اكتسحت الســــوق المـوازيــــــة أكثر من 50 % من سوق مواد الاختصاص ما تسبب في تراجع عائدات ميزانية الدولة بما يزيد عن 500 مليون دينار سنويا دون اعتبار الخسائر التي تتحملها مؤسسات القطاع ومنها الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد حيث بلغت قيمة خسائرها بين سنة 2010 و 2014، 136 مليون دينار ما انجر عنه تداعيات سلبية مباشرة على الهيكلة المالية للوكالة، وفق تقرير التفقد النهائي لهيئة الرقابة العامة لوزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية الصادر في جوان 2020.
تعدّد نقاط بيع السوق الموازية
ووفقا للتقرير ذاته فإن سبب تطور السوق الموازية راجع في جزء منه إلى تعدّد نقاط بيع منتوجات السوق الموازية بشكل يفوق بكثير نقاط البيع الرسمية، إلى جانب انخفاض الأسعار التي تعرض بها المواد المهربة مقارنة بالأسعار الرسمية وكذلك إلى أن جزءا هاما من الكميات المباعة من مادة “المعسل” ومن ورق اللعب في السوق الموازية يقع إنتاجها من طرف مؤسسات منتصبة بتونس ومصدرة كليا أو جزئيا.
وأشارت الهيئة إلى اكتساح السوق الموازية لمادة “المعسل”، ما أدى إلى تراجع مبيعات الوكالة من هذه المادة التي انخفضت بنسبة تناهز 120 % بين سنوات 2013 و2015.
هذا وبلغ عدد الأكشاك وفقا لدراسة منجزة من الوكالة خلال سنة 2013، أكثر من 23 ألف كشك، لتشكل قطاعا موازيا ومنافسا لأصحاب الرخص القانونية لبيع التبغ إلى جانب مساهمتها في ترويج الجزء الأكبر من السجائر المهربة وبالتالي في ازدهار السوق الموازية، وفقا للتقرير ذاته.
ترويج أوراق اللّعب بالسوق الموازية
واستنكرت هيئة الرقابة العامة للوزارة عدم تفعيل عديد المقتضيات التي تحمي حقوق الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد بخصوص التزود بأوراق اللّعب رغم تضمينها بكراسات الشروط والعقود المبرمة مع مختلف المزودين، مما نتج عنه ترويج كميات كبيرة من أوراق اللّعب على مستوى السوق الموازية تحمل اسم الشركات المتعاقد معها لتصنيع تلك الأوراق، ما أدى إلى انخفاض مبيعات الوكالة من أوراق اللّعب من 3,4 مليون علبة سنة 2010 إلى 1,2 مليون علبة سنة 2013.
خزينة الدولة
ويشير تقرير وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية إلى أن الخسائر المالية السنوية التي سجلتها وكالة التبغ والوقيد قد تحملتها الخزينة العامة للبلاد التونسية من خلال التسبيقات التي تمنحها للوكالة لضمان توازناتها المالية وقد بلغ رصيد حساب الخزينة في موفّى سنة 2014، ما يزيد عن 131 مليون دينار، مبينا تراجع عائدات ميزانية الدولة بحوالي 1,8 مليون دينار وعائدات الوكالة بمليون دينار تبعا لذلك.
وبينت دراسة أنجزتها شبكة “كي بي أم جي” الدولية لمكاتب الاستشارة والتدقيق حول استهلاك السجائر المهربة في الجزائر والمغرب وتونس وليبيا، أن سيجارة من بين 4 سجائر تُدخن في تونس يتم تهريبها، مشيرة إلى أن من بين 18.98 مليار سيجارة مستهلكة في تونس، توجد 4.64 مليارات سيجارة مهربة، ما تسبب في خسارة عائدات ضريبية تقدر بـ219 مليون دولار سنويا أي ما يعادل 534 مليون دينار.
وتشير بيانات محلية إلى ارتفاع الخسائر السنوية التي تتكبدها تونس بسبب تهريب السجائر، إلى حوالي 40% من إيرادات قطاع التبغ الذي يوفر لميزانية الدولة 1.3 مليار دينار سنويا.
وأكدت الدراسة أن تدفق السجائر المهربة إلى تونس تراجع بنسبة 35% خلال سنتي 2015 و2016، مدفوعا بالسياسات التي اعتمدتها الحكومة لمكافحة التجارة الموازية والتهريب ومراقبة الشاحنات عبر الحدود.
تلاعب بالأسعار
من جانبه أكد مدير المالية والمحاسبة الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد، أنيس الأهواق، في تصريح لـ”JDD”، أن تقديرات السوق الموازية من بيع السجائر بلغت حوالي 478 مليون دينار، ما يشير إلى التلاعب بالأسعار حيث تجاوزت نسبة الرفع في أسعار السجائر المهربة حوالي 50 بالمئة من الأسعار القانونية.
وبين أنيس الأهواق أن نسبة خسائر الوكالة بلغت سنة 2019، حوالي 90 مليون دينار لتنخفض سنة 2020 إلى 40 مليون دينار، موضحا أن هذه الخسارة متأتية بالأساس من السجائر الأجنبية التي تستحوذ السوق الموازية على جزء منها، وفق قوله.
إمضاء مذكرة تفاهم
وأشار مدير المالية والمحاسبة بالوكالة الوطنية للتبغ والوقيد إلى أنه تم إمضاء مذكرة تفاهم بين الوكالة الوطنية للتبغ والوقيد والغرفة الوطنية للمساحات التجارية الكبرى في أوت 2020 ، تنص على بيع السجائر بالمساحات التجارية الكبرى وسيتم تفعيلها في أقرب الآجال.
واعتبر أنيس الأهواق أن هذه الاتفاقية ستحرر مادة التبغ من قبضة المحتكرين وستساهم في التقليص من آفة التهريب في تونس، مشيرا إلى أن عائدات الوكالة على خزينة الدولة بلغت سنة 2020، حوالي 113.3 مليون دينار، وفق قوله.
فيما اعتبر مرصد “رقابة” أن هذه المذكرة التي تنص على السماح ببيع السجائر بالمساحات التجارية الكبرى، تخدم مصلحة لوبيات نافذة، مؤكدا أنّها غير قانونية ومخالفة لمقتضيات الأمر عدد 1916 لسنة 1995 المؤرخ في 9 أكتوبر 1995 المتعلق برُخص استغلال محلات التبغ.
تعددت حالات الاستيلاء على منتوجات وكالة التبغ والوقيد من قبل المهربين بطرق متعددة دون رقابة ودون التفطن إلى بعضها من قبل المصالح الرقابية، أرقام تحتم على الدولة اعتماد استراتيجية تكون أكثر حزما وصرامة للقضاء على هذه الآفة التي باتت تنخر الاقتصاد الوطني وتؤثر سلبا على ميزانية الدولة.