ركود تضخمي حاد عاشت على وقعه البلاد التونسية طيلة العشر سنوات الماضية في وقت شهدت فيه ليبيا حربا أهلية، عوامل أنهكت قوى البلدين وأدت إلى هشاشة على جميع المستويات مما يستوجب عودة الحركية بين المنطقتين لعلها تكون سبيلا لانتعاش الاقتصادين والنهوض بهما.

خروج تونس من مربع ”كالدور”

من جانبه اعتبر الخبير المالي الدولي، ياسين بن اسماعيل، في تصريح لـ”JDD”، إن تخلف عملية خلق الثروة وتراجع الناتج المحلي الإجمالي إلى 1 بالمئة (سالب) في الفترة المتراوحة بين 2010 و 2020، إلى جانب تقلص نسبة النمو، عوامل أخرجت تونس من المربع الاقتصادي الظرفي السحري ”كالدور” وتجعلها تعيش أزمة هيكلية، مشيرا إلى أن جميع المؤشرات الاقتصادية تتأثر بمؤشر النمو الذي بلغ 10 بالمئة(سالب) سنة 2020.

وأضاف ياسين بن اسماعيل أن مؤشر البطالة داخل مربع كالدور لا يتجاوز 14 بالمئة ليبلغ في تونس 35 بالمئة وفق المعايير الدولية الحقيقية، كذلك التضخم المالي الذي يجب أن يتراوح حسب المربع الاقتصادي بين 0 و 10 بالمئة ، ليبلغ في تونس 5.5 بالمئة.

هذا ويشهد حجم توازن التبادل التجاري عجزا بقيمة 12 بالمئة (سالب)، في الوقت الذي يجب أن يكون الفائض 5 بالمئة (إيجابي ) على حد قوله.

تونس وليبيا

وفي سياق متصل، بين الخبير المالي الدولي أن نسبة العرض الداخلي تقلصت خلال العشر سنوات الماضية بنسبة 50 بالمئة إلى جانب تراجع المنتوجات الصناعية وتكنلوجيات الاتصال والمنتوجات الخدماتية وتقلص معدل إنتاج الألبان واللحوم الحمراء بسبب تهميش القطاع إلى جانب تأزم الوضع السياسي في البلاد، يأتي ذلك في الوقت الذي شهد فيه القطر الليبي حربا أهلية، أدت بدورها إلى انهيار البنية التحتية وتسجيل ركود تضخمي حاد يستوجب إعادة بناء جذرية من خلال توفير يد عاملة تونسية ”عالية الأهلية”، مما من شأنه أن يساهم في التخفيض في نسبة البطالة في تونس، وفق تقديره.

فرصة تونس للخروج من أزمتها

وقال الباحث الأكاديمي والمدير فوق الرتبة بالبنك المركزي ياسين بن إسماعيل إن عودة الحركية التجارية والتبادل البيني بين تونس وليبيا إلى نسقها الطبيعي بعد مرور فترة ركود تراوحت من سنة 2011 إلى سنة 2021، فرصة لإنعاش اقتصاد تونس في حال عملت الدولة على الرفع في نسق جهاز الإنتاج، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي داخل البلاد والرفع في قيمة العرض الخارجي ” التصدير” وتحقيق فائض إنتاج يستجيب لحاجيات السوق الليبية وبالتالي وصول تونس إلى مرحلة التبادل البيني.

وأوضح بن إسماعيل أن النهوض بمختلف القطاعات ”فلاحة صناعة وخدمات وتكنلوجيات الاتصال” والرفع في مستوى الإنتاج في هذه القطاعات من شأنه أن يقلص في حجم التضخم المالي ويرفع في نسبة الفائض، مشيرا إلى أن القطاع الفلاحي حقق بين السنة الماضية والسنة الحالية حوالي 4.5 بالمئة من نسبة الناتج المحلي الإجمالي، على حد قوله.

وشدد بن إسماعيل على أن ماعاشته ليبيا من دمار بسبب الحرب يستوجب تحسين بنيتها التحتية من خلال توفير يد عاملة تونسية وبالتالي التخفيض في نسبة البطالة مما من شأنه أن يخرج اقتصاديات البلدين من الاقتصاد الكلاسيكي القديم المرتكز أساسا على التوريد العشوائي من السوق الصينية وتعويضها في تصور استشرافي جديد في جهاز الإنتاج الصناعي للبلدين على حد السواء، ”ليبيا بثرواتها ومقدراتها المالية الهائلة وتونس بفضل يدها العاملة.

وبين الخبير المالي الدولي أن كل هذه الخطوات الجدية من شأنها أن تمكن البلدين من جمع قوة رأس مال طبيعي بالنسبة لليبيا مع رأس مال متجدد من الجهة التونسية، وفق قوله.

تخفيف قيود التصدير نحو ليبيا

في سياق متصل، انطلقت البلاد التونسية منذ ماي 2020، في تخفيف قيود توريد السلع بينها وبين ليبيا وذلك من خلال السماح للمصدرين بتبادل السلع على مستوى المعابر الحدودية دون الدخول إلى الأراضي التونسية بالنسبة لليبيين أو دخول الأراضي الليبية فيما يتعلق بالتونسيين.

ويأتي تخفيف التبادل التجاري البيني بعد توقف نشاط تصدير وتوريد السلع بشكل كامل منذ منتصف مارس 2020، بسبب الخوف من انتقال عدوى فيروس كورونا عبر الأشخاص والبضائع، وفق ما ذكره موقع العربي الجديد.

من جانبها أعلنت وزارة النقل خلال السنة الماضية عن اتخاذ جملة من الإجراءات في إطار تأمين المبادلات التجارية بين البلدين ومراعاة الحجر الصحي وللتقليص من تنقل الأشخاص بين البلدين.

الاستحقاقات المقبلة بين البلدين

وفي ذات الإطار مثلت الاستحقاقات المقبلة للبلدين وفي صدارتها المسائل التنموية والاقتصادية أبرز محاور لقاء رئيس الجمهورية، قيس سعيد، برئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، بقصر الضيافة بطرابلس في مارس الماضي.

حيث تم خلال هذا اللقاء التأكيد على مواصلة مساندة تونس للمسار الديمقراطي الليبي، خاصة وأن أمن تونس من أمن ليبيا، كما تم الاتفاق على إعطاء دفع جديد للنشاط التجاري ووضع خطة عمل لتفعيل الجانب الاستثماري عبر تسهيل إجراءات العبور بين البلدين وتيسيير الإجراءات المالية بين البنك المركزي التونسي ومصرف ليبيا المركزي. 

لا يمكن الاستفادة من عودة الحركية بين البلدين في ظل ركود تشهده الدولتان إلا في حال تحسين مستوى الإنتاج في جميع المجالات سواء كانت صناعية أو فلاحية بهدف الرفع في نسبة التصدير وبالتالي تحسين الوضع الاقتصادي في كلا البلدين.