المتعددة التي اسهمت في عدم استقرارها :‏
الصومال :تعتبر الصومال الدولة الأكثر فشلًا في العالم ، فقد كانت بدون حكومة فعالة ‏منذ الحرب الأهلية الصومالية المدمرة في عام 1991. تشتهر بانتهاكاتها لحقوق ‏الإنسان ،و كثرة الفصائل السياسية المتحاربة ، وانعدام الأمن ، فالبلاد مليئة باللاجئين ‏المشردين. إلى جانب أكثر من مليون من نازحيها ، تواجه الصومال تمردًا من ‏الإرهابيين الجهاديين الإسلاميين التابعين لتنظيم القاعدة مما اثر على الوضع الأمني في ‏كامل منطقة الساحل الافريقي ودفع الى الدخل الأجنبي في المنطقة‎.‎
جنوب السودان : إضافة الى مسالة شرعية الدولة ، يعاني اللاجئون المظالم الفئوية ، ‏وانتهاك لحقوق الإنسان ونقص الخدمات العامة ، والتهديدات من الجها ت الخارجية ، ‏وكان جنوب السودان مسرحًا لقتال مستمر منذ استقلاله في عام 2011. بعد معركة ‏دامية شاملة وتداعيات الحرب الأهلية ‏‎2013‎، ورغم توقيع اتفاقية سلام في عام 2015 ‏، لم يتم تشكيل حكومة موحدة انتقالية ،فتسببت الحرب في نزوح أكثر من 18٪ من ‏سكان البلاد ، مع تعرض مئات الآلاف من المواطنين لخطر المجاعة.‏
اليمن: منذ عام 2015 ، سمحت حرب أهلية وحشية ومتعددة الجوانب لجماعات داعش ‏والقاعدة الإرهابية بتحقيق مكاسب كبيرة في اليمن. في ذات الوقت ، أدى التدخل ‏المباشر من قبل المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى إلى فوضى وكارثة ‏واسعة النطاق في جميع أنحاء الدولة. لا يزال حوالي 11٪ من السكان ، أكثر من 2.8 ‏مليون شخص ، نازحين داخليًا ، بينما يواجه 59٪ من السكان انعدام الأمن الغذائي أو ‏المجاعة.‏
أفغانستان: منذ انتهاء العمليات القتالية الأمريكية في أفغانستان في ديسمبر 2014 ، ‏أصبحت البلاد أكثر هشاشة بسبب الافتقار إلى الأمن والخدمات العامة ، والتدخل ‏الأجنبي. على الرغم من الإطاحة بحركة طالبان في عام 2001 ، إلا أنها حققت مكاسب ‏كبيرة في تمردها ضد الحكومة الأفغانية والمهمة التي تقودها الولايات المتحدة في ‏أفغانستان ، مما أدى إلى تأخير الانسحاب الأمريكي الكامل من البلاد بعد 15 عامًا من ‏بناء الدولة .‏
سوريا :مع تمزق مجتمعها بسبب حرب أهلية متعددة الجوانب ، لا تزال سوريا ضحية ‏لحرب متواصالة بين الدولة بقيادة رئيسها وداعش وقوى محلية وأجنبية مختلفة . و مع ‏التدخل المباشر من قبل الولايات المتحدة وروسيا ، أصبح أكثر من 9 ملايين سوري ‏لاجئين أو نازحين داخليًا منذ مارس 2011.‏‎6‎‏ وقد اثر الوضع السوري على امن ‏واستقرار كل بلدان المنطقة وبعض البلدان الآسيوية والأوروبية .وقد نشأ جيل من ‏أطفال الارهابين الذين يعدون بالآلاف بالمخيمات على الحدود السورية العراقية في ‏ظروف قاسية ،سيحملون السلاح بعد سنوات في وجة الجميع ، اذ بلغ عدد المشردين ‏‏”بمخيم الهول”‏
‏ ‏‎74‎‏ الف بين أطفال ونساء بشكل رئيسي منحدرين من عدة دول أهمها سوريا ‏والعراق، ويحتوي “مخيم روج” اربعة آلاف لاجئ نساء واطفال عالقين من ‏‎57‎‏ دولة ‏تسميهم الأمم المتحدة ” رعايا الدول الثالثة” وتطالب باعادتهم لدول المنشأ.‏
ختاما إن نجاح أو فشل الدولة يظل موضوع نقاش لكل من الأحزاب السياسية ‏وجماعات المصالح، فما يعتبره البعض نجاحًا غالبًا ما يتم تقديمه على أنه فشل من قبل ‏الآخرين. ثم يطرح السؤال حول تحديد المعايير الموضوعية التي تسمح بالحكم على ‏السياسة وعلى نجاح او فشل دولة في القيام بمهامها . هذا السؤال هو في صميم ‏اهتمامات تقييم السياسات العامة ، وهي ممارسة تسعى إلى التقييم المنهجي لعمل ‏وتأثيرات السياسة من أجل تحسين طريقة وأسلوب الحكم ‏‎.‎‏ ان الدول المصنفة فاشلة في ‏العشرية الأخيرة اثرت بشكل بالغ على الاستقرار والسلم العالميين بحكم عدم قدرتها ‏على حماية مجالها وعلى تلبية حاجيات مواطنيها الأساسية و استفحال عمليات النزوح ‏والهجرات المكثفة وتفشي الأوبئة والامراض والفقر والاتجار بكل أنواع الممنوعات من ‏المخدرات الى الأسلحة والمتفجرات الى الاتجار بالبشر مع الاعتداءات الصارخة على ‏القوانين وحقوق الانسان واستغلال أراضي تلك البلدان كملاذات للمجموعات الإرهابية ‏وكل مجموعات الجريمة المنظمة المتعددة ؛وان تواصل هشاشة بعض الدول التي يمكن ‏ان تتحول الى دول فاشلة من شانه ان يشغل الرأي العام الدولى والمنظمات الإنسانية لما ‏يمكن ان يسببه ذلك من آثار مدمرة على السلم والاسقرار الدوليين. ‏
لقد كشف تقرير افضل الدول الذي صدر في شهر جانفي ‏‎2020‎‏. عن دراسة استقصائية ‏عالمية قام بها الموقع الأمريكي ‏News &World report ‎‏ الامريكية بالشراكة مع مجموعة ‏BAV ‎‏ وكلية وارتون بجامعة بنسلفينيا ان الخمسة دول الأفضل في العالم هي سويسرا ‏وكندا واليابان وألمانيا و استراليا اما الدول الخمسة الأسوأ فهي لبنان وصربيا وسلطة ‏عمان وروسيا البيضاء وتونس ‏‎7‎‏ ، هكذا في عشر سنوات من السياسات البائسة ‏والعشوائية ومن عدم الاستقرار السياسي والفوضى أصبحت تونس البلد الرمز تصنف ‏ضمن أسوأ دول العالم . ‏
ان هشاشة الدولة في بلادنا اليوم وضعفها لابد ان يرج الوعي الجماعي، لان فشل ‏الدولة في أداء مهامها له أسبابه العميقة المتراكمة ويجب ان تعي الطبقة السياسية في ‏بان إمكانية ان نتفاجأ يوما بان تونس أضحت دولة فاشلة احتمال وارد ،وان بوادر فشل ‏الدولة بدات تلوح في اكثر من ميدان وعلية لا بد من تصويب الرؤى والالتفاف حول ‏مشروع وطني حازم لإنقاذ البلاد .ولعل رئيس الدولة المسؤول الأول على الأمن ‏القومي هوالمطالب الأول بان يفكر مليا في آليات الإنقاذ كما يتوجب على الحكومة ‏والبرلمان انهاء الخلافات والمضي نحو إيجاد الحلول العاجلة للحد من تدهور اقتصاد ‏البلاد والسعي للاستفادة من الخبرات التونسية التي تعج بها الساحة للخروج من الازمة ‏الطاحنة التي تعيشها البلاد قبل فوات الأوان …وحذاري فان الفشل لا يمكن ان يأتي الا ‏للآخرين.‏

المراجع ‏‎:‎
‎1‎‏-الدول الفاشلة – إساءة استعمال القوة والتعدي على الديمقراطية – نعوم تشومسكي
‎2‎‏-“‏Robert Longley‏ ماذا يعني” هشاشة الدولة “؟ صندوق السلام ،
‏ ‏https://web.archive.org/web/20150104202014/http://ffp.statesindex.org/faq-06-‎state-fragility‏.‏
‎3. ‎‏-بواس ، مورتن وجينينغز ، كاثلين م. “انعدام الأمن والتنمية: خطاب” الدولة الفاشلة “.” المجلة الأوروبية ‏لبحوث التنمية ، سبتمبر 2005.‏
‏2-‏ ‏-العرب في مؤشر الول الهشة -الحرة ‏
‏3-‏ ، تشارلز ت. “مغالطة” الدولة الفاشلة “. العالم الثالث الربع سنوي ، المجلد 29 ، 2008 ، العدد 8 ، ‏https://www.researchgate.net/publication/228346162_The_Fallacy_of_the_’Failed_State‏ ‘.‏
Rotberg،R-5‎‏ “عندما تفشل الدول. الأسباب والنتائج “. مطبعة جامعة برينستون (2004) ، ‏ISBN 978-0-66‎‏.‏
‎6‎‏- باتريك ، ستيوارت. “الدول الفاشلة والأمن العالمي: أسئلة تجريبية ومعضلات ‏
السياسة.” ‏Blackwell Publishing Ltd. (2008) ‎،‎ ‎https://www.jstor.org/stable/4621865‎؟seq=1#metadata_info_tab_contents
‎7‎‏- تعرف على افضل واسوأالدول في العالم – موقع ‏shorouknews.com‎